فكم من قصير أبدع و تفوق؟
و كم من طويل لم يحالفه شيء من ذلك؟
و العكس وارد و ممكن
و رغم هذا يبقى أمر طول القامة يشغل بال الكثيرين
و يحوز على جزء كبير من اهتمامهم
فنرى الصغير يمني النفس باللحظة التي يصبح فيها رجلاً كأبيه (أو امرأة كأمها)
و نرى من ظن نفسه قصيراً يحاول أن ينال بعض الطول بأي ثمن
و نرى من كان قصيراً بالفعل يركض من عيادة لأخرى
و ربما من عملية لأخرى سعياً وراء بضعة سنتيمترات.
إن قصر القامة من الحالات الشائعة نسبياً سواء في الحياة العامة
أو في الممارسة المهنية الطبية
و رغم ضآلة أهمية القامة أمام قيم العقل و الفكر
و بالطبع الدين و الخلق و الأخلاق
إلا أنها كانت محوراً لقصص نسجت حول قصار القامة و أساطير حيكت حول عالمهم
منها مايروى للكبار و منها ما يعشقه الصغار
و حتى في يومنا الحاضر فإننا لابد أن شاهدنا عبر الشاشات قصصاً كان أبطالها
من هذا العالم المليء بالأسرار.
لا تشير كلمة قزامة إلى شماتة ما
و ليست هي لفظة سيئة – لا سمح الله -
و إنما هي مفردة لغوية تدل على القصر الزائد
و تعاكسها لفظة العملقة
و كلا الحالتين لا يخلو منهما مجتمع
و طبياً هناك عوامل عديدة تساهم بنمو الإنسان الطولي
و هي تعتمد أساساً على المخزون الوراثي للشخص
ذلك المخزون الذي يرثه المرء من أمه و أبيه
و قد يطرأ عليه تعديل
ربما يصبح موروثاً فيما بعد لسبب أو لآخر
و يتم التعبير عن مجمل الموروث من خلال تفاعل دائم
مابين الوراثة و البيئة بمفهومها الشامل
بحيث تسمح البيئة المثلى الداخلية و الخارجية للشخص بالنمو بالشكل الأقصى المقرر وراثياً
أو أن تلك البيئة تقف حجر عثرة في وجه هذا النمو فتعرقله
و تكون النتيجة قصراً بالطول يتفاوت من حالة لأخرى
أما عندما يكون الخلل بالعوامل الوراثية
فإن البيئة قد لاتستطيع أن تقدم الكثير لزيادة الطول
اللهم إلا عبر بعض العمليات التقويمية
و ربما عبر معالجات مورثية ننتظرها على أحر من الجمر.
إن الدرجات الشديدة من قصر القامة أو القزامة
تنجم عن أسباب منها ما نشاهده من حالات تدعى
باللاتصنع الغضروفي أو " الأكوندروبلاجيا "
و هي حالات يكثر مشاهدتها على أرض الواقع و في شاشات التلفاز
و منها حالات ترتبط بعمل الغدد الصماء في الجسم
و خصوصاً الغدتين النخامية و الدرقية
و هناك متلازمات عديدة و لكنها نادرة
تؤدي لهذا القصر مثـــــــــــــــــل
متلازمة سيكل .. متلازمة بلوم .. متلازمة روسيل سيلفر
و غيرها كثير
و هناك متلازمات وراثية شائعة أكثر مثـــــــــــــــــل
متلازمة تورنر .. متلازمة نونان
تؤدي لقصر قد يكون أقل شدة
هناك متلازمات تؤدي لقصر متوسط الشدة مثـــــــــــــــــل
متلازمة ويليام .. متلازمة روبينو .. متلازمة كاستيلو و غيرها
كما أن هناك متلازمة شديدة هي متلازمة الأطفال الشيوخ
و بالطبع فإن لكل متلازمة صبغية أعراضها و مظاهرها
و إشكالياتها و اختلاطاتها الخاصة بها و التي قد تتشارك ببعضها مع غيرها
مع بقاء قصر القامة قاسماً مشتركاً بينها
رغم أن أهميته قد تكون ثانوية تماماً في بعض الحالات
إذا ماقورنت بالإضطرابات الأخرى المرافقة مثـــــــــــــــــل
الآفات القلبية .. عدم الإنجاب .. التأخر العقلي في بعض الحالات.
هناك نوع من قصر القامة ندعوه بالعائلي
و هو شائع في بعض العائلات
و أغلب البشر يعرفون أن طول الإنسان يمكن توقعه من طول أمه و أبيه
و هناك قصر يشخص بمرحلة من مراحل الطفولة
و من ثم ينمو الطفل بسرعة ليعانق طوله طول أنداده و ربما يتجاوزهم.
إن حالات قصر القامة المكتسبة
كنتيجة لعوامل بيئية عديدة منهـــــــــــــــــا
عوامل التغذية و خصوصاً في الطفولة الأولى
و كذلك الأمراض المزمنة
و حالات سوء الهضم
و معالجات الأورام الكيميائية و الشعاعية
و كذلك الأورام و السرطانات بحد ذاتها
و الإيدز عند الأطفال
و الرضوض وخصوصاً على الرأس
و كذلك بعض العمليات الجراحية
التشخيـــــــــــــــص
و له أهميته القصوى رغم أنه قد يمثل تحدياً أحياناً
إن من الأهمية بمكان معرفة معدلات الطول الطبيعية في مجتمع ما و بعمر ما و حسب الجنس
و ذلك لتقرير الطبيعي و المرضي من الأطوال
و لهذا فإن هناك مخططات يعتمد عليها في التشخيص
و الأشيع منها هي تلك المخططات التي يعتمد عليها في سن الطفولة
لا بل أكثر من ذلك
هناك مخططات خاصة بالنسبة لبعض الحالات و المتلازمات المرضية و الوراثية
و حسب الحالة يتم إجراء بعض الفحوص المخبرية أو الصور الشعاعية
أو التحاليل الهرمونية أو غير ذلك لاستجلاء الصورة
و وضع التشخيص الدقيق.
المعــــــــــالجة
تعتمد أساساً على السبب و نوع الإصابة (أو الإصابات) المرافقة و العمر
و بالتــــــــــــــــالي يتم توجيه العلاج النوعي نحو السبب ما أمكن ذلك
و خصوصاً قبل العمر (18 -20 ) سنة !
حيث هناك إمكانية لزيادة الطول
مع عدم إغفال معالجة النواحي الأخرى من علاج للأعراض المرافقة
و دعم نفسي و اجتماعي و غير ذلك.
هناك المعالجات الهرمونية
و هناك المعالجات العظمية و التقويمية
و هناك التدابير الغذائية و الدوائية
و بطبيعة الحال
فإن المتابعـــــــــــة الطبــــــــــية هي الأساس في حالات مزمنة كهذه
أما المعالجـــــــــــات العرضــــــــــــية الموجهة نحو الإختلاطات
و التأثيرات التي قد تطرأ فقد تكون من الأهمية بمكان
بحيث يتوقف عليها العديد من التطورات في مستقبل المريض سلباً أو إيجاباً.
و رغم أن قصر القامة و حالات القزامة تمثل تحدياً طبياً
إلا أن الطب بالفعــــــــــل قد قدم و يقدم الكثير بفضل الله
و لا زال الأمل بالمزيد – إن شاء الله- قائماً و مشروعاً
من المتوقع أن يقدم مشروع الجينوم البشري (hgp )
أو مايدعى بالخارطة الوراثية و تطبيقات ذلك السريرية في المستقبل ربما القريب
الكثيــــــــــــــــــــ ــــر على صعيد المعالجة المورثية و المعالجات الجزيئية
و الأدوية الهدفية النوعية
بشكـــــــــــل ربمـــــــــــــا لا نستطيع حتى تصوره في أيامنا الراهنة
و تلك الخارطة أضحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق غاياتها
بعد أن تم إعلان إنجازها منذ أيام
و لكن يلزم وقـــــــــــــــــــــــ ت لتسخيرها في الممارسة اليومية.
ماذا حول مستــقـبل المريض ؟
يعتمد الإنذار المستقبلي لحالات قصر القامة عـــــــــــــــلى
نوعها و سببها و شدتها
فهناك حالات تعيش حياة طبيعية تماماً
و هناك حالات تعاني من إشكاليات مرضية مختلفة
و هناك حالات تحدث فيها الوفاة باكراً
و هناك بين ذلك طيف واسع من الإحتمالات
أما عن تأثير القصر على الإنسان
فهذا أيضاً يعتمــــــــــــــــد عــــــــــــــــلى العوامل آنفة الذكر
و عمـــــــــــــوماً
فإن هناك تأثيرات نفسية و اجتماعية و حتى اقتصادية
بالإضافة للتأثيرات الصحية و الطبية
و كلها بحاجة للأخذ بعين الإعتبار عند وضع خطة تدبير المريض.
و ختــــــــــــــــــــاما ً
ليس قصر القامة عاراً أو مذمة
و كثير من النابغيــــــــــن و الناجحـــــــــــــــين هم بالواقـع قصار قامة
و لم يضيرهم ذلك بشـــيء
و لعل بعضنا يعرف بعضهم
و لا أزال أذكر تلك الأسكتلندية التي كانت و زوجها و أطفالها
يعانون من نفس الحالة الوراثية التي تؤدي لقصر قامة شديد
و قد ارتقـــــــــــــــــــــ ـــــــــت علمياً و اجتماعياً
حتى صارت خبيرة بحالتها
لابل صارت تدرب الأطباء و تختبرهم بحالتها
و ترأســـــــــــــــــــــ ـت جمعية تهتم بأمور تلك الحالة المرضية
و نقطة أخرى أحببت تأجيلها لآخر الحديث
كي تبقى عالقة بالذهن
ألا و هي أن البعـــــــــــــــض و للأسف
يخافون من الأقزام أو يخوفون الغير منهم أو يربطونهم بالفأل غير الحسن
و كل هذا لا مبرر له علميـــــــاً أو طبــــــــياً أو أخلاقيـــــــــــــــاً على الإطلاق
بل يتنافى مع القيم الإنسانية و الأخلاقية النبيلة و مثل ديننا الحنيف
و بنفس الوقت لا يجـــــــــــــــــــــــ ــــــوز استخدام مفردات القزامة اللغوية
إلا بمكانها الصحيح
فلا يجوز نعت الغير بها للتصغير أو التحقير
الأقــــــــزام بشر مثل كل البشر
و الأساس هو الخلق الكريم و نعمة العقل
و الله مـــــــن وراء القصد.
المفضلات