عزيزي المدير:










تشجّع موظّفك وترغّبه وتبيّن له لم عليه أن يفعل هذه أو تلك من المهمّات أو التطويرات لكنّه لا يخطو إلاّ ما دمت تدفعه من ورائه مرةً بعد مرّة، وهكذا تشخّص الحالة دون تردّد فتقول:








إنّ فلاناً يفتقد "الدافعية motivation". ولمعظم من ينتهون إلى هذه النتيجة ويقولون بهذه المقولة أقول: إنّ رؤيتكم وتشخيصكم لسيكولوجية البشر غير دقيقة تماماً، فالناس في معظم الأحوال لا يفتقرون إلى الدافعية.








وإن أردنا حقاً مساعدة هؤلاء الذين نقول عنهم "إنّهم مفتقرون إلى الدافعية" فلا بدّ من تبديد هذا الوهم المنتشر الملتصق بموضوع التحفيز.






وإليكم بيان ذلك:








مطرقة أضخم لن تفيد!






إنها تستنزف طاقتك وتحطّم مساميرك!








كلمة الدافع أو الدافعية motivation" تعني "السبب المحرّك"، ويمكن القول بأنّ هناك سبباً وراء كلّ خطوةٍ يقوم بها أحدنا نحن البشر.






نأكل عندما نجوع، ونشرب عندما نعطش، وهذا السببان -الجوع والعطش- دوافع أساسية لدى كل إنسان.


















وما القصة إذاً عندما يفترض أن نتحرك ثم لا نتحرك؟






فلننظر مثلاً في مندوب مبيعات يستصعب إجراء "المكالمات الباردة Cold Calls" فيتثاقل عنها. إنّ هذا الشخص لا يفتقر إلى الدافع، فهو يعلم أنّه بحاجةٍ إلى إجراء هذه المكالمات حتى لا يبقى دون مال أو طعام. لديه الدافع دون شك.






وإن كان مدير المبيعات ما يزال أسيراً لتوهّم أنّ هذا المندوب مفتقر للدافع فسنراه ينصرف إلى تجريب كلّ الأساليب المختلفة لزيادة دافعية هذا المندوب.






وقد ينجح هذا الأسلوب، لكن على المدى القصير وحسب.
وعلاوةً على قصر مدى الفاعلية فإنّ الاعتماد على أساليب زيادة الدافعية كثيراً ما يؤدّي إلى احتراق الموظّف احتراقاً وهو يكابد في إنجاز وظيفته محصوراً بين مطرقة الدافعية وسندان العائق.








فلنبيّن هذا التوهّم في فهم وممارسة التحفيز بهذا التشبيه:










لنفترض أنّ دافعية الإنسان عجلةٌ مثل عجلة السيارة. إنّ لها قياساً معيناً ملائماً لهذا الموظف، وهي تمضي به في الاتجاه الذي يريد المضيّ فيه: أي إبرام البيعات.






إنّ ما يعرقل مسيرة الناس أو يوقفهم ليس فقد الدافع بل وجود العقبات.










وعندما يشمّر مندوب المبيعات عن ساعديه ويتجه إلى إجراء المكالمات فإنّه يواجه عقبةً كبيرةً لا يستطيع اجتيازها، فيتوقف.






يرى مديره أنه لا يتحرّك، فماذا يفعل؟.. نعم! يرسله إلى ورشة تدريبية تضخّ فيه الدافعية والحيوية ضخّاً.








وفي اليوم التالي يأتي الموظف متدفقاً بالحماسة ودولاب دافعيته منفوخ متضخّم فإذا به يتجاوز العقبة المستعصية، ويمضي في طريق إجراء المكالمات الباردة، وتملأ الابتسامة وجوه الجميع.








لكنّ هذه الحماسة لا تستمرّ سوى أيام، وبنهاية الأسبوع يكون الهواء الإضافي المنفوخ قد تسرّب من عجلة الموظف فعادت إلى حجمها، ولسوء الحظ فإنّ العقبة القديمة ما تزال جاثمةً في طريق إجراء المكالمات الباردة.








في بداية الأسبوع التالي يحاول الموظف استعادة عجلته المنفوخة، لكن هيهات! فالحماسة المستمدّة من ورشة التدريب قد تلاشت، وعاد كما كان إلى شخصيته الطبيعية.






وأمّا المدير الغاضب المحتار فيواجه هذا الموظّف بافتقاره إلى الدافعية وربما يفصله.






قد يبدو كل هذا أمراً مألوفاً لدى كثيرين، ولكنني أرجو التفكّر في هذا السؤال:






كيف يقبل كثير من الناس بتضييع طاقاتهم في نفخ عجلات دافعيّتهم نفخاً اصطناعياً يوماً بعد يوم؟






إنّ الطاقة التي يتطلّبها نفخ دافعية المرء إلى مستويات غير طبيعية يمكن أن تنتج مردوداً أفضل لو تمّ استخدامها في مواضع أخرى.






وينبغي علينا نقض هذا الوهم في التحفيز وأن نجد بديلاً أفضل.






وبالعودة إلى مثالنا نقول:






إن عرف مندوب مبيعاتنا كيف يتخلّص من العقبة المعرقلة في طريقه فإنّ مستوى دافعيته الحالي سيكون أكثر من كافٍ للمضيّ في ذلك الطريق (أليس رائعاً أن يرى المدير الأمر بهذه الطريقة أيضاَ؟)








في منظار الخوف والهرب من المواجهة






كل العقبات كبيرة!






لا يعرقل مضيّ الناس في مسلكٍ معين بسبب ضعف الدافعية لكن بسبب العقبات.






وفي الواقع، يكمن معظم العقبات داخل البشر. يرتبط نشوء كثير منها بالخوف من أمرٍ ما، ولذلك ينفر ويتملّص الإنسان من مواجهتها.






إننا في معظم الأحوال نكره الإقرار بوجود ما نخاف منه.






وبناءً على ذلك كتبت وزميلي دينس رادر كتاب "لمعيشةٍ متخلّصةٍ من ضفدع الطين Living Toad Free".






استخدمنا في ذلك الكتاب ضفدع الطين كرمزٍ للعقبات. ولاعتماد هذا الرمز فوائد سيكولوجية مهمّة:






أولاها، أننا أكبر من أيّ ضفدع طين، وهو ما يعطينا أفضليةً قبل بدء المواجهة.






وثانيها، أنّ النظر إلى أيّ مشكلة بداخلنا باعتبارها ضفدعاً خارجياً سيكسبنا رؤيةً أوضح لما يمكن القيام به للتخلّص منها.






إنّ أمراً كالخوف القابع داخلنا لا يمكن لمسه وليس له حدود فلا نعرف كيف نعالجه بعقولنا، ودع عنك معالجته بأيدينا.






لكن إن نظرنا إلى الخوف كضفدع طين فإنّ ذلك يفصل ذواتنا عن الخوف، وكذلك يتيح لنا رؤية الطريق المناسب للتخلّص منه.






لدى كل إنسان دافعيّته، أو فلنقل أسبابه الخاصة للتحرّك.






وما يبطئ الناس أو يوقفهم ليس افتقاد الدافع بل وجود العقبات.






بدلاً من إضاعة الطاقة في تعظيم الدافعية ونفخها نفخاً اصطناعياً مرةً بعد مرّة، فإنّ اكتشاف العقبات المعيقة للناس واكتشاف طرق التخلّص منها سيحقق لهم أداء وحياةً أفضل بكثير. وبالتأكيد، لا مشكلة أبداً في طلب المساعدة عندما نواجه ضفادع ضخمةً استثنائية.