كلنا نمر بلحظات وفترات من حياتنا يكون الاضطراب والتردد هو السائد فيها (موت شخص عزيز, امتحانات, التعرض للرفض من وسطك لأنك أحدثت تغييرا في حياتك ولم تعد ملتزما بما يريدونهم…).


أحيانا, تُعبر هذه اللحظات المهمة من حياتنا على أننا نتطور ونخرج من منطقة راحتنا لنعبر إلى حياة أكثر نجاحا وأكثر عمقا. هذا ما علمتني الحياة إياه.


مما يُميز هذه اللحظات أننا نغضب فيها لأتفه الأسباب وندخل في دوامة من الأفكار السلبية والمضرة بنا وبثقتنا في أنفسنا. غير أن الأمور قد تتطور عند البعض لتتحول لمرض نفسي قد يلازمهم لفترة من الزمن.


ينبغي لك أيضا أن تعلم أن الأفكار السلبية في حد ذاتها ليست مضرة, إن كانت محدودة في الزمن والمكان. التفكير السلبي أحيانا يكون ضروريا لتتمكن من تفريغ الطاقة السلبية الكامنة داخلك وهو أمر طبيعي. لذا, بدل أن تحاول مقاومة أفكارك السلبية, حاول أن تعطيها مكانا في عقلك.. حينها ستتلاشى وحدها, لأنها تضعف حينما لا تجد مقاومة.


المضر في الأفكار السلبية هو حينما تصير ملازمة لنا لفترة طويلة من الزمن مما قد يؤثر بشكل كبير على نوعية حياتنا ودرجة سعادتنا.


على سبيل المثال, الأشخاص الذين يشعرون بالقلق والغضب والتعاسة والحسد وغيرها من أمراض القلوب بشكل مستمر يقومون بتدمير أنفسهم من حيث لا يعلمون.

لأن كل هذه المشاعر تحمل في طياتها طاقة سلبية كبيرة تدل على أننا لا نُحب أنفسنا بالشكل الكافي.


للأسف, هذه المشاعر تُعتبر مقبولة في مجتمعاتنا-بل وهناك من يُشجع عليها بتأويل خاطئ للنصوص الدينية- بالرغم من تأثيرها الكارثي على صحتنا العقلية والجسدية والنفسية. على النقيض فإن مجتمعاتنا ترى في السعادة والعفو والإيثار ضعفا رغم الأثر الإيجابي لهذه المشاعر الإيجابية الرائعة على نوعية حياتنا


هنا 5 أمثلة لأكثر المشاعر تدميرا والتي تدل على أنك ينبغي أن تُحب نفسك وأن تخرج من دوامة تأنيب الذات التي تعيش فيها.



1- أنت لا تعفو على الآخرين:


أحيانا يقوم بعض الأشخاص بالإساءة إلينا وبكسر الثقة التي أعطيناها لهم مما يجعلنا نكرههم. كل واحد منا سبق له أن طعنه شخص في ظهره أو أساء له قريب أو خانه صديق (نعم كل واحد منا) وكلنا يعلم صعوبة وقسوة الشعور بخيبة الأمل التي ترافق هذه الأحداث.
غير أن العفو والصفح عنهم هو أمر ضروري لتستطيع أن تعيش حياة متزنة.. حاول أن تتخيل مثلا أنك تحمل في نفس المحفظة كل كتبك المدرسية منذ بدات الدراسة.. كذلك المشاعر السلبية, فحينما لا تسامح فإنك تبقى حاملا لتلك الطاقة السلبية طيلة حياتك ما لم تُقرر يوما أن تقول: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” أو “أنا سامحتهم لأنهم افتقدوا للحكمة والقوة ولم يستطيعوا أن يتعاملوا معي بشكل لائق وأيضا لأني إن لم أسامحهم فإني سأسبب لنفسي أذى أنا في غنى عنه”

2- أن تخاف بسهولة لأجل أشياء بسيطة:


إن كنا نخاف بسهولة فإن هذا يدل في الغالب على أننا غاضبون أو تعيسون في العمق.
في حالة الغضب, فإننا قد نكون لا زلنا غاضبين على أشخاص وأشياء من ماضينا لم ننساها بعد.


الحياة جد قصيرة ومن المتعب أن تُمضيها في قلق وحزن.
أن تكون منزعجا طول الوقت معناه بكل بساطة أنك تحمل في داخلك مشاعرا لم تتخلص منها مما يسبب لك معاناة. حاول أن تعيش اللحظة الحاضرة كيفما كانت, حينها ستكون متأكدا من أنك ستتخلص من المشاعر الغير الجيدة لأنك عشتها بوعي.

3- الحزن والكآبة:


الحياة ليست كلها سمنا على عسل. إنها تتابع لمشاعر مختلفة من السعادة والسلام الداخلي والحزن والقلق والتي تنتج عن مختلف التجارب التي نمر منها والكيفية التي نتعامل مع تلك التجارب.


بعض التجارب تكون غير سهلة أحيانا وتحتاج استثمارا نفسيا كبيرا وقد تستنزف جزءا كبيرا من طاقاتنا لأجل أن نخرج منها.


من الجيد أن تمر ببعض فترات الحزن, غير أنك ينبغي أن تتعامل مع الأمر بشكل جدي حينما تصير حزينا في غالب الوقت.


قد يتطور الحزن ليتحول لكآبة خصوصا حينما نفكر في أشياء سلبية باستمرار وتكون ثقتنا في ذواتنا ضعيفة.


هناك بعض العلاجات الطبية للكآبة, غير أنها لا تتعامل مع السبب الرئيسي (وهو الحزن المستمر) بل مع النتائج الذي يحدثها هذا الحزن في خلايا ووظائف الجسد. فهي ليست علاجات بقدر ما هي مهدئات.


آه, حاول أن لا تخلط بين فترات الحزن اللحظية التي قد تمر منها بسبب فقدان شخص عزيز أو فشلك في تحقيق شيء كنت تطمح له وبين الكآبة. الحزن اللحظي هو أمر جيد ويعني أنك تستطيع أن تعبر عن مشاعرك بشفافية.. أما الكآبة فهي أن تكون في حالة تعاسة مستمرة وهي تدل على أنك ينبغي أن تُحدث تغييرات جذرية في كل مناحي حياتك (فقط حاول أن يكون التغيير على مهل)

4- القلق الدائم:


القلق والخوف من المستقبل هو أحد أكبر المشاعر الغير الجيدة التي تعبر عن اضطراب نفسي والتي يعاني منها الكثيرون. في الغالب, مشاعر القلق نتوارثها من مجتمعنا الذي يعيش على المخاوف والإشاعات وأخبار الحروب والأخبار السيئة وهو ما يؤدي بنا لأن نخاف من المستقبل الذي يبدو أمامنا سوداويا وبدون أمل.


عقلك لا يميز بين القلق بشأن المستقبل أو بشأن الحاضر. فحينما تقلق لأجل امتحاناتك التي ستجريها بعد أسبوعين, فإن عقلك يظن أن القلق هو بخصوص شيء في الوقت الحاضر فيقوم بإفراز هرمون يؤدي لتخفيض قدرتك على الاستيعاب والحفظ.


أحب هذه الخطاطة التي توضح لك أنه لا يلزمك أن تقلق كثيرا لأنك إن كان لك مشكل في الحياة وكنت لا تستطيع أن تفعل شيئا شيئا لحله, فلماذا تقلق؟ أما إن كنت تستطيع حله, فلماذا تقلق إذن؟


5- الحكم السلبي على الآخرين (الظن السيء):


نحن نقوم بإصدار أحكام بشكل يومي سواء على الوسط الذي نعيش فيه أو على الأشخاص الذين نلتقي بهم أو نعيش معهم. التحدي هو أننا لا تتوفر لنا كل المعلومات عنهم ليكون حكمنا عادلا وصحيحا. لذا, ينبغي أن تأخذ هذا بعين الاعتبار حينما تصدر حكما على أي كان.


عملية إصدار أحكام واقعية تتطلب أن نقوم بمحاولة رؤية حالة الشخص الذي سنحكم عليه في مجملها وبأن نعترف بأن لكل إنسان تجربته وظروفه الخاصة حتى وإن كان يتصرف بطريقة لا تعجبنا.


مثلا تخيل أنك وجدت شخصا يتكلم معك بطريقة غير لطيفة. “هو لا يتحدث معي بطريقة لطيفة, لكن لربما يمر بيوم غير جيد أو لا يعلم أن الكلمات التي يتفوه بها ليست جيدة”

خاتمة:


هناك العديد من الحالات الشعورية التي قد تؤثر بشكل نوعي على سعادتنا وسلامنا الداخلي. الذي ينبغي عليك أن تعرفه هو أننا حين نكون في حالة دائمة في هذه المشاعر الغير جيدة فإن هذا يعني أننا لا نعتني بأنفسنا بشكل كاف.


قد يكون الحزن والقلق شيئا عاديا في مجتمعنا الذي انفصل عن الروحانيات وطغت فيه الماديات, غير أن هذه المشاعر هي أبعد ما تكون عن الحالة الطبيعية التي يلزمنا أن نكون فيها.


علينا أن نتحمل مسؤولياتنا وأن نُوفر لأنفسنا ظروفا أكثر أمانا وسعادة لنستطيع أن نتجاوز هذه المشاعر ونعيش بطمأنينة.


لدينا فعلا الطاقة والقوة الكافية لأن نغير حياتنا للأفضل.