عندما تجد نفسك فجأة فى حالة من عدم التركيز وربما الهزيان وعدم التفاعل مع ما يدور حولك فإنك فى هذه الحالة مصاب بنوبة ملل أو سأم أو (زهق ). فالملل هو شعور ينتاب الفرد حينما تكون النشاطات من حوله غير مهمة أو هو غير مكترث بها .

فربما أتى الملل نتيجة لعدم وجود جديد يقوم به

وربما حل الملل نتيجة الروتين اليومى المعهود

وربما ظل الملل ضيفا ثقيلا علينا نتيجة لتشابه الأشياء من حولنا .

فللملل أسباب ودوافع كثيرة تمكنه من السيطرة علينا وبقوه معظم الأوقات ، فللملل يشبه تماما الأفعى يبتلع كل شيء وأي إنسان وكل محاولة وكل رغبة.

ولكن هل فكرت يوما فى فوائد الملل ؟!

اعلم ان السؤال غريب ولكن الإجابة فى منتهى البساطة فأنا أوقن تماما أن هناك أشياء كثيرة فى عالمنا تحمل قمة الضدين معا والملل هو أحد هذه الأشياء. فللملل فوائد عظيمة ،فكر فعل طبيعي لشعور سكان الكرة الأرضية الأوائل بالملل نشأت الأساطير والقصص الخرافية وربما هى ماساعدت أيضا فى رسم القصص الواقعية وإضافة (حبكة) فنية عليها فللملل فضل كبير على خيال الكثير من الكتاب والشعراء والمفكرين ليوصلهم الى مكانتهم المرموقة. فشهرزاد حينما قصت على شهريار مايربوا عن الألف قصة لم تمل ولم يمل شهريار وإنما كانت نهاية القصة توبة شهريار فلقد دفعت شهرذاد ملل شهريار واستغلته فى رواية قصص من خيالها الخصب سجلها التاريخ بغض النظر عن كون القصة حقيقية أم خيالية فلقد نجح المؤلف فى الوصول بنا الى تلك النقطة.

وكرد فعل طبيعى للملل ابتكر الرومان مصارعة العبيد للأسود وابتكر الأسبان مصارعة الثيران وابتكر اليابانيون المصارعة اليابانية وكرد فعل ايضا ظهرت الثورات والحروب وحركات التغيير .

دعنا إذا نعيد التفكير بطريقة أعمق عندما ابتكر الإنسان الاختراعات الحديثة فهذا أيضا رد فعل طبيعى لحالة الملل التى سيطرت عليه فأراد أن يخرج منها بالتجديد والإبتكار . وملل الإنسان أيضا من كوكب الأرض هو مادفعه إلى البحث عن كواكب وعوالم أخرى خلف الأستار وأن يهبط للقمر ويبعث برسائل للعوالم الأخرى ويرسل الأقمار الصناعية . وملل الإنسان أيضا مما هو حوله هو مادفعه الى أن يسعى جاهدا ليحول العالم الى قرية صغيرة ليسهل التغيير والتحول بين الناس .

والتاريخ يذكر دوما أن الأبطال هم أناس لم يعرفوا الملل وأن الشخص الذى يمل هو إنسان لا يرغب حتى فى الرغبة نفسها ولا يريد أن يحرك ساكنا .

إن الرغبة فى التغيير والبحث والاستكشاف هى دوما ما يطرد الملل فالرغبة هى الضوء الذى يملئ الغرفة والملل مثل الظلام الذى يبتلع نور الغرفة .

سل نفسك الأن سؤالا بسيطا لماذا لا يمل الأطفال عن إخفاء أشياء صغيره وتافهة عنا فى حين اننا الكبار نمل فعلهم ؟

الإجابة بكل بساطة أن الأطفال لا يعرفون الملل فتكوينهم لا يشوبه تلك الشوائب السخيفة انهم لم يجربوه ولم يعرفوه ولم يتذوقوه إنهم يعيشون ويمرحوا بكل براءتهم .

تخيل شارع كبير ثم فجأة حدث صدام أو صوت أو انفجار أو صوت شجار تجد الناس قد تجمعوا وبكثرة لمشاهدة ما يحدث من بعيد إنهم يبحثون عن أى جديد لقتل الملل بداخلهم أما من يعرفون طريقهم جيدا فهم ينظرون سريعا أوربما لايكفيهم الوقت لينظروا ويمضوا فى طريقهم. فوقوف الناس حول المشاجرة او الحادث لدفع الملل بداخلهم هو نتيجة ثمة شيء ما بداخلهم يحثهم أن فى الأمر ثمة شىء مثير ربما اذهب عنهم تلك الرتابة التى يمرون بها فالبحث عن الإثارة أو فضيحة هو أكثر مايجذب الناس.

فالملل يدفع بالحب أن نجدد صلتنا بالعالم الخارجي دوما أن نستشعر أن كل ما فى الدنيا ينتظر أيدينا لنصافحه. وبالإيمان بما نفعله وبوجودنا فى الحياة.فإن أصحاب القلوب المطمئنة هم من يقدرون على ملل الحياة ، كما فعل الذين استفادوا من الملل