علم الإيماءات يساهم في التفاهم والتعارف بين اجناس مختلفة اللغات وهو أسلوب التربية الذي يساهم في جعل وجوه الأشخاص غامضة أو معبرة. في الواقع هو علم جديد وقديم .. جديد لأنه مطروق حديثاً من قبل الدراسة الأكاديمية حيث شعر المجتمع الدولي بحاجته إلى هذا النوع من العلم والذي قد يساهم في إزالة عائق التفاهم والتعارف والتواصل بين الأجناس مختلفة اللغة. وقديم كون هناك محاولات جادة اهتمت بهذا العلم أهمها ما طرحه الجاحظ الذي تحدث في البيان والتبيين عن أثر الإيماءة والإشارة في فن الخطابة.. ثم جاء دارون الذي اهتم بدراسة الحيوان ثم دراسة الإنسان ووضع مقارنة بين الإنسان والحيوان كان من ضمنها طرق التواصل واتضح أنه إذا كان الحيوان له طرق تواصل غير لفظية وكان "دارون" قد أعلن الإيماءات الوجهية الدولية الخمس التي تشترك فيها أجناس الأرض بتوحد..البكاء ، الضحك ، الابتسامة ، التقزز ، الحزن .. ثم جاء "ديفيد ايفرون" الذي اهتم ايضاً بهذا العلم من خلال دراسة عن الإيماءات والحركات في الأجناس الأميركية المتوالية . وحتى لا نغوص في التحليل الفني لهذا العلم دعنى أقول إن المصلحة الهامة لهذا العلم تكمن في إبرازه لنوع هام من التواصل البشري إضافة إلى كونه اهتم بالمدلول النفسي للإيماءات البشرية عند كل قومية .. فمثلاً العرب واليهود تكثر لديهم الإيماءات الأيدلوجية التي تعبر عن العواطف في حين أن مجتمع أوروبا وأميركا تغلب عليه الإيماءات الميكانيكية التي تعبر عن مدينة التكنولوجيا الصناعية . وهذا يعكس بالتالي طرق تفكير الشعوب باختلافها وكيف تعيش هذه الشعوب حياتها.. فنلاحظ أننا كعرب مجتمع كلامي.. أعنى أنه يعتمد على الكلام الكثير في يومياته ، بينما مجتمع أوروبا مثلا يقضي معظم وقته في الأبحاث والابتكارات والانشغال العلمي الذي معه تتقلص مسألة الكلام هذه .

أنك لو نظرت إلى إشكاليات عملية كثيرة في حياتنا لأدركت مدى هذه الأهمية .. فمثلا في العملية التعليمية ترى أن المدرس يحتاج إلى دراسة هذا العلم ليملك مفاهيم جديدة للتواصل مع تلامذته.. رجل الأعمال يحتاج لدراسة هذا العلم كي يستفيد منه في التواصل مع رجال الأعمال من دول اخرى فالمسألة هنا ليست لغة منطوقة فحسب .. كذلك السياسي يحتاج لفهم هذا النوع من العلم كي يدررك مدى تأثير أي إيماءة أو إشارة أو حركة جسدية على الآخرين الذين يتفاعلون مع توجهاته السياسية.. هو أيضاً مهم للطلاب في المراحل الجامعية النهائية كي يؤهلهم للتواصل غير اللفظي في مختلف التخصصات.. بل أن المنهج التربوي العربي بشكل عام يحتاج إلى الزامية تقرير مادة عن اخلاقيات المهنة ومادة التواصل غير اللفظي في كل المراحل النهائية الجامعية لأنها مفيدة جدا في حياة الطالب العملية بعد ذلك.. لاسيما في ظل مجتمع عالمي مفتوح نحن في حاجة كبيرة للتواصل معه بطرق أكثر دقة ووعياً وفهماً ولقد لاحظت في المجتمعات الغربية أن هناك استشاريين أعلاميين يقدمون النصح بالأمور التي يجب مراعاتها في التعامل مع الأخر والأمور التي يجب تفاديها .

ربما هذا العلم يدخل في نطاق فن "الاتيكيت" فالاتيكيت ايضاً مرتكز هام في عملية التواصل غير اللفظي وكذلك البروتوكول. وهو مهم أكيد لأن الكثير من الإيماءات والإشارات تدلل على حالات نفسية وعقلية وعن حالة رفض أو حالة قبول ـو حالة زعل أوحالة فــــــــــرح ، الزوجة على سبيل المثال لو تدربت على مهمة الإيماءات والإشارات التي تصدر عن زوجها في حالة الزعل أو حالة الاستعجال لاستطاعت تفادي الحالة العصبية التي قد تنتج من هذا الزوج نتيجة لتصرف ما يصدر من هذه الزوجة في أوقات تكون غير مناسبة مزاجياً مع حالة الزوج ، وقس على هذا سلوكيات اجتماعية عديدة يمكن أن تستفيد من علم الإيماءات .

إن علم التواصل غير اللفظي "الإيماءات" يعد طفلاً يتيماً يستطيع أن يتبناه الكثير من العلوم بما فيها علم النفس أو علم الاجتماع أو علم اللغة أو العلوم السياسية أو علم التسوق وكل علم من هذه العلوم يستطيع الاستفادة منه أو نقله في الجانب الذي يخص كل علم من هذه العلوم . لو نظرنا لأساتذة التحليل النفسي الكبار مثل فرويد وغيره لوجدنا أنهم كانوا يدخلون إلى شخصيات مرضاهم النفسيين من خلال تحليلهم لطريقة الجلوس أو الحركات العفوية الصادرة عنهم أو الإشارات التي قد تعبر عن توتر أو قلق أو التناسق في التفاعل الحركي .