الكائن الدقيق والمضيف:
هناك الكثير من العمل يجب أن ينجز لإثبات نظريات كيوفيلد ، وعلماء المناعة حاليا يجمعون المعلومات في محاولة لإثبات ذلك ، وعلى الأقل ؛ انهم إلى الآن قد برهنوا على أن الكائنات الدقيقة الموجودة في الجسم تلعب دورا مهما وحاسما في تطوير نظام المناعة للأغشية السليمة ، وخصوصا في أغشية القناة الهضمية .

وقد أجريت عدة تجارب لإثبات ذلك ، فقد استخدمت الفئران وأنواع أخرى من حيوانات المختبر والتي ولدت بعمليات قيصرية أي بعملية جراحية تم فيها فتح البطن لإخراج الحيوانات الوليدة ، وعاشت هذه الحيوانات أيامها الأولى في حاضنات معقمة خالية من الكائنات الدقيقة ، وأظهرت هذه الحيوانات عدة علامات على أن تطور نظامها المناعي كان ضعيفا جدا . وقد امتلك عدد ضئيل من خلايا المناعة Immune cells ، وكانت خالية تماما من الأجسام المضادة Antibodies . ومع ذلك ، فأن إعطاء هذه الحيوانات جرعة من البكتريا الاعتيادية الموجودة في الأمعاء عند الحيوانات الاعتيادية كان قادرا على معالجة الوضع غير الطبيعي . ولكن ليس كل الكائنات الدقيقة التي أعطيت والتي هي في الأصل من الكائنات التي تعيش أصلا في الأمعاء Microfolora أظهرت نفس الاستجابة المناعية . فقد أظهرت بعض الأنواع استجابة ضعيفة جدا ، وكان للبعض الآخر استجابة أقوى .

وعندما قام العلماء بإدخال إحدى الكائنات الدقيقة الموجودة في الجسم بشكل طبيعي والمعروفة بالبكتيريا الخيطية الفصية Segmented Filamented bacteria " SFB" في جسم فأر خالي من الجراثيم (حديث الولادة كما سبق الذكر) ، فأن ذلك أدى إلى تحفيز جهازه المناعي ، مطلقا كميات كبيرة من المضادات الجسمية غير المحددة Nonspecific IgA antibodies والمشابه لتلك الموجودة في الحيوانات الطبيعية التي تحوي بشكل طبيعي على مستعمرات الكائنات الدقيقة . وذلك أدى إلى الاعتقاد أن هذه الاستجابة المناعية الواسعة سوف تساعد على تفسير لماذا مقاومة حيوانات المختبر الاعتيادية للعدوى اكثر نجاحا من مقاومة الحيوانات الخالية من الجراثيم .

وعلى العكس ، فالبكتريا الموجودة بشكل طبيعي في أجسامنا لها دور مهم في تطوير احتمالية الفم* Oral Tolerance . ففي الأطفال تحتاج احتمالية الفم Oral Tolerance إلى عدة سنوات حتى تتطور وتكتمل ، ولكن يمكن أن يصيبها الخلل كما يحدث عند إصابة الأطفال بالحساسية أو بعض أمراض المناعة الذاتية .

وقد قام فريق من العلماء اليابانيين في العام 1997 بقياس الاستجابة المناعية لمجموعة من الفئران الخالية من الجراثيم لـ البومين البيض ** Ovalbumin المأخوذ من بياض البيض ، وقد وجدوا نسبة عالية من الأجسام المضادة Antibodies في دم هذه الفئران ، ولكن ليس هناك احتمالية فموية Oral Intolerance . ولكن عندما لقحت هذه الفئران بـ Bifidobacterium infantis *** ، تمكنت هذه الفئران من تكوين تحمل فموي Oral Tolerance.

على الرغم من أنه يمكن إعادة النشاط وإيجاد التوافق الأفضل في عمل نظام المناعة ، فأن الكائنات الدقيقة المسببة للمرض يمكنها بطريقة أخرى من التحكم في منع استثارة الخلايا المناعية Immune cells , والأجسام المضادة والأنواع الأخرى من خلايا المناعة التي تشترك في حربنا ضد الكائنات الدقيقة المسببة للمرض .

بالإضافة إلى ذلك ، فأن هنالك أنواع أخرى من الكائنات الدقيقة المقيمة في أجسامنا قادرة على التوطن بشكل طبيعي بعد أن يبدأ النظام المناعي بمقاومة البكتريا الخيطية الفصية ( SFBs ) .

وهذا ما جعل براين هندرسون " أخصائي الأحياء في كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة " يتساءل : ( إذا كانت هذه البكتريا تستثير خلايا المضيف بشكل جيد ، فلماذا لا يحدث التهاب في أغشيتنا الداخلية " في الأمعاء " ؟ ، مع العلم أن كل الكائنات الدقيقة تقريبا تمتلك مواد ومركبات محفزة للالتهاب أو مساعدة على حدوث الالتهاب ) . وتدور لدى هندرسون وآخرين شكوك لحل هذا السر تتعلق بالنواقل الكيمائية والتي تسمى علميا بـ سايتوكينات **** Cytokines . فالفئران التي تفتقد إلى القدرة على تصنيع بعض أنواع السايتوكينات Cytokines لديها التهاب دائم في الأمعاء ، وأجسامها تهاجم بشكل مستمر من قبل البكتريا التي تعيش في أمعائها بشكل طبيعي .

بالإضافة إلى أن أي تغير في نظام المناعة ، سيؤدي إلى أن الكائنات الدقيقة المقيمة بشكل طبيعي في الجسم سوف تؤثر في الأعضاء الداخلية للمضيف . فقد اكتشف مجموعة من العلماء اليابانيين في العام 1995 تغيرا في شكل وسرعة نمو الخلايا السطحية في أمعاء الفئران الخالية من الجراثيم عندما زودت هذه الفئران بالكائنات الدقيقة التي تعيش بشكل طبيعي في أمعاء الفئران .

وفي دراسة حديثة قام بها جيف كوردون Jeff Gordon " أخصائي الجزيئات الحيوية في جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية " وجد أن بكتريا بكترويدس ثيتايوتاوميكرونBacteriodes thetaiotaomicron تحفز استخلاص جزيئات فوكوس Fucose molecules من على سطوح خلايا المضيف . كوردون اعتبر أن هذه البكتريا استعملت هذه الجزيئات كمصدر للطاقة لمساعدتها في المحافظة على إقامتها . ورغم أنه لم يتعرف على الأدلة الكيميائية الداخلة في ذلك ، لكنه اكتشف أن الكائنات الدقيقة المسببة للمرض لديها القدرة على الإحساس بجزيئات فوكوس Fucose molecules والتلاعب في خلايا المضيف عندما تحتاج إلى البقاء والتطور . وقد أصبح واضحا أن النجاح في التعايش يتطلب سلسلة معقدة من الرسائل التي تمر في الاتجاهين بين الكائنات الدقيقة التي تستوطن الجسم و أعضاء المضيف .

* احتمالية الفم Oral Tolerance: هي العملية التي تمنع الجسم من تطوير استجابة مناعية سببها الكائنات الحية ، والذي يؤدي تطورها إلى وجود استجابة مناعية ضد الطعام ، وجزيئات الهواء ، والمضادات الجينية غير الضارة Harmless antigens .
** هو أحد البروتينات الموجودة في بياض البيض .
*** جرثومة موجودة بشكل طبيعي في أمعاء الفئران.
**** وسائط كيميائية لها علاقة بالخلايا المناعية وتشمل نوعين ليمفوكينس Lymphokines ومونوكينس Monokines.