أبعاد الوعي الخفيه


قد يظن البعض وكأن علوم حقائق الباطن الإنساني-الإيزوتيريك هي مجرد نظريات فلسفية أو عقيدة فكرية،مثلها مثل سائر العقائد التي برزت عبر التاريخ ولا تزال تظهر بين الحين والآخر.
قد يبدو هذا التوجه بديهياً لمن لم يتسنّ له التعمق في فهم مسار درب الباطن الإنساني - الإيزوتيريك،أو لم يدرك بعد الهدف السامي الذي سيوصل إليه هذا المسار؛أما من تسنّى له الاطلاع بعمق على كل ما نُشر لغاية الآن عن مفاهيم هذه الدرب،واستمع بانفتاح كليّ إلى كل ما قُدّم عنها من شروحات،وأدّى به تعمقّه في فهم مبدأها وتحليل هدفها وتميز مسارها عما اختبره قبلاً من مسارات،إلى أن يتأكد ويستنتج بأنها حقاً هي الدرب التي تتيح لسالكها أن يرتقي بالوعي من بشري إلى إنساني ثم إلى إنساني متميّز، متفاعل مع تكوينه النفسي ومنسجم مع جوهره الإلهي …
فالإنسان كما وصفته المعتقدات الإيمانية "على صورة الله ومثاله"،هو فرخ الهٍ بحسب "جبران"،والهٌ في القمْط بحسب "نعيمة"؛أما علوم الايزوتيريك فتقول عن إنسان الخليقة الأولى أنه كان الإله -الطفل،مجسد الكمال والجمال الألوهي…وهو الآن ورغم تقوقع معطيات هذا الكمال والجمال الألوهي في باطن لاوعيه، نتيجة انحرافه عن مساره القدري، فإن هذه المعطيات لا زالت كامنة فيه بانتظار أن يعود ويكتشف إنسان اليوم حقيقة نفسه، وبانتظار أن يسعى من جديد إلى استعادة أمجاده الغابرة،ويتابع مجدداً مسيرة تطوره بالوعي من حيث توقف…
على إنسان اليوم أن يدرك أن بين المادة والامادة في كيانه،بين الجسد والروح أبعاد وعي تشكل المحور الذي تتمحور حوله كل أبعاد الوجود،الظاهرة منها والخفية… فهذه الأبعاد هي في جوهر كيانه تمدُّد وتدرُّك وتجسيد للحقيقة…أما في العرْض أو الظاهر منه فهي تعدد انعكاسات في وهم الوقائع المتعددة والمتنوعة…
هذه هي درب الوعي الإيزوتيريكي الذي يحوّل الحقيقة إلى واقع معيوش… ويحوّل النظريات تطبيقاً عملياً يغربل الباطل منها ويطرحه جانباً،ويجسّد الحقيقي منها في طريقة حياة مكتملة ومتكاملة…
طريقة الحياة هذه هي بمثابة خيارٍ غير مألوف لمن لا يزال يحيا الماضي في الحاضر…أما من اختبر طريقة الحياة هذه وجعلته يستَشفّ المستقبل في ضوء ما حققت له حاضراً من ارتقاءٍ تدريجي بالوعي،فإنه ومن خلال توسع هذا الوعي فيه قد لامس اليقين، وأدرك بأن احتضان درب الوعي هذه له حالياً جعله يستجلب وعي المستقبل ليحياه حاضراً، ويصبح بالتالي تفتّح الوعي فيه هو أحد الركائز الذي سيقام عليها بنيان الوعي المستقبلي…
إن طريقة الحياة التي تُرشد إليها علوم حقائق الباطن الإنساني -الايزوتيريك، تهيئ للمرء أن يدرك ويفهم بالاختبار والتحقق علم إنسان المستقبل في العصر الجديد،عصر النور والمعرفة الذي اصطلح على تسميته فلكياً " بعصر الدلو "،هذا العلم الذي سيحوّل تدريجيّاً المعرفة الكاملة وعياً، بفعل نقل أبعادها اللاماديّة غير المكتشفة بعد،من الحيّز النظري إلى الواقع الحياتي التطبيقي العملي.أما المختَبر الذي سيحتضن تلك الأبعاد المعارفية،فهو مختَبر النفس البشرية والذات الإنسانية.فإدراك الأبعاد اللامادية من المعرفة يحتاج إلى جهاز اختبار يتجانس مع طبيعته اللامادية؛وهذا الجهاز قائم في أبعاد الوعي اللامادية التي يتكون منها الكيان الإنساني،والتي اصطلح على تسميتها بالأجسام الباطنية أو أجهزة الوعي الخفية في الإنسان…
إن أجهزة الوعي هذه هي مرقاة وعي سباعيّة التكوين تتألف من بُعدَين،بُعد روحي خاص بالذات الإنسانية يحتوي على القسم الأعلى من الجسم العقلي-قسم الذكاء السامي،وأيضاً على جسم المحبة وجسم الإرادة والروح الإنسانية.أما البُعد الدنيوي فهو قائم في النفس البشرية المكوّنة من الجسد المادي،والجسم الأثيري(AURA )- جسم الصحة في الإنسان،وأيضا من الجسم الكوكبي-جسم المشاعر،والقسم الأدنى من الجسم العقلي أي القسم الخاص بالتفكير الدنيوي،الذي أنتج لغاية الآن هذا التقدم العلمي المرموق…والذي كان فقط نتيجة تفتُّح نسبي في الخلايا الدماغية تراوح ما بين خمسة إلى عشرة بالمئة كمعدل عام،وبلغ في حدّه الأقصى نسبة السبعة عشرة إلى العشرين بالمئة على مستوى العبقرية الفردية كما أثبت علمياً في كلتا الحالتين…
إن العراقيل التي تقف حائلا دون استكمال هذا التفتح،فمردّها ليس إلى محدودية العقل البشري كما يتصور البعض،بل هي تنحصر وبكل بساطة بهذا المسار المعاكس للمنطق الذي ينتهجه العلم حالياً،والذي يتلخص بمحاولة رجل العلم التنكُّر لكل ما لم يستطع مختبره المادي استيعابه،مما جعله يبقى أسير دائرة الابتكار العلمي في محيط المادة لا غير…
إن الدليل الأول على حقيقة وجود أجهزة وعي خفية في الكيان الإنساني،هو ما قدمه أحد طلاب الايزوتيريك القدامى في أواسط القرن المنصرم؛وهو العالم الروسي كيريليان،الذي تمكن من تطوير آلة تصوير،تمكّن بواسطتها من التقاط صورة الجسم الاثيري AURA)) الذي يحيط بالجسد،حيث اضطر العلم لاحقاً للإقرار بوجوده دون أن يكلّف نفسه عناء البحث عن خصائصه،وذلك لسبب بسيط،هو أيضا عدم تمكنه من إدخال هذه الخصائص في مختبره المادي التقليدي !…
أما علوم الايزوتيريك فتشرح هذه الخصائص على الشكل التالي: إن الهالة الأثيرية AURA)) أو الحقل الكهرومغنطيسي حول الجسد،أو البيوبلاسما في لغة العلم،هي عبارة عن تجمّع ذبذبات ذات درجة وعي تتناسب ودرجة تذبذبها…وهي تتخلل الجسد المادي وتحيط به لتحافظ على مكوّناته،وعلى تماسك سائر الأجسام الباطنية (أجهزة الوعي الخفية ) لتمدّها بالحياة والعناصر الطبيعية الازمة لبقاء الجسد على قيد الحياة.
إذا،الهالة الأثيرية ليست وهماً أو خرافة كما اعتقد البعض قبل أن تمّ التثبت من وجودها علمياً.هي مجرّد ذبذبات لا تستطيع حاسة البصر التقاطها.تماماً كما الإشعاعات ما تحت الحمراء،وما فوق البنفسجية؛وهي تحتوي على ذبذبات الطبيعة والوجود ( أو على الطاقة الطبيعية - Energie naturelle) القادرة على المحافظة على استمراريّة الحياة في المخلوقات والكائنات.فلكلّ من هذه الكائنات على الأرض هالته الخاصّة به التي تتناسب مع طبيعة تكوينه.
إن لذبذبات الهالة الأثيرية في الإنسان درجة تذبذب يستوعبها وعي الجسد.وفي الهالة تلتقي وتتماسك الأجسام الباطنية الأخرى؛فتشكل بالتالي ذبذبات وعي هذه الأجسام مجتمعة مصدر الحركة والحياة والوعي في الذرات المادّية المكوّن منها الجسد؛إن واقع الهالة الأثيريّة هذا يجعلها بمثابة المرآة الباطنية التي تنعكس فيها حالات المرء الفكرية والمشاعرية، وأيضاً حالة الجسد الصحية…أما عند الوفاة،فإن الهالة تفقد تماسكها حول الجسد خلال ثلاثة أيام، تبدأ بعدها ذراته بالتحلل شيئاً فشيئاً ( بعد أن فقدت الغلاف الذبذبي الأثيري،الحافظ لطاقة الحياة فيها )…هذا الواقع يؤكد مفهوم الإيزوتيريك أن الذبذبة هي روح الذرة، ومحركة الكتروناتها وبروتوناتها ونيوتروناتها…وكون ذبذبات الهالة الأثيرية هي الأبطأ تذبذباً بين ذبذبات سائر الأجسام الباطنية،فإن الإنسان قادر أن يتلمس وجودها ويتحسسه حول جسده،إذا ما انفتح على تقبل فكرة وجود الأبعاد اللامادية في كيانه كحقيقة قيد التحقق منها بالاختبار الذاتي،الذي تهيئ علوم حقائق الباطن الإنساني -الإيزوتيريك ظروفه التطبيقية العملية…
من جهة أخرى،أن الهالة الأثيرية تُعتَبر أداة اللمس أو أداة الوعي بالنسبة إلى الكيان الباطني،فهي التي تلتقط أولاً كل التأثيرات الخارجية فكرية كانت أم مشاعرية، أو أحاسيس مادية،لتوزعها بدورها على أجهزة الوعي المكوّن منها الكيان… فالأفكار تنتقل عبرها إلى الجسم العقلي،والمشاعر إلى جهاز الوعي الخاص بها(الجسم الكوكبي)، كذلك فإنّ المؤثرات الذبذبية الخاصّة بالحواس الخمس،تصل الى مراكزها العضوية في الجسد من خلال الهالة الأثيرية.
في ضوء هذه الميكانيكية الباطنية يمكن توضيح مفهوم " الحاسة السادسة " التي ما هي سوى هذا الالتقاط الباطني الذي يتم بواسطة الهالة … هذا الالتقاط الباطني هو ما يفسّر حالات الفهم الفوري المباشر، والشعور المسبَق، اللذان يهيئان للمرء أحيانا إدراك أفكار الآخرين أو مشاعرهم ، حتى قبل البوح بها…
وكذلك يفسر واقع ما يشعر به أحدنا يوماً بسعادة أو ارتياح، أو ربما إنزعاج أو نفور لدى اقترابه من شخص ما، أو لدى تواجده في مناسبات اجتماعية يغلب عليها طابع الفرح أو الحزن …وهذا ما قد يزيل الغموض عن حالات كثيرة مشابهة…
إنّ الالتقاط عبر الهالة الأثيرية يوضح كذلك مفهوم البصر والسمع الباطني، إلى جانب الشمّ والتذوق الباطني ، وأيضاً اللمس الباطني،حيث أنّ إمكانية التحقق من هذا الواقع الأخير متوفرة للجميع بواسطة الاختبار التالي: ليقرّب القارئ كفّه من شيء ما- حائط أو باب أو أيّ شيء صلب آخر- ليقرّبه رويداً رويداً …قبل أن يلامس كفّه الحائط بعشرة سنتيمترات، أو أقل، سوف يشعر أنّ كفّه يلامس شيئاً. وإذا لم يشعر بذلك، ليحاول وضع كفّه فوق يده الأخرى، دون أن يلامسها…أو فوق أي قسم من جسمه دون أن يلامسه … بل ليُبقي كفّه على مسافة خمسة سنتمترات أو أقل من جسمه لبعض الوقت. في هذه الحال، سيشعر المرء أنّه يتلقى إحساساً ما… قد يظنّه للوهلة الأولى حرارة تنبعث من يده أو جسده لكنّه في الواقع ليس ناجماً عن حرارة الجسد.لأنّه لو تمعّن قليلآ في هذا الشعور، لوجد أنّه نوع من التذبذب… وليس من الحرارة* !!! هذا التذبذب هو شعور الهالة الأثيرية…فهي التي شعرت بوجود الحائط، أو اليد أو الجسد من دون أن يلامسه الشخص؛هكذا يرى أو يحسّ مكفوف البصر بعد التمرّن على ذلك!
إنّ الدروس والتمارين الباطنيّة التي تقدّمها درب الباطن-الإيزوتيريك إلى طلابها، تؤهلهم للتحقق عبر التطبيق العملي من خصائص الهالة الأثيريّة وكيفيّة تنمية وعيهم لهذه الخصائص، ثمّ العمل على تحصين هذه الهالة التي هي جسم الصحة في الكيان الإنساني، وتُشكّل جهاز المناعة الأساسي لهذا الكيان . إنّ مناعة الهالة لا تكتسب فقط بواسطة التمارين الباطنية المشار إليها، بل هي تقوى وتنتظم، بقدر ما تنتظم أفكار المرء ومشاعره وتتوازن فيما بينها، في طريقة حياة بعيدة كل البعد عن التوجهات السلبية إن بحق نفسه أو بحق الآخرين ، والتي هي السبب الحقيقي للأمراض الجسدية والنفسية والعقلية … وقد تكون سبب كل ما قد يعترض حياة الإنسان من صعوبات ومشاكل … فكل النتائج الظاهرة في حياة الإنسان مرهونة بأسبابها الظاهرة منها أو الخفية… فإن خيراً فخير وإن شراً فشر …