لا شك أن الناس يختلفون في نظرتهم إلى الأمور الحياتية وإرهاصاتها فمنهم من ينظر إلى الحياة ويتفاعل معها بإيجابية فهو دائماً ينظر إلى الجزء المليان من الكأس ويفكر دائماً بأسلوب نسبي لذلك يكون حكمه على المحصلة، ومثل هذا الأسلوب يسمى بالنقد الإيجابي. وهذا الأسلوب بناء، أما تسليط النظر والنقد على الأمور السلبية فقط دون النظر إلى الإيجابيات المرافقة لها فإنه يؤدي إلى أن تتضخم السلبيات أمامه حتى لا يرى غيرها، لذلك تجده ينظر للحياة بعينين سوداويتين وبالتالي ينعكس ذلك على أسلوب حياته الخاصة والعامة.
إن تعويد الإنسان نفسه وتربية أبنائه على التفكير الإيجابي، والدعوة إلى أن يتعلم الناس هذا الأسلوب في التفكير جزء لا يتجزأ من مهام مراحل التعليم المختلفة وهاجس يجب أن نوليه عناية خاصة فهو بذرة للحوار البناء والرؤية المتفائلة والطرح الموضوعي وعدم مصادرة آراء الآخرين لذلك أدعو إلى أن تكون مهمة المربين في الأسر وفي مراحل التعليم العام زرع أسلوب التفكير النسبي والنقد الإيجابي .
التفكير النسبي والنقد الإيجابي يريك محاسن الشيء قبل عيوبه، وهذا له ما بعده، حيث إن معرفة المحاسن تمكن من معرفة أسباب النقص الحاصل وليس العكس في أي عمل يراد تقييمه أو مناقشته وانتقاده. وهذا بالطبع يؤدي إلى أن يتعلم الإنسان أسلوب النقد النسبي وهذا بدوره يعني أن يتم الحكم على الشيء بصورة عامة على أساس محصلة نسبة المحاسن إلى العيوب أو بعبارة أخرى نسبة الإيجابيات إلى السلبيات.
من المعروف أن الاجتهاد وتحري الدقة والمصداقية جزء لا يتجزأ من أي عمل يراد له النجاح ويكمل ذلك الجهد عناصر ذات أهمية بالغة مثل التخصص والمشورة ووضوح الطريق، ثم بعد ذلك تأتي المهمة التي تشكل حجر الزاوية في الحكم على ذلك المنجز أو من قام عليه. وهذه المهمة تتمثل في التقييم الموضوعي من خلال التقييم الذاتي والتقييم الخارجي الذي لا بد وأن يكون للتفكير النسبي والنقد الإيجابي الأولوية القصوى في تحديد الحكم على نجاح أو فشل أي مشروع.
إن التفكير الإيجابي جزء لا يتجزأ من حياة المسلم وممارساته وقد حثنا الرسول الكريم على التفكير الإيجابي من خلال تقديم حسن الظن. كما أن المجتهد الصادق البنية في اجتهاده يكافأ على اجتهاده حيث انه إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران.
والتفكير النسبي والنقد الإيجابي يجب أن يشمل كل شيء في حياتنا سواء كان ذلك يتعلق بالتعامل بين الناس وبعضهم البعض أو يتعلق بالأمور الاجتماعية أو الخدمية أو الاقتصادية أو السياسية والأمنية وغيرها من الأمور فالنسبية في حكم على الأشياء مفتاح الحل ذلك أن هذا الأسلوب يأخذ بعين الاعتبار وجهي العملة. فكل شيء في الحياة له وجهان، وجه مشرق إيجابي ووجه مظلم سلبي ومتى غلبت النسبة الإيجابية النسبة السلبية أصبح الشيء مرغوبا، ونسبة تفوق الأول على الثاني هي التي تحكم على الشيء بأنه ناجح بنسبة مقبول أو جيد أو جيد جداً أو ممتاز.
إن أهم مقومات النجاح في الأمم المتقدمة اليوم هو سلوكية التفكير النسبي واعتماد النقد الإيجابي في أي إنجاز أو عمل أو تقييم وبالتالي فإن المحصلة والرؤية تصبح واضحة المعالم. وهذا الأسلوب هو الذي يجعل تلك الأمم تبني قراراتها على أساس صحيح ومتين يضمن تعزيز الإيجابيات والحد من السلبيات مما يضمن الجودة والتفوق. والله المستعان.