في بداية مشواري بالتنويم الإكلينيكي قررت أن أطبق التنويم الإيحائي مع كل مراجع أقابله
(كنت تقريباً أقابل خمسة أشخاص يومياً) و هذا القرار البسيط هو الذي أوصلني إلى مستوى التمكن في العلاج بالتنويم الإكلينيكي. فيمكن لأي شخص أن يقرأ كتب متخصصة أو مواقع في الانترنت عن العلاج بالتنويم و فوائد استخدامه وان كان أكثر حظا من غيره فسيحضر دورات تدريبية في هذا المجال ليعتمد التنويم في معالجاته.

ولكن هل هذه الأمور كافية ليصبح المعالج متمكنًا في مجال التنويم الإكلينيكي؟!

الجواب بكل بساطة : لا، كلا، غير صحيح، No، Null.

ولهذا السبب سوف أقدم خلاصة تجربتي في التنويم من خلال سلسلة مقالات بعنوان " أمور تمنيت أني عرفتها في بداية مشواري مع التنويم" والتي سأطرح من خلالها معلومات تمنيت أني عرفتها في بداية مشواري مع التنويم وأن لو كانت في جعبتي مع بداية جلساتي لعلاج المراجعين، لكني لم احصل عليها إلا من خلال سنوات الممارسة والتطبيق بالإضافة لحضور المؤتمرات التي منحتني نظرة أعمق وأكثر وضوحًا لهذا المجال الغامض.

نبدأ بسم الله

أولا: التنويم و أحلام اليقظة

مما تمنيت لو أني عرفته في بداية مشواري، هو أن التنويم الإيحائي مشابه لأحلام اليقظة. فمن خلال القياس بالأجهزة EEG و التصوير بالرنين المغناطيسي يتضح أن كلاهما يحث الفص الأيمن المتعلق (بالخيال) على النشاط ويقلل نشاط الفص الأيسر المتعلق (بالحساب والمنطق).


إذاً ما هو الفرق بين التنويم الإيحائي و أحلام اليقظة ؟!


التنويم هو أحلام اليقظة الموجهة.. أي بدلا من أن يسرح الشخص في أحلام بدون أي فائدة أو هدف، فالمعالج يوجه ذهن المستفيد إلى تجارب معينة و تمارين ذهنية الهدف منها علاج مشكلة أو تطوير مهارة.
إذن الفرق الوحيد بين أحلام اليقظة و التنويم الإيحائي هو " التوجيه " فعوضًا عن أن يسرح الذهن في تخيلات و ذكريات سعيدة أو مؤلمة و يتأثر بها بشكل لا واعي (لان العقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال) نقوم باستخدام جلسات التنويم للاستفادة من هذه المقدرة و توجيهها إلى الطريق الصحيح حتى يعود الفرد إلى الاتزان البشري من جديد.

ما هي أنواع التوجيه في التنويم ؟

أ) النكوص العمري Age Regression: نقوم بتوجيه ذهن المستفيد للرجوع إلى تجربة مؤلمة في الماضي و التعامل معها من جديد ولكن في هذه المرة سوف تكون لديه كل المهارات و المصادر التي تجعله يتعامل معها بشكل جيد وسليم. فبعد تعامله معها بالشكل السليم تحفظ التجربة بطريقة مختلفة و تتغير من كونها تجربة تحمل أثار سلبية إلى تجربة تحمل معلومات مفيدة وخبرات مكتسبة.

ب) التقدم العمري Age Progression: نقوم بتوجيه ذهن المستفيد إلى تخيل موقف في المستقبل يواجه فيه تحدي معين ولكنه يتعامل معه بكل مهارة وثقة. هذا التطبيق يستفاد منه في تجهيز الذهن لردة الفعل المطلوبة حتى يكون جاهزًا للقيام بالعمل الصحيح تحت الضغط النفسي. فإذا لم يتم تدريب الذهن على المواقف المستقبلية فيمكن أن يقوم العقل الباطن بردة فعل خاطئة في حالة من الارتباك و القلق. وكما نعلم أن العقل الباطن قابل للبرمجة و كسب المهارات فيستفاد من التنويم لبرمجة ردة الفعل الإيجابية و نكررها في ذهن المستفيد عدد من المرات حسب حاجة المستفيد حتى تصبح ردة الفعل المراد برمجتها طبيعية وتعمل بشكل لاواعي. ويمكن الاستفادة من هذا التمرين الذهني في المجال العلاجي مثل الفوبيا و الرهاب الاجتماعي أو في مجال تطوير الأداء مثل مهارات الإلقاء و المقابلات المهمة و أيضاً في المجال الرياضي.

ج) تعزيز الذات Ego Strengthening: تقوية الذات وتعزيزيها من خلال برمجة الذهن لتكرار عبارات إيجابية عن الذات وعن الحياة. فكثير ممن يعانون من الاكتئاب أو القلق هم في الحقيقة يعانون من أفكار سلبية مسيطرة على الذهن. فنقوم من خلال التنويم الإيحائي بتوجيه ذهن المستفيد إلى القيام بكتابة العبارات الإيجابية و القناعات التي يريد أن يتبناها في حياته. ويمكن أيضا توجيه المستفيد بان يتخيل بعض الصور الإيجابية عن نفسه كرمز لفكرة معينة مثل: أن يتخيل صورة وهو واقف على قمة جبل عالٍ بكل ثقة كرمز للقوة والإنجاز والتحدي.

د) علاج الأجزاء Parts Therapy: توجيه ذهن المستفيد إلى التخاطب مع الأجزاء النفسية المكونة للشخصية لحل نزاع داخلي للوصول إلى حالة من الاطمئنان والاتزان الداخلي. فقد يكون لدى هذه الأجزاء دوافعها الخاصة وهي تبحث عن مصلحتها الذاتية و تقاتل لكي لا تهمش أو تزال. فمن خلال النقاش والحوار مع هذه الأجزاء يمكن أن نصل إلى صلح بين هذه الأجزاء ومن ثم يقوم كل جزء بدوره بالشكل الصحيح بدون أن يتعدى على حق جزء أخر فيُحدث بذلك صراع داخلي من جديد.

هـ) حث الشفاء بالتخيل imagination therapy: وفيها يتم توجيه ذهن المستفيد إلى تخيل أن العضو المصاب بمرض أو إصابة يتشافى بإذن الله تعالى. فمثلا المريض الذي يعاني من سرطان الرئتين نوجه ذهنه لتخيل أن العلاج الكيماوي يقوم بدوره بنجاح و يقتل الخلايا السرطانية في معركة نهايتها الانتصار والصحة.

بناء على هذه المعلومات يمكن أن اعرف التنويم الإيحائي بأنه: توجيه أحلام اليقظة للقيام بتطبيقات ذهنية من اجل الوصول إلى أهداف محددة كعلاج مشكلة أو تطوير مهارة.