“ابتعد عن الأشخاص الذين يُحاولون التقليل من طموحاتك، بينما الناس العظماء هم الذين يُشعرونك أنك باستطاعتك أن تُصبح واحداً منهم”.


كان رجلاً مُلهماً لكلِّ من عرفه أو سمع أشرطته لأول مرة، لقد كان مغناطيساً يجذبك بسحر كلماته وأسلوبه البسيط الذي لا يتكلف فيه، كانت الكلمات السابقة للدكتور إبراهيم الفقي – رحمه الله – قبل ساعات من وفاته بتاريخ العاشر من شهر فبراير يوم الجمعة 2012، كتبها على حسابه في تويتر، وكأنها وصية المحب لمحبيه بالمحافظة على ثورة التغيير التي أحدثوها في حياتهم، والإستمرار في صناعة المستقبل.


سيرته تدّل على أنه رجل أفعال، لم يكن ليدّعي ما ليس له من انتصارات، وهذا المقال هو رسالة شكر من العالم إلى الرجل الذي صنع التغيير بدون مُبالغة لو قلت إلى الملايين الذين عرفهم أو لمن لم تُتَح له الفرصة لمشاهدته.


قليلون هم من يتركون أثراً أو بصمة في عالمنا المزدحم بكلِّ الأشياء الجيدة أو السيئة على السواء، لكنّ الفرق بينهما هو أن الجيد (الطيب) فيمكث في الأرض، والسيء (الخبيث) فيذهب جفاء.


﴿أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17)﴾ [الرعد]


لقد غادر الفقي – رحمه الله – بدون موعد إلى ربٍّ كريم، لم يكن في مخيّلة أحد هذه الأحداث المأساوية لرجل عظيم، لكنها إرادة الله سبحانه وتعالى النافذة على الجميع، فله الحمد على ما أخذ وأعطى.


كان الفقي – رحمه الله – بهجةً في نفوس الكثيرين، بينما أنت جالسٌ في مكانك، تُحسُّ بالرجل يتحرك في الشرق والغرب ليُوصل رسالته العظيمة للناس بأن يستخرجوا أفضل قدراتهم وإمكاناتهم التي وهبها الله عز وجل لهم، ويصنعوا التغيير لأنفسهم لأجل حياة أفضل، تُساعدهم على إعمار الأرض وإستخراج كنوزها الدفينة المتمثلة في الإنسان ذاته.


لكن، لنتحدث قليلاً عن بعض ما ميّز الدكتور إبراهيم الفقي – رحمه الله – عن الآخرين، وجعله صاحب مدرسة إبداعية تغييرية في صناعة الذات.


1- قصة كفاح


ربما يظهر البعض فجأة بدون مقدمات ولا نعرف إلا القليل عن ماضيهم، ويتلاشى هذا البريق بسرعة فائقة وكأنّ شيئاً لم يكن، بينما في سيرة الفقي – رحمه الله – فأنت تجد نفسك أمام قصة كفاح شاخصة أمامك منذ أن كان صبياً وحتى حقق المستحيل لحياته!.


أن تعمل لأجل هدف كبير بدون كلل أو ملل، وأن تتحرك حيث يجب أن تكون وفي الوقت المناسب، هو ما يُميّز أصحاب الأفكار العظيمة، وهي مهارة يعجز عن فعلها الكثيرون من الطامحين للنجاح، لذلك تجد قلة السالكين للدروب الوعرة والغير مُعبدة للسير، وهم برغم وحشة الطريق إلا أنّ أحلامهم تدغدغهم لئلا يتوقفوا أبداً.


كثيراً ما يتكلم الدكتور عن حياته بأسلوبه المرح والذي يجعلك تندمج أكثر فيما يقوله، تشعر أنه قريبٌ منك، لأنه يتحدث بنفس اللغة التي يتقبلها الجميع بلا استثناء، كفاحه في الإصرار على المضي قُدماً لتحقيق أحلامه، لم يكن ليُوقفه أيَّ عائق يمكنك تخيّله، مُؤمن بما يفعله جيداً، فلو رأيت غاسلاً للصحون وماسحاً للأرضيات بالماء والصابون، فلن يدور بخيالك بأنّ هناك ماردٌ قادم من وراء هذه الوظيفة المتواضعة، إنه رجل يعرف جيداً ما يفعل.


2- التعلم المستمر


هو رائد التشجيع في هذا المسار، إذا كنت تنظر للتعلم بأنه مُكلف يمكنك أن تُجرب الجهل، بالتأكيد لن يكون أقل تكلفة، فما ستحصده من الجهل الدمار الشامل لحياتك، ولا أظنك ستقبل هذا الهراء!.


بالطبع، أنا هنا لا أعني التعليم الجامعي وحده، وإنما أقصد التعليم من مدرسة الحياة الكبيرة، والإستمتاع بكلِّ ما يمكنها تقديمه لك من تجارب وخبرات وعلوم، فلا يُولد المرء عالماً، لكنه من العار أن يموت – في أيامنا هذه بالذات – جاهلاً، ففي عالمٍ يتم فيه الدخول إلى ما لم تكن تحلم بأن تراه يوماً ما بكبسة زر، عارٌ عليك أن تجلس تندب حظك العاثر الذي لا يُساعدك، بينما أنت في الحقيقة لا تُساعد نفسك!.


لقد استطاع الفقي – رحمه الله – أن يُعلم نفسه ويتعلم من الآخرين، كان مرناً بما يكفي ليحصل على ما يريد، بالصبر والمثابرة استطاع أن يفعل أشياء – ما زال آخرون – كانوا معه يحلمون بها.


3- كن أنت


لا أحد غيرك يعنيه ذلك، من أنت؟ ومن تريد أن تكون؟ ستجد الغالبية العظمى يُخبروك بقصص فشلهم المريع في الحياة، وهم بذلك يُوجهون لك النصائح المجانية لتدمير نفسك بنفسك، وبدون ضوضاء، وأنك لن تختلف عنهم!.


لا تسمح لأحدٍ أن يُقلل من طموحاتك في الحياة أو يدّعي بأنك فاشل، هذا الأمر لا يعني أحداً سواك، لقد قيل للفقي – رحمه الله – بأنه مجنون يوم حطّت أقدامه على أرضٍ غريبة، البطالة فيها منتشرة مثل الوباء والفرص نادرة للعمل، لقد كان ذكياً بما يكفي للتغلب على صعوبات الحياة، بينما غيره اشتكى سوء الأحوال والمعيشة والطقس!.