موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الجينات والكيمياء طريق العلماء للتعامل مع الامراض النفسية
د. محمد عبدالكريم الشوبكي - تم الإعلان بأن عقد التسعينات هو عقد الدماغ لان ما عرف عن بنيته ووظائفه خلال عشرين سنة الأخيرة يفوق كثيراً كل ما عرف عنه في تاريخ البشرية وهناك مشروع لرسم الخرائط الدماغية المماثلة لمشروع الخريطة الوراثية لكن للكائنات الحية، وقد تفرع ، أكثر من ''18'' فرعاً مثل علم تشريح الأعصاب، علم وظائف الأعصاب، بيولوجياً الأعصاب، بيولوجيا الأعصاب الوراثية، كيمياء الأعصاب، علم النفس العصبي، علم الأدوية العصبية... الخ.
وجميع هذه العلوم تعتمد على قاعدة واحدة وتبشر بنتائج واعدة في فهم الآليات الحيوية للسلوك الإنساني. فقد أًصبح من النادر أن يبقى مجال علم النفس بمعزل عن الثورة المعرفية الجديدة.
لقد تغير الحال كثيراً في طب النفس في هذا العصر، فلم يبق مجال من مجالات هذا العلم بمعزل عن تأثير المعلومات الحديثة حول الدماغ وعلم الجينات، حيث نشأ فرع جديد من هذا العلم أطلق عليه (علم الجينات السلوكي) يهتم بدراسة العلاقات والتفاعلات ما بين الجينات والبيئة في تشكيل العمليات الذهنية والسلوكية.
وفي هذا المجال يقول الدكتور بلومين (R. Plomin) أحد كبار العلماء في موضوع الأبحاث الجينية وعلم الوراثة: (بعد استعراض دراسات استمرت نحو عشرين عاماً على التوائم والأطفال المتبينين فإن هناك جينا لكل سمة انسانية أو سلوك تقريبي. بما في ذلك الشخصية والذكاء، الفصام، داء العظمة والإضطرابات السلوكية إلا أن التأثيرالجيني على هذه السمات يظل جزئياً. حيث يكون مسؤولاً عن نصف متغيرات السمة مما يعني أن البيئة مسؤولة عن النصف المتبقي، كما ظهر في بعض دراسات الذكاء وداء العظمة، وان دراسات علم الجينات السلوكي المعاصرة تخرج بصورة أكثر تعقيداً بكثير على النمو والصحة والمرض مما اعتقده علماء النفس سابقاً ).
فالجينات إذاً لا تؤثر على السلوك مباشرة بل هي تؤثر متفاعلة مع البيئة والمتغيرات الحياتية من المحيطين. فالناس قد تتأثر لميولنا الجينية وتستجيب لها، كما اننا قد نختار أوساطاً بيئية معينة تتماشى وميولنا الوراثية للتكيف الاجتماعي. وفي هذا الصدد ذهب بعض الباحثين في مجال علم الوراثة النفسي للقول بأن البيئة ليس لها سوى الأثر الضئيل على السلوك حيث وجد ان التوائم المتطابقة والتي نشأت في بيئات منفصلة كلياً عن بعضها تميل الى امتلاك اهتمامات مهنية ومستوى وظيفي متشابهة كما أن العلماء وجدوا تأثيرات وراثية جينية. بما يخص الإتجاهات الدينية والمعتقدات الفكرية. والدراسات الوراثية التي تجري في معهد الصحة الوطني الأمريكي تحاول اكتشاف الجينات المسؤولة عن مرض (التوحد) Autism. وفي حصيلة دراسة لألف عائلة لديهم أطفال مصابون بهذا المرض ظهر أن هناك جينات فاعلة في هذا المرض في (50%) من الحالات الى يومنا هذا. وكذلك الحال بالنسبة للأمراض المتعلقة بصعوبة النطق حيث وجد أن هناك جينات لهذه الإضطرابات حددت أماكنها جميعاً.
كذلك وجد علاقة تجمع بين جينات معينة مع الناقل العصبي (GABA) ذي الصلة بمشكلة الإدمان الكحولي. والدماغ البشري أكثر الأشياء تميزاَ في الكائنات الحية سواء في البنية أو الوظائف فروابطه وديناميكيته، ونمط أدائه للوظائف وعلاقته بالجسم والعالم لا تماثل أي شيء آخر صادفه العلم حتى الآن، ويشمل الدماغ على ما يقارب ''30'' مليار خلية ومليون مليار وصلة عصبية فإمكانيات التوصيل العصبية تترابط في الدماغ داخلياً بأسلوب لا يضاهيه أي جهاز من صنع الإنسان ، ولا يوجد دماغان متطابقان حتى لدى التوائم المتطابقة. ذلك أن الدماغ ينمو من خلال التوصيل والتشبيك المستمرين وغير المستقرين تبعاً للمثيرات والخبرات. فبحساب هذا التعقيد من الكم للخلايا وموصلاتها وتنوع الخبرات البشرية، وما يتعرض له من مؤثرات تظهر تميز فرادة الدماغ وتعقيداته. لدى كل انسان على حدة.
ولا يعادل الجينات سوى النواقل العصبية في كونها سيدة المسرح في العلاج الطب النفسي الكيميائي وكل يوم تتم اكتشافات جديدة في هذا المجال وتصنع العقاقير الملائمة لضبط وموازنة هذه الموصلات العصبية وعملها. وهذا أدى الى طمس متصاعد للتفسيرات وانحسار للمحالاوت العلاجية النفسية غير الدوائية فالمسألة أصبحت ضبط وموازنة كيمياء الدماغ.
وكما أبدع الباحثون في علم الجينات بإيجاد جين لكل مرض. يجري حالياً في الطب النفسي محاولة اكتشاف اختلال عمل موصل عصبي ما لكل مرض نفسي وقد توصل العلماء الى كثير من الاكتشافات في دور هذه الموصلات في أمراض الكآبة والقلق بشتى انواعه والفزع والوسواس القهري، أو الفصام ، والذهان، ومرض الرعاش ولا زالت البحوث والدراسات لخارطة الجينات والموصلات العصبية قيد الدراسة المكثفة لمحاولة الوصول الى (الجينات) وتحديد مواقعها لكل مرض نفسي.
فعلم الجينات النفسية يشكل حالياُ تحدياً كبيراً لعلماء الوراثة في الغرب لايجاد الحلول للامراض النفسية أخذين بعين الإعتبار أن النفس ليست بمعزل عن الجسد والبيئة والخبرات وهي المعضلة الكبرى. ولعلنا نفيق بعد سنوات لنرى بأن علاج الأمراض النفسية أصبح من اليسر كما هو العلاج لأي التهاب جرثومي سريع الإستجابة والشفاء في مدة قصيرة.
مستشار الامراض النفسية والعصبية
المفضلات