عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
الصحة العقلية 2
يميل بعض الناس إلى اتهام جيناتهم أو أبراجهم بالتسبب في تعاستهم لأنه حينئذ سيبدو الأمر وكأنهم غير مسئولين عما حصل لهم. كثير من الأطباء يميلون إلى اتهام جين غير مكتشف أو تغير بيوكيميائي بالتسبب في تعاسة مرضاهم. هذا لأن أمثال هؤلاء من الأطباء يشعرون براحة عند تفسير الأحداث تفسير طبيا أكبر منها عند إعطاء تفسيرات نفسية.
غير أنه على الرغم من كثرة ما أنفق من الوقت والمال والجهد التي صرفت في البحث عن التغيرات الجينية أو البيوكيميائية التي تتسبب في الاختلال العقلي فإن شيئا منها لم يكتشف.
المستويات "السيروتينية"
التغيرات في المستويات السيروتينية (التغيرات الكيميائية في الدماغ التي تقود إلى تغير المزاج) قد وجدت عند من يعانون من الاضطراب العقلي، لكن السبب يسبق ما يتسبب فيه، ولم يعثر على أي تغير بيوكيميائي يسبق وقوع الاضطراب العقلي. إنه من غير الصحيح القول بأن الاضطراب العقلي يحدث بسبب اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ. إذا كان هناك عقار يجعل شخصا ما يشعر شعورا أفضل، فهذا لا يعني أن الاضطراب العقلي عند هذا الشخص ناجم عن عدم تعاطيه هذا العقار. حقيقة أن الأسبرين يعالج الصداع لا تعني أن الصداع حدث بسبب عدم تعاطي الأسبرين.
الجينات
كثيرا ما يدعى أن البحث العلمي يدل على أن الاضطراب العقلي صفة وراثية. غير أن تحليل هذا البحث العلمي يعيد هذه القضية إلى ميدان البحث مرة أخرى. لا شك أننا نأخذ الكثير من آبائنا لكن أكثر ذلك يأتي عن الطريق التعلم. قد نتعلم من عائلتنا طرقا في التفكير تؤدي إلى الاضطراب العقلي. إذا كانت الأم خائفة ومتشائمة دائما فإن طفلها يتوقع منه أن ينشأ وهو يعتقد أن العالم مكان مريع، وبالتالي سيصبح الطفل خائفا ومتشائما.
أنا أشعر بأنني ضعيف عقليا، فما الذي يمكن عمله؟
اقبل بأنك قابل للتغيير. لا أحد يبقى كما هو، فكذلك أنت قد تتغير نحو الأفضل. التغير الكبير الذي تحتاج أن تقوم به هو أن تقيم وتقبل نفسك. إذا أمضيت أغلب حياتك ظانا أنك غير مقبول وذو قيمة ضئيلة فإنه من الصعب ان تتغير لأن كل أفكارك وطرق سلوكك مؤسسة على ذلك الوهم.
الحيلة هي أن تقول لنفسك: "أنا لا أفكر كثيرا في نفسي، لكن من الآن فصاعدا فسأتصرف وكأنني خير صديق لنفسي. سأكون طيبا مع نفسي، وسأعتني بها، وسأتوقف عن انتقادها والحط من قيمتها." التصرف وكأنك خير صديق لنفسك سيقودك إلى أن تصبح خير صديق لنفسك. عليك أن تكون حذرا جدا في الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك. أصغي إلى الصوت الذي في عقلك. اكتب الأشياء المؤلمة والحرجة التي يخبرك بها ذلك الصوت، ثم فكر في أشياء أفضل وألين وأكثر تشجيعا لتقولها لنفسك. مثلا، عندما يتحتم عليك أن تعمل شيئا فإنك دائما تقول لنفسك: "من المؤكد أنك ستفشل. أنت دائما تفسد كل الأمور التي تقوم بها." اكتب هذا، ثم اكتب إلى جنبه: "ستجتهد إلى أقصى ما تستطيع، وليس من المهم أن تنجز الأمور في كمال تام، لأن لارتكاب الأخطاء حسنة وهي أنك تتعلم منها." الآن كرر قول هذا وأشياء أخرى مشجعة لنفسك. ناقش الافتراضات التي أسست عليها أفكارك. هل حقا كل العالم يكرهك؟ أو أن كل ما فعلته من قبل كانت له نهاية سيئة؟ هل حقا كل سوء وقع لك هو عقاب لك لكونك شخصا سيئا؟ تأمل في تبعات أفكارك. إذا لم تقترب من أي شخص لأنك تخشى من أن ترفض، أليس من تبعات ذلك أنك ستكون دائما وحيدا؟
حاول أن تتذكر كيف وصلت إلى اعتبار نفسك شخصا سيئا. هل هذا ما كان والداك يخبرانك دائما؟ هل كنت حقا سيئا أم أنهما كانا يفرغان مشاعرهما السيئة عليك؟ هل أنت خائف من إدراك أن أبويك لم يكونا كاملين؟ ليس هناك أبوان كاملان مطلقا.
كتابة هذه الأشياء ستبرز تفكيرك ومشاعرك خارج نفسك بحيث تراها بوضوح. الكتب قد تكون مفيدة، جرب قراءة ليس فقط كتب "مساعدة النفس" ولكن الرواية والشعر والسير المكتوبة جيدا.
ناقش أفكارك مع آخرين
تحدث عن هذه الأشياء مع آخرين لتجد كيف ينظرون إلى الأمور. تحدث مع أصدقاء، أو توقف لبرهة في مركز محلي لا يطلب منك أخذ موعد مسبق، أو انضم إلى مجموعة من مجموعات "مساعدة النفس" (self-help groups). هناك طرق علاج توجيهية (تقدم النصيحة) وأخرى استكشافية (تستخدم طريقة الحوار). طريق العلاج التوجيهية مثل طريقة العلاج العقلي تعلمك مهارات للتغلب على مشاكل معينة، طريق العلاج الاستكشافية مثل طريقة العلاج النفسي عن طريق الحوار (psychotherapy) تستكشف أفكارك وتجاربك التي مررت بها. أغلب المعالجين والاستشاريين يستخدمون مزيجا من الطريقتين. العثور على معالج أو استشاري قد يكون أمرا صعبا. استفسر من طبيبك فيما إذا كان هناك استشاري متوافر في المركز الصحي أو فيما إذا كان بمقدوره أن يحولك إلى طبيب نفسي يتبع الخدمة الصحية الوطنية (NHS) أو إلى معالج نفسي. انظر ما الذي من الممكن أن تقدمه لك منظمة العناية العقلية بمنطقتك. انظر في السجل الرسمي للمعالجين النفسيين والاستشاريين النفسيين في المكتبة العامة التي في منطقتك. حقيقة أن اسم المعالج النفسي أو الاستشاري النفسي موجود في السجل ليست ضمانا أن هذا الشخص سيكون ذا فائدة كبيرة، لكنها تعني بلا شك أنه إذا حدث ضرر فبإمكانك رفع شكوى إلى المنظمة الرسمية التي يتبع لها هذا الشخص.
ليس هناك معالج نفسي أو استشاري نفسي يمتلك عصا سحرية تجعلك تتحسن، لكن بإمكانهم أن يقوموا بدور المرشد لك في رحلتك لاستكشاف نفسك.
ما الذي يمكنني عمله حيال الأمور التي لا يمكنني تغييرها؟
تذكر أنه ليس الذي يحدث لنا هو الذي يسبب الاضطراب العقلي ولكنها الكيفية التي نفسر بها ما حدث لنا. إذا كانت أمك دائما تحتقرك وتؤذيك، وإذا كنت تظن أن زيارتك لها أسبوعيا هي أمر حتمي وكأنه قانون كوني، فإنك تضمن لنفسك المعاناة. وإذا كنت تعلم أنه ليس هناك قانون مثل هذا وأنها مسئوليتك أن تعتني بنفسك، فحينئذ سوف تحدد تحديدا قاطعا عدد مرات زيارتك لها والمدة التي تقضيها معها، وستخلق حاجزا نفسيا بينك وبينها إذا نظرت إليها على أنها ليست أمك ولكنها امرأة حمقاء تفضل إشباع رغبتها الفورية بتفريغ مشاعرها على أحد ما، على الراحة الطويلة الناتجة عن وجود ولد محب يريد أن يبقى معها.
كثير ما نقوم بزيارة والدين يؤذياننا لأننا لا نيأس من أنهما يوما ما سيكونان والدين محبين ومتفهمين طالما رغبنا فيهما. بعض الآباء والأمهات يصبحون أكثر حكمة لكنهم لا يعرفون كيف يظهرون ذلك. تستطيع أن تختبر هذا بأن تطلب منهم الحديث عن أحداث وقعت في طفولتك. إنك لا تريد بهذا أن تلومهم لكنك تريد أن تزيل بعض الالتباس من ذهنك. بعض الآباء والأمهات يسعدهم القيام بذلك، فهم يقولون: "نعم لقد حصلت هذه الأشياء، ونحن آسفون." والبعض الآخر ممن لم يتحلوا بالحكمة يقولون: "كيف تجرؤ على القول بأنني لم أكن كاملا؟" إذا كان هذا ما يقوله والداك فإنك حينئذ قد تحتاج إلى أن تيأس من أن يكون لك والدان محبان ومتفهمان. هذا أمر محزن، لكن لا تجعل هذا الحزن وخيبة الأمل يسيطران على حياتك. جد تفسيرا لما قد حصل تستطيع أن تتعايش معه. هذا ما تحتاج أن تفعله مع كل الأمور التي لا تستطيع أن تغيرها في حياتك. لا تدع هذه الأشياء تستحوذ على حياتك آخذة كل وقتك وجهدك. حتى عندما تكون الحياة في أصعب مراحلها حاول جهدك أن تعطي لنفسك شيئا حسنا كل يوم. قد يكون هذا الشيء أمرا مبهجا أو وقتا لا تصنع فيه شيئا سوى الراحة، أو دردشة مع صديق، أو تأملا في جمال الطبيعة. وحتى عندما لا يعتني بك أحد فإنه لا يزال بإمكانك الاعتناء بنفسك.
كيف أحافظ على صحتي بينما أعتني بآخرين مصابين بالاضطراب العقلي؟
الذين مروا بمرحلة من الاضطراب العقلي كثيرا ما يتحدثون بعد ذلك عن مدى تقديرهم لوجود شخص ما قام بمساعدتهم وتشجيعهم مع أنهم لم يظهروا ذلك التقدير في ذلك الوقت. الواقعون في الاضطراب العقلي يصارعون لإبقاء أنفسهم متماسكين كأشخاص. إنه صراع من أجل الحياة، ولهذا فكل منا في ذلك الموقف يصير أنانيا جدا. لا نستطيع أن نرى ما يمر به الآخرون ولذا نصير أشخاصا من الصعب الحياة معهم. نرى كل الأشياء بصورة صارخة إما أسود أو أبيض، بدون ظلال رمادية. روح الفكاهة عندنا تنعدم، وأكثر الأشياء اعتيادية تصير مصدرا للقلق أو حتى الرعب. قد نكون معقولين إلى حد بعيد لبرهة ثم غير معقولين بالمرة في البرهة التي بعدها. أصدقاؤنا وعائلتنا مهما كانوا يحبوننا ويهتمون بنا لا بد لهم من أن يحموا أنفسهم منا. إذا كنت تعتني بشخص ما مصاب بالاضطراب العقلي فمن المهم جدا أن تعطي نفسك وقتا لاستعادة النشاط والراحة والتمتع ببعض الترويح عن النفس. يجب ألا تشعر بالذنب حيال هذا، إذا لم تعتن بنفسك فلن تكون قادرا على العناية بأي أحد. عندما نرى شخصا ما يعاني من القلق والخوف واليأس أو من الاضطراب العقلي أو من سماع أصوات مرعبة فإننا نشعر برغبة ملحة في تخليصهم من هذا العناء. لكننا ينبغي ألا نشعر أنه يتوجب علينا أن نجعل هذا الشخص في حالة أفضل وأنهم إذا لم تتحسن حالته فإننا نكون قد فشلنا. الحقيقة هي أن هناك شخصا واحدا له القدرة على جعل ذلك الشخص أفضل. بإمكاننا أن نعطي الدعم والتشجيع، وبإمكاننا أن نعطي الحب والراحة، وبإمكاننا أن نصغي ونحاول أن نفهم وكل هذا قد يساعد الشخص، لكن الشخص نفسه هو الذي عليه أن يقرر البدء في التغير.
الشخص عليه أن يقبل بأنه يستطيع أن يتغير ومن ثم يغامر بالتغيير أي أنه يفعل ما يفعل بدون ضمانات أو تأكيدات حول ما سيؤدي إليه التغيير. هذا ليس بالأمر السهل. كثير منا يقرر البقاء مع الشيطان الذي يعرفه لأننا، مع كون هذا مؤلما، نشعر بالأمان في ظل أزمتنا لأننا نعرف ما هي. إنه أمر يحتاج إلى الشجاعة أن تقرر أن تتغير.
المفضلات