عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
كيف للأمل ان يغير حياتك
يقول الشاعر:
ولـرب نـازلة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخـرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
فالناجح والسعيد في حياته هو المستفيد من ماضيه، المتحمس لحاضره، والمتفاءل بمستقبله.
كيف نتعامل مع الماضي
يختلف الناس في تعاملهم مع الماضي، على أصناف:
1. منهم من يعيش في ظلاله القاتمة، ويراه من نظارة سوداء، تمامًا كهذا الشاعر الذي يقول:
على الدنيا الســلام فما لشيـخٍ ضرير العين في الدنيا نصيب
يمــوت المــرء وهـو يعـد حيًّا ويخلف ظنه الأمـل الكذوب
إذا ما مات بعضك فابك بعضًا فإن البعض من بعض قريـب
2. منهم من يحاول نسيان ما كان فيه من سلبيات بل تناسيها كأن لم تكن.
3. منهم من يجلس مع نفسه جلسة تأمل يقف على ما كان من إيجابيات فينميها، ومن سلبيات فيقومها.
عش مع النوع الثالث:
وفي ركب النوع الثالث، لابد أن نسير ـ أخي الحبيب أختي الفاضلة ـ، تمامًا على الطريقة التي تعامل فيها القرآن مع الصحابة، فبعد انتهاء غزوة أحد استشعر الصحابة ألم الهزيمة، وصار الكل يتهم نفسه بالتقصير في الدفاع عن الإسلام، خاصة بعدما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى، وفي وسط تلك الأجواء المشحونة بالحزن والحسرة، يأتي القرآن ليغير إدراك الصحابة عن الغزوة، فيقول تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) [آل عمران: 139]، لقد نزلت الآية كالماء البارد على صدور الصحابة، فعادت الحماسة والإصرار على نصرة الإسلام وهزيمة المشركين.
فنسى المسلمين ألم الهزيمة النفسي، ولكن بقى أن يتعلموا منها الدروس، بقى أن يتعلموا أن في مخالفة أمر الشريعة الهزيمة لا محالة، فقد خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلوا عن مواقعهم فكانت الهزيمة.
لك الحمد:
عروة بن الزبير، مثال من سلف هذه الأمة، نظر إلى نصف الكوب الممتلئ؛ فامتلأ تفاؤلًا وإقبالًا على الحياة، ورضا بالقضاء والقدر، فهو الذي ابتلاه الله بفقد ساقه، ثم ابتلاه الله بفقد أكبر أولاده، فما لام الظروف على ما جرى، وما ذهبت نفسه حسرات على ما فقد، بل نظر إلى ما أبقى له الله من النعم، فلهج لسانه بشكر الله قائلًا:
(اللهم إنه كان لي أطراف أربعة، فأخذتَ واحدًا وأبقيت ثلاثة؛ فلك الحمد، وكان لي بنون أربعة، فأخذتَ واحدًا وأبقيت لي ثلاثة؛ فلك الحمد، وأيم الله، لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن أبليت طالما عافيت).
ابحث عن الرسالة الربانية:
أن نبحث بين ركام الحوادث عن تلك الرسالة الربانية التي أودعها الله في ذلك الحدث، والآن أخي المؤمن، هل بحثت عن الرسالة الربانية وراء هذه المشكلة، أو التحدي الذي أنت الآن بصدده؟
اسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يريده الله مني في هذا الموقف؟ ما الذي يريد أن يُعلِّمني إياه من وراء هذه المشكلة؟ وتأكد أخي المؤمن أنك إذا أجبت الإجابة الصحيحة؛ سيتغير الحال بإذن الله على الفور؛ لأنك بذلك تكون قد تلقيت الرسالة الربانية بنجاح.
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا بما حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الاهوال جلدا وشيمتك المروءة والوفاء
كيف تتعامل مع حاضرك؟
والناس مع حاضرهم على أصناف:
1. يعيش حاضره وعينه على الماضي.
2. يعيش حاضره وعينه على المستقبل.
3. يعيش حاضره بكل الحماس.
تحمس لحاضرك:
روي أن رجلًا سأل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مالًا، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال الرجل: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال الرجل: نعم، فقال له عبد الله: فأنت من الأغنياء، فقال الرجل: فإن لي خادمًا، فقال: فأنت من الملوك[رواه مسلم].
وما أظنه ـ أخي الحبيب ـ أنك إما من الأغنياء أو من الملوك على حد وصف عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
حديث جامع:
وها هو سيد المرسلي نصلى الله عليه وسلم يُلخِّص لنا تلك الوسيلة في حديثٍ جامعٍ لكل تلك المعاني في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا فى سربه، معافىً فى جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا)[رواه الترمذي وحسنه الألباني]، فاهنأ عزيزي القارئ، يا من أسبغ الله عليك نعمه، وشملتك رحمته، وعمَّك فضله، فقد حيزت لك الدنيا بحذافيرها لتنعم فيها بالسعادة والهناء.
كيف تتعامل مع المستقبل؟
أما في التعامل مع المستقبل، مع السنة القادمة، فالعنوان واحد ... الأمل.
النبي وصناعة الأمل:
فها هو النبي مع أصحابه في المدينة محاصرين، تكالب عليهم الأعداء من كل جانب، فهذه قريش وغطفان قد جمعت الآلاف، وعسكرت على مشارف المدينة تنتظر الأمر بالهجوم الضاري.
ومن جبهة اليهود تأتي خيانتهم كالعادة سيفًا يطعن في ظهر المسلمين، بتعاونهم مع كفار قريش ضد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، ليصبح جنوب المدينة المنورة ثغرة يمكن للكفار النفاذ منها.
وهكذا صار المؤمنون يتهددهم خطر عظيم، فقد(زادت جيوش الأحزاب في تشديد الحصار على المسلمين بعد انضمام بني قريظة إليها، واشتد الكرب على المسلمين، وتأزم الموقف.
وقد تحدث القرآن الكريم عن حالة الحرج والتدهور التي أصابت المسلمين ووصف ما وصل إليه المسلمون من جزع وخوف، وفزع في تلك المحنة الرهيبة أصدق وصف، حيث قال تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا) [الأحزاب: 10 – 11]).
بعد ذلك كله يأتي فريق أظهروا إيمانًا وأبطنوا كفرًا، إنهم فريق المنافقين الذين انسحبوا من الجيش بحجة أن بيوتهم عورة، ليتركوا أهل الإيمان وحدهم إلا من توفيق الله لهم وعزيمتهم الصلبة، ولم يكتفوا بالانسحاب بل راحوا يخذلون صفوف المؤمنين، حتى قال واحد منهم يدعى معتب بن قشير: (كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!).
وفي خضم تلك الأمواج المتلاطمة من المحن، يعترض طريق المسلمين في حفر الخندق صخرة عظيمة، لم يقدروا على إزالتها، فيهرعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستنجدين به في إزاحتها، فيشمر عن ساعد الجد، ويضرب الصخرة ثلاث ضربات، تتحول بعدها إلى فتات متناثر.
ومع كل شرارة يحيي النبي صلى الله عليه وسلم الأمل في نفوس أصحابه ويرسم لهم معالم الرؤية المشرقة لمستقبل الإسلام، فيقول في الأولى: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة)، ثم الثانية: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض)، ثم الثالثة: (الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة).
فكانت كلماته صانعة لرؤية عظيمة، أذكت همم الصحابة، فانطلقوا يرتجزون:
اللهم لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأعادي قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا.
ثم تتحقق الرؤية، ويتحول النموذج المصغر إلى حقيقة واقعة بعدها بسنوات قلائل، فيفتح الله على المسلمين حصون كسرى وقيصر واليمن.
وأخيرًا:
وأختم بما سطره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذلك العملاق الفذ كلمات من نور، ترسخت في وجدانه فأضحت حريته وسعادته نابعة من داخله، وصارت جنته بين ضلوعه، فبعد أن كان يلتف حول حلقته مئات الآلاف في جوامع الشام ومصر، يجد نفسه مرة واحدة في قلعة الشام سجينًا، يتعرض لصنوف الإيذاء والامتهان.
إنه موقف قد يصيب أي إنسان بإحباط ويأس وقنوط، ولكن أنى للحر أن تتسلل تلك المشاعر إلى نفسه أو أن تتمكن منه، فما كان منه إلا أن صاغ تلك الكلمات الخالدة التي خرجت من أعماق قناعاته: (ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة)، إنها الحرية الإنسانية في أبهى صورها، وحرية الاختيار في أسمى هيئاتها.
المفضلات