عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
الإنتكاسة
نسمع دائما كلمة تترد فيما بين المدمنين المتعافين وايضا النشطين علي حد سواء، وحتي في كثير من الأماكن العلاجيه الا وهي كلمةالانتكاسة relapse او ان فلانا قد انتكس، ولكن ما معنى كلمة انتكاسة؟ وكيف تحدث؟ ولماذا؟ وهل نستطيع أن نوقفها؟
كل تلك الأسئلة وارده، ولكن يمكن ان نلخص الموضوع في الأتي:
سنتحدث أولا عن تعريف كلمة الانتكاسة ونبين المعنى الحقيقي لتلك الكلمة، حيث يعتقد الكثيرون أن الانتكاسة هو أن يقوم الشخص المتوقف عن التعاطي لفترة من الزمن بتعاطي المخدر مرة أخرى، وهذا الكلام غير صحيح تماما. يجب أن نعي تماما أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بين التوقف عن التعاطي وبين التعافي، حيث ان التوقف يعني أن الشخص ممتنع عن التعاطي بالصدفه أو أتى هذا التوقف من دون أساس صحيح، وبالتالي فإن هذا التوقف وفي اغلب الأحيان يكون محكوما عليه بالفشل وأن النتيجة الطبيعية والحتمية هي العودة مرة أخرى إلى التعاطي من جديد.
أما التعافي فيكون التوقف مدروسا وقد أتى بناء على دراسة وتحت إشراف أشخاص متخصصين أو لهم خبرة في مجال التعافي، والتوقف في هذه الحالة يكون خطوة مهمة جدا ولكن لا يكون التوقف هو الهدف في حد ذاته بل تتبعه خطوات عديدة تمكن المدمن من المحافظة على هذا التوقف. ويفيد التعافي ايضا في أن الشخص المدمن يجد تغييرا كاملا في جميع شؤون حياته إلى الأفضل وتكون حياته مدبرة وقادرا على التواصل مع المجتمع من جديد. ونحن دائما نقول ما فائدة التعافي إذا لم يخلق للمدمن حياة جديدة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى.
بعد كل ما ذكرناه عن الفرق بين التوقف والانتكاس نستطيع الآن أن نعرف معنى الانتكاسة وتستطيع الأن أن تعي وتفهم معناها بشكل جيد.
الانتكاسة: هي عودة المدمن المتعافي إلى نمط الحياة القديمة(سلوك حياة التعاطي) وتبدأ حياة المدمن بالتدهور من جديد وتسمي هذه (انتكاسة فكرية).
نستطيع أن نري من هذا التعريف أن الانتكاسة لا تعني بالضرورة عودة المدمن الى التعاطي الفعلي حتى نطلق عليه أنه شخص منتكس، بل في أغلب الأحوال تكون الانتكاسة هي انتكاسة فكرية وذلك من خلال كلمة 'عودة المدمن الى نمط الحياة القديمة'. أي إن أغلب المدمنين قبل أن يتعاطوا المخدرات فعلا نراهم قد بدأوا يمارسون سلوكياتهم الإدمانية من جديد كالكذب والإنكار والإسقاط والتبرير والمراوغة. وهذا دورنا في الحريه من خلال فريق عمل ناجح أن نتنبأ بالشخص بأنه سينتكس فعلا قبل أن يتعاطي شيئا من المخدرات بملاحظه تلك السلوكيات ونحاول بشتي الطرق أن ننبه المدمن لها عن طريق كثير من الأرشادات ومن ثم يمكن الأن الى جادة الصواب قبل أن يستفحل الموضوع ويتعاطى فعلا فتكون الانتكاسة حقيقية.
الرغبة في التعاطي
قد يستاء بعض المدمنين بعد خروجهم من المكان العلاجي من وجود الرغبة القوية في التعاطي من جديد، ويتوهمون أن سبب هذا الشعور هو أن العلاج الذي خضعوا له لم يكن جيدا وبأنهم سينتكسون لا محالة ويواجهون شعورا بالذنب من تلك الرغبة مع مشاعر سلبية تجاه نفسه، ويخجل المدمن من ذكر ذلك الشعور بالرغبة في التعاطي لأي شخص حتى لا يؤنب أو حتى لا يخبره أحد بأنك إنسان فاشل وفاقد للإحساس بالمسؤولية.
ولكننا نقول لهم إن تلك المشاعر هي طبيعية مئة في المئة ولا يجب الخجل من تلك الرغبة او من ذلك الشعور. فمن الطبيعي جدا أن يشعر المدمن بعد العلاج مباشرة بتلك الرغبة والا كان هناك أمر غير صحيح، فكل المدمنين الذين امضو فترات جيدة في التعافي قد شعروا بتلك المشاعر وعلى المدمن أن يعي هذا الأمر تماما وإلا التهمته تلك المشاعر السلبية، وعلى المدمن ألا يستخف بتلك الرغبة أو بتلك المشاعر وإلا كانت النهاية الطبيعية هي التعاطي من جديد.
لذلك يجب على المدمن أن يشارك أحدا ما في رغبته تلك، قد لا يستطيع الشخص العادي أن يتفهم تلك المشاعر ولكن معالج الإدمان والمدمنين المتعافين يفهمون تلك المشاعر جيدا ويستطيعون أن يخبروا المدمن كيف يتعامل معها. وهذه من أهم مميزات برنامجنا للمتابعه.
إذا فكما قلنا ان تلك المشاعر هي طبيعية جدا، بل من المفروض أن يمر بها المدمن والا كان هناك شيء غير طبيعي. ولكن تضل تلك المشاعر أو لنقل الرغبة مؤلمة ومتعبة جدا للمدمن لذلك نريد أن نعرف ما هي الأسباب الحقيقية لتلك الرغبة ومن ثم كيف يتعامل المدمن معها؟.
أسباب الرغبة
في الحقيقة هناك أكثر من سبب لجعل الرغبة في التعاطي تزيد وتشتعل ولكننا اليوم سنركز على أهم تلك الأسباب وهي:
وجود أزمة يعجز المدمن عن التعامل معها:
يجب أن ننوه بأن المدمن وأثناء تعاطيه المخدرات قد نسي الكثير من المهارات الأساسية في كيفية التعامل مع أي أزمة أو موقف يمر عليه، فعند مرور أي ازمة على المدمن اثناء التعاطي كان الحل الوحيد الذي يظهر لديه هو تعاطي المخدرات، ولذلك فإنه يفتقر وبشدة الى المهارات الجيدة في مواجهة الأزمات. ومثال على تلك الأزمات:
أ - ملل، حزن، وقت فراغ: اثناء تعاطي المدمن للمخدرات فإن الشعور بالوقت يكاد يكون شبه معدوم، فالساعات تمر ولا فرق بينها وبين الثواني، ولكن بعد التوقف عن التعاطي فإن الوقت يمر ثقيلا جدا فالدقيقة تعادل الساعة، والساعة تعادل يوما، واليوم يعادل شهرا فيشعر المدمن بطول ذلك الوقت وبالفراغ القاتل الذي يعيشه، خصوصا وأن المعالج دائما ما يخبر المدمن بأن عليه بالابتعاد عن الأشخاص الذين يتعاطون أي نوع من المواد التي تغير الحالة المزاجية.
ب - المدمنين النشطين: يعتبر الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات من المحرمات على المدمن المتعافي، خصوصا في البداية، فإن مجرد رؤيتهم حتى ولو لم يكونوا يتعاطون أمامه تجعل الرغبة في التعاطي تزداد عنده.
ت - شجار : وغالبا ما يحصل ذلك الشجار ما بين المدمن وأهله، زوجته او خطيبته، رؤساءه في العمل الي اخره
في الحقيقة فإن كل تلك الأمور تعتبر ازمة على المدمن ولا يعلم كيف يتعامل معها، لأنه لم يختبرها لفترة طويلة من الزمن، وبالتالي فإن أول حل لتلك الأمور هي فكرة التعاطي.
الوقوع في أحد فخاخ النفس:
إن فخاخ النفس تعتبر كثيرة ومتشعبة جدا، ولكننا اليوم سوف نحاول أن نحصرها في ثلاثة فخاخ رئيسية وهي:
أ - فخ اختبار القوة: وهو أن يقول المدمن في نفسه: اليوم أنا لم اتعاط لفترة جيدة وأظن أنني اليوم لا أعاني من أي مشكلة، فلماذا إذا لا اذهب إلى أشخاص يتعاطون المخدرات ولن اتعاطى معهم، لأنني قد أنهيت مشكلتي، فيقوم المدمن بالذهاب إلى أماكن المتعاطين على أمل انه لن يتعاطى. وعندما يرى المدمن أصدقاءه وهم يتعاطون، فإن أغلب الامر انه سيتعاطى وإذا لم يتعاط في وقتها، فإنه سيقوم بالتفكير طويلا بها، مما يجعله يصل الى الانتكاسة الفكرية.
ب - فخ مكافئة النفس: بعض الأشخاص وبعد فترة من الإقلاع عن التعاطي يقوم بإنجاز بعض الأمور التي يظن أنها جبارة مثل الانضباط في العمل أو أن يقول في نفسه لقد امتنعت عن التعاطي لمدة اسبوع ولذلك استحق على الأقل جرعة صغيرة وهنا ينتكس المدمن ويرجع للتعاطي.
ت - فخ استسهال بعض القرارات التي قد تبدو قليلة الأهمية: يعتبر هذا الفخ من اصعب الفخاخ على الإطلاق، لأن الفخين السابقين فإن المدمن بنفسه يقوم بإقحام نفسه بهما ولكن هذا الفخ يحصل من دون علم الشخص به. فكل إنسان منا يقوم يوميا باتخاذ مئات بل آلاف القرارات التي لا تحتاج الى تفكير عميق مثل الأكل والشرب والنوم والملبس والى أين اذهب ومع من، كل تلك قرارات كما قلنا لا تحتاج الى تفكير عميق، ولكن بالنسبة للمدمن فإن تلك القرارات التي تبدو قليلة الأهمية قد تجعله ينتكس بصورة سريعة جدا ودون ان يشعر الا بعد فوات الأوان. وسوف نذكر لاحقا مقابلة مع احد المدمنين الذين وقعوا في هذا الفخ القاتل.
مواقف عالية الخطورة. هناك بعض المواقف التي نعتبرها نحن معالجي الإدمان من المواقف العالية الخطورة مثل الفرح الشديد والحزن الشديد، كالنجاح في الدراسة او الزواج أو التميز في العمل او حالات الوفاة والمرض.
كل تلك الأمور كما قلنا تزيد من اسباب الرغبة في تعاطي المخدرات، وعلى المدمن تجنب تلك الأمور حتى لا تزيد عنده الرغبة في التعاطي.
كيفية تقليل الرغبة
كما قلنا سابقا فإن الرغبة في التعاطي هي أمر طبيعي جدا ولكنه شعور مزعج جدا ولذلك سوف نذكر الآن الطرق التي من المفروض ان تقلل من شعور الرغبة في التعاطي وهي-:
ازدياد فترة الانقطاع: وهذه لا دخل فيها للمدمن، فمع ازدياد فترة الانقطاع عن التعاطي تقل الرغبة تدريجيا ومن الجدير بالذكر أن الرغبة في التعاطي لن تنقطع نهائيا لأنه مع أي مشكلة حقيقية فإن الرغبة ستظهر مرة أخرى ولكن ليس بالقوة التي تجعل المريض يعود للتعاطي. فأثناء التعاطي وعندما يواجه المدمن أي أزمة فإن أول ما يفكر به هو التعاطي، وقد يكون التعاطي هو الحل الوحيد المتوافر لديه.
أما في حالة التعافي وعند حدوث أي أزمة للمدمن فإن هناك الكثير من الحلول لدى المدمن وقد يكون التعاطي من ضمنها ولكن الأكيد بأنه ليس الخيار الأول.
تنمية مهارات المدمن في كيفية التعامل مع الأزمات والمواقف اليومية. وتلك المهارات يتعلمها المدمن من خلال الجلسات العلاجية الفردية والجماعية. فبالنسبة للمدمن فإن المواقف البسيطة قد تعتبر أزمة حقيقية كفقدان شيء أو شجار بسيط أو وقت فراغ زائد وهكذا. ويجب على المعالج أن ينمي مهارات المدمن في كيفية التغلب والتعامل مع تلك الأزمات، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك الأمر يكون عن طريق السيكودراما وهي وضع المدمن في مشهد تمثيلي لموقف معين ويضع المعالج بداية لذلك الموقف ويجعل المدمن هو الذي يقرر كيف سيتعامل معه وما النهاية لطريقة تعامله مع ذلك الموقف ويكون ذلك بمشاركة احد المدمنين المتعافين. وبعد الانتهاء من ذلك المشهد يقوم المعالج بتقييم الدور أو الطريقة التي تعامل بها وما الأخطاء التي وقع بها حتى يتجنبها في المستقبل، وهذا أحد التكنيكات القويه جدا في تنمية المهارات.
يجب حدوث اتزان بين ما يطلبه المدمن من نفسه وما يطلبه المدمن لنفسه. والمقصود بهذه الفقرة أن يكون هناك اتزان بين حقوق المدمن وواجباته. فالمدمنون في الغالب يقعون في أحد أمرين وهما أن يقول لنفسه: في فترة التعاطي لقد آذيت أهلي بشدة وجعلتهم يعيشون في قلق دائم وأتعبتهم كثيرا ولذلك فاليوم سوف أقوم بتعويضهم عن تلك الأيام عن طريق تلبية كل احتياجاتهم متناسيا نفسه وبأن لبدنه عليه حقا.
أو أن يقول لنفسه: لقد تعبت كثيرا ايام التعاطي وفقدت الكثير من الأشياء واليوم لقد توقفت عن التعاطي لأجلهم ولذلك فأنا اليوم بحاجة الى تعويض نفسي عن كل الأشياء التي لم أقم بها أثناء التعاطي، وبذلك فهو يريد أن يأخذ كل ما يستطيع أخذه.
وكلا الموقفين يجعلان المدمن ينتكس بسرعة كبيرة ولكن الفرق بينهما ان الشخص الأول لديه رغبة حقيقية في التعافي، اما الشخص الثاني فإن رغبته في التعافي ليست حقيقية. ولذلك فنحن نقول بأنه يجب أن يكون هناك اتزان بين حقوق المدمن وواجباته.
نحن على يقين بأن تلك الخطوات الثلاث من الممكن أن تقلل من الرغبة في التعاطي وتجعلها تنخفض رويدا رويدا.
الوقت والقوة
كثير من الأشخاص الذين يسيرون في درب التعافي وخصوصا في بدايتهم وعندما يقررون التعاطي يكون التعاطي ضمن إحدى تلك الفقرتين-:
بعد التعاطي تقل الفترة تدريجيا الى أن تصل على ماكانت عليه، فمثلا يتعاطى الشخص بعد فترة من الإقلاع فيصيبه نوع من تأنيب الضمير ولماذا تعاطيت وسأحاول أن لا اتعاطى مرة اخرى ويمتنع عن التعاطي فعلا لمدة من الزمن كأسبوع مثلا، ومن ثم يتعاطى بعد اربعة أيام فيومين فيرجع الى التعاطي كل يوم وأكثر من مرة في اليوم الواحد.
يبدأ التعاطي بنوع خفيف ثم تزداد القوة تدريجيا الى أن يصل الى مخدره المفضل. مثالا على ذلك يتعاطى الشخص مثلا الخمر ومن ثم الحشيش فيتحول بعدها الى الحبوب الى أن يصل الى مخدره المفضل ايا كان.
المفضلات