يقول "ألفرد آدلر": "الدفاع عن المبادئ أسهل من الالتزام بها." وينص دليل أخلاق العمل في شركة "آي بي إم" على أن: "القانون يأتي أولاً، ولا مناص من الإذعان له. ولأن القانون هو الحد الأدنى، فإن المرجع هو الأخلاق."

التوافق مع القانون لا يكفي. ولأن تعزيز ثقافة المنظمة بالأخلاق يرسخ الثقة المتبادلة، ويرفع الروح المعنوية، ويقلل الحاجة للرقابة، ويحفز الموظفين للتعاون دون الحاجة إلى رقيب أو حسيب، يجب على المؤسسات أن تتخطى الالتزام بالقوانين إلى الالتزام بالسلوك القويم.

هناك فرق بين قواعد العمل وبين أخلاق العمل. فمدونات أخلاقيات العمل المفروضة من أعلى والمكتوبة في المكاتب المكيفة، هي قوانين جديدة مضافة لقوانين قديمة. وكثيرًا ما تؤدي إلى عكس النتيجة المرجوة منها. أما أخلاق العمل فتنطلق من قيم وأولويات وفلسفات ورؤى وخيال وشفافية وضمائر حية ومن بعد نظر. ولذا يجب نشرها وشرحها للموظفين ليربطوها بمشكلات العمل اليومية ويتخذوا قراراتهم على ضوء ثقافة مؤسساتهم ومعاييرها الأخلاقية.

لخلق ثقافة أخلاقية، يقيس القادة رؤية مؤسساتهم على مقياس القيم المنبثق من أهداف وأولويات تلك المؤسسات. فلا يسمحون لضغوط السوق والقوانين الناقصة بتحديد ما هو صحيح وما هو خطأ، وما يصلح وما لا يصلح، وما هو متزن أو منحرف.

هذا يعني أن يرتكز القادة على مبادئ ثابتة وأصيلة، لا على قوانين مفروضة ودخيلة، فلا يسقطون في دائرة ردود الأفعال والقرارات الهزيلة.

يجب أن يمتلك القادة، لا سيما قادة القطاع العام نظرة أعمق لأخلاق العمل. وعلى ضوئها يؤسسون تحالفات داخل وخارج مؤسساتهم لينجحوا في التغيير، وليتجاوزا ما يعنيه التغيير الجامد من منظور قانوني روتيني يرزح تحت القيود.

يقول أحدهم: "افعل كل الخير، بكل الوسائل، في كل مكان وكل زمان، ولكل الناس." وليس هناك قانون في العالم يمكن أن يقنعنا بهذا ما لم نقتنع به من الداخل.

لكي نتوافق مع هذا القانون الأخلاقي وهذا المبدأ الطبيعي النبيل، يجب أن نبدأ من الداخل، فنؤسس نظامًا شخصيًا ونصلح أنفسنا أولاً. فأمام معايير الجودة العالمية، ومقاييس الأداء المتميز، وطروحات التنمية، فإن القانون يبقى البداية.الأخلاق والقيم والمديرون ذوو المنطلقات المرتكزة على المبادئ هم فقط القادرون على قيادة أتباعهم ومنظماتهم ومجتمعاتهم إلى الازدهار والتنمية الشاملة والمستدامة.

ومن لا يفهم هذا المبدأ الطبيعي الخلاق، فلن تجدي معه القوانين والفرمانات والمدونات نفعًا. ففي حين دأبت كل كليات إدارة الأعمال على تدريس مادة الأخلاق ضمن مناهجها، وفي حين حرصت كل المنظمات والجمعيات المهنية التي تمنح شهادات احتراف التحليل المالي وإدارة الأموال والوساطة المالية على جعل مادة "الأخلاق" أول أسس ممارسة هذه المهنة، إلا أنها لم تساعد قيد أنملة في حماية أموال المستثمرين، ولا حتى أموال البنوك، والسبب بسيط وواضح: ما زالت القوانين والأنظمة والإجراءات والسياسات، أقوى من القيم والأخلاقيات.