إن كلمة هيستريا يونانية الأصل و قد استعملت في طب أبيقراط و كانت تعني مرض يظهر بقوة سببه إنتقال الرحم و تجوله داخل العضوية لذلك فهذا المرض كان محصوراً بين النساء و طبعاً فإن هذا خطأ عظيم.
إن كلمة هيستريا بمعناها الحالي و الصحيح تعني إضطراب حركي أو حسي ( اضطراب تحويلي ) أو اضطراب في الذاكرة ( اضطراب تفككي ) لا أساس فيزيولوجي له و إنما أساسه وجود صراع يسبب قلق لا يصل إلى مرحلة الحل و لذلك فهو يكبت و يدفع بعيداً عن ساحة الشعور.
و هكذا فالشخص الهيستيري يدافع عن نفسه بإظهار عطل أو عجز حركي أو حسي أو خلل بالذاكرة و هنا عمل اللاشعور الذي يُظهر العجز لتفادي مواجهة القلق الناتج عن الصراع.
والحال هذه يكون المريض راضياً بحالته التي هو عليها حيث أنها خلصته من أخطار الصراع الداخلي. و لذلك فلا يهمه كثيراً أن يخلص من مرضه و لا يسعى وراء العلاج لأن اتصاله بالواقع لم يتأذى ولم يصيبه عطل هام أما العطل الحاصل لديه قيجنبه ما يريد لا شعوره تجنبه.
أعراض الهيستريا : نستطيع أن نقسمها إلى ثلاثة : تحويلية, وتشنجية، وتخلخلية ( تفككية )
الأعراض التحويلية : أعراض حركية كالمعاناة من الشلل في أي جزء من الأجزاء الواقعة تحت الضبط الحركي,أو فقدانه القدرة على استعمال الحبال الصوتية , سعال , تقيؤ ,أو تشنج يعضلة المثانة.
أعراض حسية : مثل شكوى المريض من فقدان الحس باليدين أو فقد القدرة على السمع و الشم و التذوق و أحياناً العمى الجزئي أو الكلي. كما تظهر في بعض الحالات زيادة بالغة بالحساسية أو حكة شديدة.
أعراض حشوية : كأوجاع المعدة, الحازوقة, ضعف الشهوة للطعام.
وغير ذلك من الأعراض الجسمية ..
الآعراض التشنجية: وهي نوبات من التشنج و الإغماء تستمر بضع دقائق يقوم الهيستيري من خلالها بعراك و حركات تشبه ما كان يقوم به أو يلزمه في مرحلة الصراع و القلق التي لحقت بها حالة الهيستيريا مع إختلاط النوبة بالثورات الكلامية و الصراخ و الضحك و البكاء و النحيب.
إلا أن المصاب لا يفقد شعوره تماماً بل يبقى واعياً لما يحيط به لدرجة إنتقائه موضع الوقوع إذا أراد حتى لا يؤذي نفسه.
الأعراض التخلخلية ( التفككية ): وتكون الغلبة فيها للأعراض النفسية والعقلية ومنها :
فقدان الذاكرة : ومنه الجزئي المتمثل بجزء معين من ذكرياته و أهمها التي سبقت مباشرة الأعراض الهيسترية لديه أو ربما بفترة من فترات حياته المؤلمة أو ربما ما يتصل بأشخاص و أمكنة معينة .
التجوال و التشرد: وهو نسيان المريض هويته لفترة من الزمن و هروبه من مكان إقامته المعهود إلى مكان آخر .و شروده هذا يمكن أن يكون لساعات و أحيان يمتد لسنوات.
السير أثناء النوم : ولكن هذا النوع من الشرود محدود بالمكان و الزمان و هو ينطوي على إجراء واقعي لجانب أو أكثر من حالة معينة بالذات كانت العامل المباشر وراء الهيستريا.
إضطراب الإدراك و المعرفة : يُظهر الهيستيري اضطراباً في إدراكه لما يحيط به فقد يهذي مدعياً سماع أصوات تحادثه و تناديه و قد يتوهم من أن أحداً يلاحقه و يتتبعه.
إزدواج الشخصية : و هو وجود شخصيتان أو أكثر للشخص الواحد يتوالى وجودهما فيه .و كل شخصية هي نمط يختلف عن الآخر , يظهر عليه الشخص ويكون ظهور النمطين أو الثلاثة بشكل غير منتظم زماناً و مكاناً.
إن هذا الإزدواج هو هروب الشخص من ذاته لذاتٍ أخرى ينزع إليها من غير أن يعترف بذلك مع نسيانه ما كان عليه في الشخصيات الأخرى.
و يغلب على من يقع في الإزدواج بالشخصية أن تظهر لديه في وقت مبكر من شبابه حالات الإغماء و أشكال من النوبات و بعض المظاهر الأولية للهيستريا.
العوامل المسببة للهيستيريا :
الإنهاك العصبي الشديد : هذا الإنهاك عند بعض الأشخاص يجعل الخبرات الجديدة غير قادرة على التآلف مع الخبرات السابقة و بالتالي يتم إنفصالها عن وحدة الشعور أي التركيب النفسي العام .
أنماط الشخصية: كما فسرها العالم بافلوف مثلاً .. هي أربعة أنماط : المندفع, الخذول ,النشط المتزن , و الهادئ المتزن . والمعلوم أن نسبة إصابة الخذول بالهيستريا أكثر بكثير من الأنماط الآخرى.
ضعف القشرة الدماغية: حيث يكون المريض جاهزاً لإظهار المرض و تقبل الإيحاء و شدة الإنفعال .أما تقبل الإيحاء فهو يرتكز حتماً على اتجاه الخلايا العصبية في قشر الدماغ نحو الكف و الإستكانة ، وكذلك ترتبط شدة الانفعال بعمل المراكز العصبية ما تحت القشرة.
ظاهرة الكبت: وهنا علينا فهم الهيستريا من خلال العوامل المباشرة و الخبرات السابقة التي تطورت تدريجياً على فترة من الزمن لدى شخص اعتاد الدفاع عن نفسه ضد معاناة القلق بكبت الذكريات المؤذية أو كبت النزعات الجنسية أو العدوانية أو بإظهار بعض المظاهر الفيزيولوجية .
إن هذا الاعتياد و الإلفة هو تربة صالحة لدى الشخص لظهور الهيستريا أمام ظرف قاسي و جديد.
التنشئة الإجتماعية: لابد من ذكر التنشئة الإجتماعية فالمصاب بالغالب قليل النضج إجتماعياً ولديه نقص في تناسق سلوكه الإجتماعي. وأحياناً يكون للرعاية الزائدة التي يمنحها الوالدان أيام الطفولة و النزوع الإتكالي الذي ينشأ لدى الطفل ، تأثيراً كبيراً نحو الإصابة بالهيستريا.
وأخيراً .. بعض الباحثين تحدثوا عن الوراثة لكن الدراسات المختلفة لم تؤيد وجود عامل مباشر من هذا النوع ، .يضاف إلى أن النظر إلى الهيستريا على أنها آلية دفاعية تتطور مع حياة الفرد يتعارض مع الميل إلى جعل العوامل الوراثية بين فئة العوامل الأساسية المسؤولة عن تكوين الهيستريا.
معالجة الهيستيريا :
يفيد استخدام التنويم المغناطيسي ( الإيحائي ) وطريقة التداعي الحر. كما تفيد الأساليب الإيحائية العامة في إزالة الأعراض المرضية . ومن الضروري تطبيق أساليب المعالجة الفيزيائية في حالات الشلل أو الضعف العضلي الهستريائي . وأيضاً البدء بإعادة التأهيل الإجتماعي وتنمية مهارات الشخصية التكيفية وتعديل ظروف البيئة وأساليب الأهل باتجاه زيادة مسؤولية المريض والتخفيف من اعتماديته على الآخرين وعلى الأعراض المرضية . كما يمكن استعمال بعض العقاقير الخاصة والأدوية النفسية في بعض الحالات .
تم النشر في 30/1/2007