12 سدّادة تعيق الإصغاء والتفاهم
لماذا تتركها في أذنيك؟


يصعب إصغاء البشر بعضهم لبعض ويتعسّر تفاهمهم بسبب واحدةٍ أو أكثر من اثنتي عشرة سدّادةً يضعها الواحد منّا في أذنيه سهواً، أو اضطراراً، أو ربما يتعمّد ذلك في مواقف معيّنة أو مع أشخاصٍ معيّنين.


يستخدم كل البشر هذه السدّادات، فلا تشعر بالحرج و الغربة في رحلة التعرف عليها، واغتنم هذه الفرصة كي تصبح أدقّ ملاحظةً لنفسك عندما تنزلق إلى استخدامها.


1- المقارنة:
تصعّب المقارنة الإصغاء لأنّ المرء يكون حينها مشغولاً بقياس من هو الأذكى، ومن هو الأقدر، ومن هو الأصحّ والأكثر توازناً عاطفياً: هو أم المتكلم؟ وكذلك نجد بعض الناس ينشغلون بالمقارنة لمعرفة من هو الأشدّ معاناةً وتذوّقاً لمرارة الظلم والأذى.


المقارنة هي التي تجعلك أثناء الحديث تنصرف إلى التفكير و الحديث مع نفسك. ومع هذا الانشغال بحديث النفس و الغرق في القياس والمقارنة كيف يبقى مكانٌ لاستقبال واستيعاب ما يقال لنا؟


2- قراءة ما وراء الكلمات:
قارئو الأفكار لا يوجّهون انتباههم إلى الكلام الموجّه لهم، إنّهم يشكّكون في كلّ ما يقال لهم ويغرقون في محاولات استكشاف –أو تخيّل- الأفكار والمشاعر الحقيقيّة لدى محدّثهم. وهكذا نسمع عباراتٍ مثل: ” تقول إنّها تريد الذهاب معنا، ولكنّها في الحقيقة تريد البقاء هنا كي ترتاح. ولذلك لن ألحّ في دعوتها إلى المضيّ معنا كي لا يغيظها ذلك…”


الغارق في قراءة الأفكار لا يوجّه كثيراً من انتباهه إلى كلمات الحديث بل ينصرف إلى ملاحظة نبرة المتكلّم والتعبيرات الدقيقة في وجهه وجسده كي ينفذ إلى الحقيقة المخبّئة. وقارئ الأفكار لا يتردّد كثيراً في وضع الافتراضات التي تأوّل تصرفات وأحاديث الناس قافزاً عن حقيقة أن هذه الافتراضات وليدةُ حدسه وتخميناته الغامضة ولا علاقة لها بما يقوله المتحدّث فعلاً.


3- الانشغال عن فهم الكلام بتحضير الردّ عليه
لدى انشغال المرء بتحضير ردّه على الطرف الآخر بعد قليل لا يبقى في ذهنه متسع ولا في وقته فسحة لاستيعاب ما يقال له الآن (تخيّل روعة الحوار إن كان الآخر أيضاً مشغولاً بتحضير ردّه!)


نعم، كلّنا يعرف ضرورة إبداء الاهتمام بالحديث الملقى إليه، ولكن هيهات! ما الفائدة إن كان وراء قشرة الاهتمام لبٌّ تائه بسبب انصراف المرء إلى الحكاية التي يريد أن يقصّها والاعتراض أو سلسلة الاعتراضات المرتّبة التي يريد أن يلقيها فور انتهاء الحديث أو بالتزامن معه؟


4- الفلترة: تسمع ما تهوى كما ترغب حيثما تشاء
يفلتر الإنسان عندما يضعُ على أذنيّ عقله بوابةً يفتحها ويغلقها كما يشاء، أو مصفاتين تغربلان أجزاء الحديث فتمرّران ما يهوى وتردّان أو تحوّران ما لا يهوى.


بالفلترة ينصرف كلّ انتباه المرء إلى حاله أو حال أحدٍ آخر يهتمّ لأمره من سعادة أو مرارة أو غضب أو تهديد يحيق به. ولا يُطلق لذهنه عنان الاستيعاب ويفتح أذنيه إلاّ بعد اطمئنانه إلى خلوّ الأجواء من تلك المخاوف.


وهكذا نرى الأمّ المشغولة بمشكلة ابنها في المدرسة لا يمكنها أن تراجع قائمة التسوّق مع البقّال قبل أن تطمئنّ على صغيرها.
وبسبب الفلترة أيضاً نرى الإنسان ينسى كلّ ما يقال له من نصحٍ ونقدٍ لشخصيته وتصرفاته أو من تحذيرٍ من دربٍ زلقة يمعن فيها وكأنّ شيئاً لم يقل له أبداً.


5- الدمغ بالأحكام المسبقة والآراء القطعيّة
إنّ لدمغ الآخرين بسمات الخطأ أو النقص تأثيراً عظيماً ممتدّاً. بعد الحكم على طرفٍ معين بالغباء أو العجز أو السوء فإنّ تصديق نفسك لحكمك هذا أمرٌ لا مفرّ منه فلا تهتمّ بسماع أو استيعاب ما يقول.


إنّ المسارعة إلى وصمِ خطابٍِ ما “بالمنافق” “أو السفيه” ” أو المتسلّط” تعني أنّك توقّفت عن الإصغاء وتشرع في ردّ فعلٍ مسبق الصنع لاعقلاني. أين هذه الاستجابة من إحدى أهم قواعد الحوار: تأجيل كل الأحكام إلى حين الانتهاء من استيعاب وتقييم كلّ محتوى الرسالة؟


6- الشرود
بينما أنت تتأرجح على الحافة بين الإصغاء والتشتّت تطرق سمعك كلمةٌ معينة من حديث المتكلّم وإذا بها تشدّك عن تلك الحافة وتسقطك لتغرق في سلسلة من التصوّرات التي يستدعي بعضها بعضاً.


يحدّثك صديقك الغاضب الحيران ويشكو أنّه فصل اليوم من وظيفته، وكلمع البرق تجد نفسك تغرق في ذكرى فصلك من عملك ذات يوم بعد أن أمسكت متلبّساً تلعب “الطرنيب” في إحدى استراحاتك المديدة جداً. آه من “الطرنيب”! سقى الله زمان اجتماعنا عليها يوماً بعد يوم وليلةً بعد ليلة أنا وسامر وفؤاد و مجدي…


وعندما تنقطع سلسلة التداعيات هذه وتصحو فجأةً تجد صديقك ينهي حديثه وهو يرجو منك التفهّم ويبدي اعتماده على نصيحتك ومساعدتك في قضيةٍ يظنّ أنّك الوحيد الذي بات يعرف تفاصيلها!


كل الناس يشردون، وفي بعض الأحيان نجدُ متابعة بعض الأحاديث أو بعض المتحدّثين أمراً شاقاً او مستحيلاً بالفعل على معظم البشر.


ويزداد احتمال وقوع الإنسان في الشرود عندما يكون ضجراناً أو قلقاً. وما تنبغي ملاحظته هنا هو أنّ كثرة الشرود خلال حديث أشخاصٍ معيّنين قد تكون مؤشّراً على ضعف الرغبة في التعرّف على المتكلّمين، أو عدم تقديرهم، أو عدم الاهتمام بالقضية التي يتناولونها.


7- المطابقة مع الذات: لديك نسخة أفضل من كل ما تسمع
في عقبة الإصغاء هذه يقوم الإنسان بتسخير كلّ ما يسمعه من أجل استدعاء واستعراض حالته وتجاربه الخاصّة. وهكذا ترى أنّ أحدهم يحدّثك عن آلام الأسنان الفظيعة التي يعانيها، ولكنّك تتذكّر الجراحة التي أجريت للثّتك المتراجعة وتنطلق في عرض قصّتك غير مبالٍ بأنّه لم ينه حديثه بعد!


كل ماتسمعه يذكّرك بمعاناةً ألمّت بك أو عملٍ فريد قمت به، ولأنّك مشغول كل الانشغال بقصص حياتك المثيرة هذه لن تجدَ وقتاً كي تصغي إصغاءً حقيقياً أو للتتعرّف بالفعل على الشخص الآخر.


8- الاهتمام بإلقاء النصيحة لا بالتقرّب من المنصوحين
بما أنّك حلّال مشاكل مخضرم، مستعدٌ لعرض ثروتك الهائلة من الاقتراحات والتوجيهات التي لا تشكّ في نجاعتها أبداً فإنّك لا تحتاج إلاّ لسماع أوّل بضع عباراتٍ من حديث المتكلّم حتّى تنطلق في البحث عن النصيحة الملائمة له. وبينما أنت تنقّب وتحضّر اقتراحاتك يفوتك أهمّ جزءٍ في الحوار. يفوتك سماع الحديث بتمامه، ويفوتك الإصغاء إلى مشاعر المتكلّم وتحسّس مواضع وجعه بدقّة. في غمرة انشغالك بإلقاء النصيحة تخلق حاجزاً بينك وبين المتلقّي وتجعله يراك قريباً منه بجسدك بعيداً عنه باهتمامك.


9- المراء والمناكفة: المخالفة من أجل المخالفة
هذه السدّادة تضع المرء في خندق الخلاف الأبديّ مع كلّ المتحدّثين وفي أيّ حديث. بسبب مسارعتهم إلى الخلاف والنقد يشعر المتحدّث مع أصحاب هذه السدّادات بأن لا أحد يسمعه وبأنّ كلّ اهتمامهم يتجه إلى التفتيش عمّا يتيح لهم الاعتراض ومخالفة المتحدّث.


وبمناسبةٍ أودون مناسبة أيضاً يسارع أصحاب هذه السدّادة إلى استعراض قناعاتهم استعراضاً صارخاً مفرط الثقة والصلابة.


من أهم وسائل نزع هذه السدّادة الاهتمام بإعادة صياغة ما فهمنا من كلام المتحدّث بعباراتنا نحن والتأكّد من أنّه يقصد ذلك بالفعل. و اتخاذُ موقف إيجابيٍ نشط في البحث عن نقاط الالتقاء.


يتفرع عن خصلة المراء والمناكفة، المبادرة بالتهكّم والإذلال. وهنا نرى المرء يستخدم التعليقات اللاذعة وعبارات الاستخفاف الجارحة للحطّ من قيمة وأهمّية أقوال أو آراء الطرف الآخر.


ويعتبر أسلوب التهكم هذا من أهمّ عراقيل الحوار بين الأزواج وهو المسؤول عن دفع الحوارات دفعاً سريعاً نحو أنماطِ تقليدية مترسّخة ليغرق كل طرف في تكرير ديباجة عدائية لا تنتهي.


ومن أشكال المناكفة والولع بالخلاف: صدّ المديح أو التقليل من قيمته. عندما تشكر أو تثني على أحدهم يبدو كأنّه لم يسمع أو لم يصدّق أو لم يقدّر ثناءك، ويكون الجواب شيئاً من قبيل: ” أوه لا! لم أصنع لك شيئاً!” أو القول ” هل أعجبك ما قمت به حقا؟! إنّ ما يعجبك هنا هو واحدةً من أفشل محاولاتي!”


ألا يمكن للمرء أن يعبّر ببساطة عن سروره بشكر الآخرين له و سعادته بثنائهم عليه!؟ لماذا يرفض الناس أحياناً التعبير عن تقديرهم للرسالة التي وصلتهم وترك الآخرين يستمتعون بثمرات الكلمة الطيبة التي بادروا بها؟

10- الصواب المطلق: إن كنتُ على حق في كل شيء فلمَ أنصت إلى أيّ شيء؟
قناعة المرء بأنّه على صوابٍ مطلق تجعله يذهب أيّ مذهب (من لوي الحقائق، والانفعال، وإطلاق الاتهامات أو التبريرات جزافاً، والتنديد بأخطاء الآخرين الماضية) في سبيل التملّص من الإقرار بأنه مخطئ. عندما يكون المرء واثقاً ثقةً مطلقةً فإنّه يعجز عن الإصغاء للنقد، ويستحيل عليه تقبّل التصحيحات واقتراحات التغيير.


إن كانت ثقتك بصحّة تصرفاتك وآرائك مطلقةً، وكنت ترى أخطاءك صواباً فمن أين ترجو الإقلاع عنها؟

11- تشتيت الحوار: فلنذهب بالحوار إلى حيث نريده أن يذهب بنا وإلاّ!
عندما يسأمون أو يُحرجون من الوجهة التي يمضي فيها الحوار فإنّ الناسّ يلجؤون أحياناً إلى دفع الحوار في اتجاهٍ مختلف. ومن طرق التشتيت أيضاً قلب الحوار إلى كوميديا والردّ على كل ما يطرح بنكتة أو مراوغة تجنّباً للإحراج أو المسؤوليات الشاقّة المحتمل نشوؤها عن الإصغاء الجادّ لحديث الطرف الآخر.

12- الاسترضاء: لماذا أصغي حين أعرف سلفاً ماذا ينبغي أن أقول؟
عندما تغلب على المرء حاجته إلى الظهور بمظهر اللطيف المحبّب إلى القلوب، أو مظهر المتعاون المتفهّم فإنّ استجاباته الافتراضية تصبح الثناء والتصفيق بعد كل ما يسمعه.


قد يكون المرء في هذه الحالة نصفَ واعٍ لما يقال، وبالكاد يلاحق أطراف الحديث، ولا يرى بأساً في ذلك! فالمهم الآن هو الاسترضاء وتوليد الانطباع الحسن، وليذهب إلى الجحيم الإصغاء والتمحيص والاهتمام بفهم مايقال.