حكاية الفاشلين بنيت على أساس أشبه باللغز، هي حكاية توظيف جهد ووقت بطريقة خاطئة كان من الممكن أن يقودا إلى نجاح كبير.. لو..،فالفشل ليس إلا دليلا على أن مجهودا قد بذل في الطريق الخطأ،ولا بد للفشل من طاقة نشاط.هذه حقيقة قلما ندركها على الفور، فقد اعتدنا أن نرى الفشل نقيضا للنجاح، ومن ثم عزونا للفشل نقائض صفات النجاح.

والنجاح يتطلب نشاطا، فلا بد ـ إذن ـ أن يتطلب الفشل جمودا، وهذا حق، ولكن الجمود ليس معناه افتقاد الجهد، ودع أي عالم نفساني يخبرك كم يحتاج الرجل الناضج من الجهد ليقاوم الحركة، فثمة كفاح شديد لا بد منه لمغالبة قوى الحياة والحركة، بحيث يظل المرء جامدا في مكانه.

غاية ما في الأمر أن الكفاح يحدث داخليا فلا نحس له ـعلى السطح ـ أثرا والجمود البدني ليس دليلا صحيحا على أن الحياة لا تحترق بداخل الشخص الجامد، فحتى الكسول البادي الكسل يحرق وقودا، بينما هو سادر في خواطره.

وعندما يتأتى الفشل نتيجة تكريس الوقت لوسائل قتل الوقت، فهنالك نرى أن طاقة النشاط تنفق في الاتجاه الخطأ،ولكن ثمة وسائل لقتل الوقت خفية غير مستبينة، بل لعلها تبدو على العكس كأنما هي أعمال شاقة تستنفد مجهودا كبيرا،وتستدر من المشاهد الإعجاب والثناء، فإذا دققت النظر اكتشفت أن هذا المجهود لا يفضي بنا إلى غاية، وأنه يدعنا متعبين ساخطين، وأنه مجهود يبذل فعلا لاجتلاب الفشل.

فلماذا كان الأمر كذلك، مادام النشاط نفسه خليقا بأن يوصلنا إلى النجاح؟

فلماذا نتعثر في غالب الأحيان في بلوغ غاياتنا التي رسمنا لها الخطة وأعددنا العدة؟

لماذا لا ننجز إلا القليل، ونعطل أنفسنا عن الوصول إلى أهدافنا بحماقة؟

لماذا نعتبر أنفسنا فلاسفة حين ننتحل لأنفسنا أعذارا عن بدءالرحلة متأخرين أو بدئها في الطريق الخطأ،
أو افتقادنا معالم الطريق نتيجة انسياقنا في الخواطر وأحلام اليقظة؟

لا أحد يجد العزاء حقا فيما يتقول به من أن عصفورا في اليد خير من عشرة على الشجرة، فأمثال هذه «الحكم»
لم تضرب لتقود خطانا في طريق الحياة ونحن لا نخدع بهذا التفلسف أحدا، وإن قبل الناس أعذارنا ماداموا هم أيضا على غرارنا.

ويستمع الإنسان الناجح إلى هذه الأقاويل فيبتسم ساخرا، وقد ازداد يقينا بأن النفاق ما برح بخير فهو وحده يملك الدليل على أن الحياة الموجهة أجزى وأشهى ثمارا من كل ما عساهيتأتى مع الفشل من ثمار هزيلة، وأن عملا أنجز وخرج إلى حيز الوجود لهو أفضل وأبقى من جبال شامخة من الأحلام والخواطر.

وحتى حين نعزي أنفسنا عن الفشل، فإننا لا نحس العزاء والراحة حقا، فنحن في ذات أنفسنا لا نؤمن بهذه الحكم والأمثال التي نتشدق بها، وإن بدت في سمعنا طبيعية الوقع، ومن أمثلتها أن على المرء أن يختار بين النجاح والحياة الممتعة، كأن النجاح والحياة الهانئة على طرفي نقيض.

بل نحن نوقن بأن الناجحين يستمتعون ككل البشر العاديين بالشمس الساطعة، والهواء الطلق، والحب والتقدير، يستمتعون بهذا أكثر مما يستمتع الفاشلون، بل يستمتعون فوق هذا بما يحسون به ويدركونه من أنهم اختاروا طريق الحياة والنمو، بدلا من طريق اللاشيء.

ما هي حكاية الفاشلين إذن؟ بل لماذا يجتهدون في الفشل؟

لأنهم يخضعون أنفسهم ويسيقون ذواتهم إلى إرادات شتى خارجية بل يكرسونها ويوظفون طاقاتهم في سبيل جهدهم وطاقاتهم نحو ما يحقق نجاحهم.