رمضان هو مشروع لاكتشاف النفس، كما يخبرنا خبير التنمية البشرية كريم الشاذلي، وهو محطة لاستعادة ما تساقط من فهمنا لأنفسنا، مؤتمر كبير تشهده الملائكة ويرقبه رب العزة في عليائه وأنت فيه “المتحدث الوحيد”، تقف وقد أحضرت أرشيف ماضيك، ومشاريع مستقبلك، ومطالبك التي تطمع بأن يرضى عنها مولاك وخالقك، تعتذر عما بدر .. تعترف بخطأك دون مواربة أو تجميل.

ويؤكد: على عكس ما نظن رمضان لا يفرغ بطارية آثامك كي تملؤها بعد ذاك، بل يفتح لك القوس الأول لتكتب ما قررت أن تكتبه كعنوان لحياتك القادمة، ثم يدع القوس الآخر مفتوحاً حتى موعد المؤتمر القادم إن كان لك في الدنيا حياة.

رمضان ليس شهراً مقتطعاً عن باقي العام.. ركعاتك، سجداتك، ختماتك، لا يجب أن تنفصل عن مشروعك القادم .. هي قوة دافعة ستخسرها إن لم تزد عليها وتستثمرها وتنميها في قابل الشهور.
فشهر‏ ‏رمضان‏ ‏هو‏ ‏فرصة‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏يمنحها‏ ‏لنا‏ ‏لتحقيق‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الفوائد‏ ‏الروحية‏ ‏والصحية‏, ‏لذلك عينا معرفة كيف ننظم أوقاتنا من خلاله. كريم ‏الشاذلي‏ ‏خبير‏ ‏التنمية‏ ‏والموارد‏ ‏البشرية‏ ‏يضع عدة خطوات تضمن‏ ‏لنا ذلك.

علينا أن ندخل رمضان ولدينا‏ ‏خطة‏ ‏واضحة‏ ‏نعمل‏ ‏علي‏ ‏تحقيقها‏, ‏ولا‏ ‏نسمح‏ ‏للظروف‏ ‏أو‏ ‏الزخم‏ ‏الإعلامي‏ ‏بتحييدنا‏ ‏عن‏ ‏هدفنا، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الأشياء‏ ‏الملسلية‏ ‏كالبرامج‏ ‏والمسلسلات‏ ‏يمكن‏ ‏تعويضها‏ ‏بعد‏ ‏انقضاء‏ ‏شهر العبادة‏.‏

‏ ‏الإدارة‏ ‏الجيدة‏ ‏للأولويات‏ ‏أمر‏ ‏مهم‏, ‏‏ ‏فإن‏ ‏لم‏ ‏نستطع‏ ‏السيطرة‏ ‏علي‏ ‏دقائق‏ ‏وساعات‏ ‏اليوم، فسنشعر بإحباط ‏كبير‏ ‏تجاه‏ ‏الفوضي‏ ‏التي‏ ‏ستقضي‏ ‏علي‏ ‏استمتاعنا‏ ‏بهذا‏ ‏الشهر‏ ‏الكريم‏, ‏فاجعل‏ ‏أولوية‏ ‏اهتماماتك‏ ‏العبادة‏ ‏والتقرب‏ ‏إلي‏ ‏الله‏.‏

‏لا‏ ‏تضطرب ‏من‏ ‏كثرة‏ ‏المهام‏, ‏وتأكد‏ ‏أن‏ ‏مفهوم‏ ‏العبادة‏ ‏يشمل‏ ‏كل‏ ‏عمل‏ ‏نؤديه‏ ‏بإتقان‏ ‏سواء‏ ‏داخل‏ ‏أو‏ ‏خارج‏ ‏المنزل‏ ‏فهذا‏ ‏الشهر‏ ‏الكريم‏ ‏للعبادة‏ ‏والعمل‏ ‏ولا‏ ‏يصح‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏أشبه‏ ‏بإجازة‏ ‏مقننة‏, ‏فذلك‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يرضاه‏ ‏الله‏.‏

‏ ‏المشاركة‏ ‏المنزلية‏ ‏أمر‏ ‏مهم‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏الزوجية‏ ‏بشكل‏ ‏عام‏، ‏وفي‏ ‏شهر‏ ‏رمضان‏ ‏بشكل‏ ‏خاص، ‏من‏ ‏الأهمية‏ ‏أن‏ ‏تشركي‏ ‏زوجك‏ ‏وأبناءك‏ ‏معك‏ ‏فيما‏ ‏تقومين‏ ‏به‏، ‏وأن‏ ‏يقوم‏ ‏كل‏ ‏شخص‏ ‏بجانب‏ ‏بسيط‏ ‏من‏ ‏جدول‏ ‏المهام‏ ‏الذي‏ ‏يثقل‏ ‏كاهلك‏ ‏وذلك‏ ‏سيخفف‏ ‏من‏ ‏الجهد‏ ‏والإرهاق‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وسيزيد‏ ‏من‏ ‏التواصل‏ ‏الوجداني‏ ‏والعاطفي‏ ‏بين‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخري‏, ‏مثل‏ ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏كل‏ ‏فرد‏ ‏بترتيب‏ ‏غرفته‏، ‏والمساعدة‏ ‏في‏ ‏تجهيز‏ ‏وتنظيف‏ ‏سفرة‏ ‏الطعام‏، ‏وذلك‏ ‏سيساعد‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏تقبضي‏ ‏علي‏ ‏أحد‏ ‏لصوص‏ ‏الوقت‏ ‏الذي‏ ‏يأخذ‏ ‏منك‏ ‏ساعات‏ ‏في‏ ‏القيام‏ ‏به‏.‏

‏ ‏الاستمتاع‏ ‏والترفيه‏ ‏أمران‏ ‏مطلوبان‏ ‏فهذا‏ ‏الشهر‏ ‏له‏ ‏طابع‏ ‏كرنفالي‏ ‏مبهج‏, ‏فالتزاور‏ ‏والتواصل‏ ‏العائلي‏ ‏شيء‏ ‏جميل‏ ‏وطيب‏ ‏ولكن‏ ‏بالقدر‏ ‏المناسب‏, ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يأخذ‏ ‏من‏ ‏جدول‏ ‏مهامك‏ ‏وأولوياتك‏, ‏ولا‏ ‏يسبب‏ ‏لهم‏ ‏إزعاجا‏ ‏أو‏ ‏يتضارب‏ ‏مع‏ ‏مشاغلهم‏ ‏الخاصة‏.‏

‏حاول‏ ‏ألا‏ ‏تجهد‏ ‏نفسك‏ ‏بشكل‏ ‏مبالغ‏ ‏فيه‏ ‏وحافظ‏ ‏علي‏ ‏عدد‏ ‏ساعات‏ ‏نومك‏ ‏من‏ 4 ‏إلي‏ 6 ‏ساعات‏ ‏يوميا‏ ‏مع‏ ‏أخذ‏ ‏قيلولة‏ ‏قصيرة‏ ‏عند‏ ‏عودتك‏ ‏من‏ ‏العمل‏ ‏لتستطع‏ ‏مواصلة‏ ‏مهامك‏ ‏علي‏ ‏مدار‏ ‏اليوم.
‏وللمرأة، ‏قومي‏ ‏بتجهيز‏ ‏طعام‏ ‏الإفطار‏ ‏ليلا‏ ‏لليوم‏ ‏التالي‏ ‏ليخفف‏ ‏عنك‏ ‏ويسرع‏ ‏من‏ ‏إعدادك‏ ‏لهذه‏ ‏الوجبة‏ ‏ومن‏ ‏الأفضل‏ ‏وضع‏ ‏جدول‏ ‏غذائي‏ ‏منظم‏ ‏لأن‏ ‏كثرة‏ ‏المأكولات‏ ‏لا‏ ‏تفيد‏ ‏ويكون‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تقسيم‏ ‏أصناف‏ ‏الأطعمة‏ ‏المفيدة‏ ‏علي‏ ‏مدار‏ ‏أيام‏ ‏الأسبوع‏ ‏وبهذا‏ ‏تبتعدين‏ ‏عن‏ ‏الإسراف‏ ‏في‏ ‏الطعام‏ ‏والذي‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يؤدي‏ ‏إلي‏ ‏مضار‏ ‏صحية‏ ‏غير‏ ‏مرغوبة‏، ‏خاصة‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏إحدي‏ ‏فوائد‏ ‏الشهر‏ ‏الفضيل‏ ‏معالجة‏ ‏الجسم‏ ‏وتنقيته‏ ‏من‏ ‏السموم‏ ‏التي‏ ‏يمتلئ‏ ‏بها‏ ‏نتيجة‏ ‏لتناول‏ ‏الأطعمة‏ ‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏سليم‏ ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏ترشيد‏ ‏الاستهلاك‏ ‏وتقليل‏ ‏المصاريف‏.‏

من ناحية أخرى يرى علماء النفس أن أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة، فحتى يحدث تغييرا حقيقيًا في حياتك فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة .

وشهر رمضان 29 إلى 30 يومًا , هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا .. 30 مرة .. تمسك من الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق هذه برمجة أكيدة, ولهذا فإنك لا تجد مسلمًا صام رمضان وبعد شهر واحد فقط من حياته إلا وقد تأثر في العبادة إلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان، صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت، فالاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة و لهذا السبب تجد إن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله .

كذلك أجمع خبراء التنمية البشرية على أنه من مميزات هذا الشهر الفضيل تعليمه للمسلم اتخاذ القرار، فالتردد يأتي بأمراض سيكلوجية أي أمراض نفسية وجسمانية.

ورمضان بسبب أنه يعوّد الإنسان المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعوّد اتخاذ القرار، كذلك رمضان يعوّد الإنسان الإنجاز، الذي تكون بدايته الصحيحة في النفس، ورمضان يعلم الإنسان الإنجاز في فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهارك وتقوم ليلك فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كبيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا.

من ميزات هذا الشهر الفضيل كما يشير خبراء التنمية البشرية في مؤلفاتهم، تنظيمه للأوقات، ففي ساعة محددة نفطر، وفي ساعة محددة نصوم، هناك دقة والتزام وتنظيم للأوقات، لنصبح أمة في غاية النظام و الدقة والترتيب.

ولإدارة وقتنا بشكل صحيح، يسبب الإنجازات ويحقق السعادة ينصحنا الراحل إبراهيم الفقي قائلاً: خصص من وقتك 10 إلى 30 دقيقه للمشــي وأنت مبتسم.
اجلس صامتاُ لــمدة 10 دقائـــق يـــومياُ
خصص لنومك 7 ساعات يوميًا
عش حياتك بــثلاثة أشياء : “الطاقة - التفاؤل – العاطفة”
العب ألعاب مسلية يوميًا
اقرأ كتباً أكثر من التي قرأتها السنة الماضية
خصص وقتًا للغذاء الروحي: “صـــلاة - تسبيــح - تلاوة “
احلم أكثر خــلال يقظتك
أكــــثر من تناول الأغذية الطبيعية، واقتصد من الأغذية المعلبة
اشرب كميات كبيرة من الماء
حاول أن تجعل 3 أشخاص يبتسمون يوميا
اعلم أن الحياة مدرســـة .. وأنت طالب فيــها .. والمشاكل عبارة عن مسائل رياضية يمكن حــلـــها
سامح الجميع بدون استثناء.