التبتُّل:


التبتل هو الخلوة للطاعة والانقطاع لعبادة الله


قال الله تعالى (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل: 8].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: أكثِرْ من ذِكره، وانقطع إليه، وتفرَّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك؛ كما قال -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشرح: 7]؛ أي: إذا فرغت من أشغالك، فانصَبْ في طاعته وعبادته؛ لتكون فارغ البال..، وقال ابن عباس: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل: 8]؛ أي: أخلِصْ له العبادة..، وقال الحسن: اجتهد وبَتِّل إليه نفسك"




وقال ابن سعدي - رحمه الله -: "أي: انقطع إلى الله تعالى؛ فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرِّب إليه ويُدْنِي من رضاه"
وقال ابن جرير: "يقول -تعالى- ذكره-: (وَاذْكُرِ) يا محمد، (اسْمَ رَبِّكَ) فادعُه به، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) يقول: وانقطع إليه انقطاعًا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره، وهو من قولهم: تبتَّلتُ هذا الأمر، ومنه قيل لأمِّ عيسى ابن مريم: البتول؛ لانقطاعها إلى الله، ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: قد تبتل"




معنى التبتل:
والتبتل هو: الانقطاع، وهو هنا انقطاعٌ مجازي؛ أي: تفرغ البال والفكر إلى ما يرضي الله، فكأنه انقطع عن الناس، وانحاز إلى جانب الله


والتبتل الحقيقي يجمع أمرين؛ كما قال ابن القيم - رحمه الله -: التبتل يجمع أمرين: اتصالاً وانفصالاً، لا يصحُّ إلا بهما.
فالانفصال: انقطاعُ قلبه عن حظوظ النفس المزاحمةِ لمراد الربِّ منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله؛ خوفًا منه، أو رغبة فيه، أو مبالاة به، أو فكرًا فيه، بحيث يُشغَل قلبُه عن الله.
والاتصال: لا يصحُّ إلا بعد هذا الانفصال.
وهو اتصال القلب بالله، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له، حبًّا وخوفًا ورجاءً، وإنابة وتوكُّلاً مدارج السالكين (2/ 32).




**التبتل بطريقة يسيرة كما يقولون "شِد الفيشة"، الدنيا محترقة والكهرباء تسري، فأنت تحتاج أن تنزع الفيشة، سترتاح كثيرًا وتجد الدنيا هادئة، لكن كلما كانت محترقة ستجد كهرباء زائدة على القلب وستصبح في خطر صحيّ، لكن ممكن نعطي القلب بعض الومضات الكهربائية حتى يفيق فقط، لكن بعد ذلك نعزل عنه الكهرباء وإلا تحدث مشاكل، لكن أنت الآن افصل قليلًا،


** اجلس جلسة خلوة بين المغرب والعشاء في سكينة تتنزل عليك الرحمة "شادد الفيشة"


**تجلس جلسة الشروق "شادد الفيشة"، تأتي من عملك تنزل تصلي العصر تجلس في المسجد إلى المغرب يوم صيام مثلًا أو تكون أكلت قبلها وتغلق الجوال تمامًا وتجلس في المسجد،


سكة الله عز وجل تأتي من الأصل، هكذا هو القلب يحتاج هذا الكلام تجلس في خلوة رافع يدك تناجي ربك، تفضفض مع حبيبك يصلح قلبُك بذلك، ويحسن خلقك بذلك.


مثلًا ضابط الشرطة الذي يتعامل مع المجرم ممكن يكون تربى أفضل تربية لكن في عمله أكثر الموضوع سباب ممن حوله فعندما يتعامل مع المجرم بأدب لن يستطع بل يجب أن يسب ويفعل فيصير بذيء اللسان بكثرة المساس ففقد الإحساس (التواجد في بيئة ملوَّثة) تجعلك كذلك، كل الأشخاص دنيويون ممن حولك فتجد نفسك تأثرت وتريد أن تركب عربة كذا وهذا على ذاك هو ما يجعلك تفعل ذلك، جلسة مع أشخاص هكذا، وفي بيئة هكذ؛ لأنهم لن يسألونك ماذا حفظت من القرءان وما إلى ذلك،


فالأشخاص يقولون نعم لا بد من توازن نفعله، وهذا التوازن لن يكون على حساب شيء إلا الدين، فتقع هذه الوقعة بشدَّة الاختلاط، بأصحاب هذه الآفات.


ماذا نفعل؟ هذه هي "شد الفيشة"، هذا هو أن أحجِّم هذا الأمر، لن أقل لك اجلس في بيتك، ولن أكون دنيويّ وأقول هم على الأكثر سنتين وأتوب، أهيِّئ نفسي وبعدها أحج كل سنة، لا بل تفعل التوازن، هذا له وقته تفعله، أكثر من هذا لا نريد، الدنيا ضع لها سقف واذهب، لو لم تضع لها سقف سيمت قلبك،




ضع لها سقف بمعنى أن امكانياتك إذا اجتهدت قليلًا ستأتي بمنزل في المكان الفلاني، لكن هناك منازل في المكان الفلاني أفضل وأوسع ومستقبل، والنبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم وسِّع لي في داري" هكذا هو الشيطان فقيه وكل شيء ستجد له كما يحب، لكن أنت ضع لها سقف واذهب، قل لي كم في الشهر وتصبح كما أردت؟ وأريدك بالله عليك أن تسجل هذا الكلام وتكتب تاريخه، وتحدث مع نفسك بعد سنة وقل لي هم ذلك كما أردت أم لا، كم وأردت؟ ألف وخمسمائة وتَصمت؟ بعد قليل ستأتي وتقول هذا المبلغ لا يفعل شيء في هذا الزمن، ماذا أفعل؟ إذًا كم وتصمت؟ ألفان، ءاخر كلام؟ بالله عليك؟ لكن هناك محمول جديد اسمه جلاكسي، وأتمناه كثيرًا وليس حرامًا، إذًا ماذا تريد؟ ألفان ونصف حتى نأتي به بعد ستة أشهر… ستلعب هذه اللُّعبة لعبة الشيطان، كلما ذهبت لشيء فتح لك على الآخر وتلف عليه، ولك كم سنة تلف هذه اللفة؟ ومرة يقطع رقبتك يأتي لك بشخص كان معك في الدراسة أصبح هو كذا وأنت مازلت كذا، احباط وضياع، لُعبة الشيطان خبيثة مكارة وكلٌ يقع بها، لذلك ضع سقف واصمت، إذا أعطاك الله كذا ستصمت وستغلق فمك تمامًا شقة وزوجة ومرتب ثابت وطفل وألف حمد وشكر، بعد هذا ستفتح فمك وتتكلم بعدها؟ أريد أن أذهب في المصيف الفلاني، أدخل أولادي في مدارس أفضل مما هم فيها لأن الزمن تغير، لكن انسَ، ستلف حول نفسك ويضيع دينك!




افصل وتبتل إليه تبتيلًا، هكذا تصبح صالح لأن تُربَّى، تعرف الأرض، تضع بها بذور (خطبة الجمعة) لكن الأشخاص تتثاوب وتفكر في مشاغلها وفي تلاهيها وفي وساوس الشيطان، فتنزل بذور في أرض بور لا تنبت، أو مليئة بالشوائب فعندما تنبت تطلع ثمرة معطوبة، إذًا في البداية أطهِّر هذه الأرض، هذا هو {وثيابك فطهِّر}، فسأكون صاحب خلق عظيم وأتخلق بهذه المعاني بـ "وتبتَّل".




لو أصبح هذا حالي أبدأ أركِّز في معاني معينة.


من درس "أصولًا أربعة" للشيخ/ هاني حلمي -حفظه الله- سلسلة (إصلاحات).