[SIZE=أكاديمي]
الفيس بوك والتويتر ووسائل الإعلام والأحداث المتسارعة والمسؤوليات المتكررة والمتراكمة، أضف إلى ذلك روتين الحياة اليومي، يجعل المرء منا في بحر متلاطم ترفعه موجه وتنزله أخرى، وتقذفه ثالثة على شاطئ لم يختره لكنه أكمل السير فيه. ليصحو يوماً لأي من الأسباب فيقول: لا ليس هذا ما أريد ولا ما أتمنى لم يكن ما وصلت له من أهدافي أو مازال الطريق طويلاً لأحقق طموحاتي، أو أني أسير في طريق معاكس تماماً لما كنت أريده.
هذه الصدمة قد لا تأتي إلا متأخرة؛ لذلك فإن تدارك الطريق يصبح حينها صعباَ، والاستسلام إلى الواقع يرهق صاحبه نفسياً، فيبدأ بالبحث عن كبش الفداء الذي يحمله نتيجة انحرافه عن مساره الذي كان يريده، كأن يحمّل الأب زوجته وأولاده المسؤولية في أنه لم يحقق ما يريده نتيجة تقيده بهم وبمسؤولياتهم، أو أن تحمّل الأم زوجها وأولادها الذنب في حياة عاشتها لم تسر بها نحو ما كانت تأمل، مما يخلف أثراً سلبياً على العائلة وتكاتفها، وقد يؤدي بهم إلى طريق الانفصال في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى التماسك ولا ينفع انفصالهم هذا في تحقيق أي من الطموحات لكلا الطرفين.
مبدأ التقييم في المراحل الدراسية يكشف وجود الخلل وفي أي موضع بالضبط، مبدأ مهم لو استطعنا تطبيقه في حياتنا العامة، فنحن نحتاج إلى إعادة تقييم لحياتنا ومسارنا وتصرفاتنا وعباداتنا، علاقتنا مع الله، روابطنا بأسرنا، علاقتنا مع أنفسنا ومدى رضانا عنها، نصارح أنفسنا بعيوبنا لتقويمها قبل أن نستمرأ دور الضحية ونفتّش عن الجاني.

وكما يتوجب علينا أن نقف مع أنفسنا ونحاسبها في كل ليلة، قبل أن نخلد إلى النوم إن وقعت في تقصير أو ظلم، علينا أن نخصص وقتاً ولو ساعة من كل شهر نراجع فيها أنفسنا، نقيّم حياتنا والطريق الذي نسلكه، نسأل أنفسنا ماذا نريد؟ وما الذي لا نريده؟، نحاكم أمورنا بطريقة منطقية عقلانية وفق المعطيات والمباحات والواجبات، بعيداً عن الأهواء والمزاجيات، نواجه التيارات المتصارعة في داخلنا أولاً، وضمن أسرتنا ثانياً، وفي محيطنا ثالثاَ. ونكون على قدر من المسؤولية والحكمة.
الإنسان يمتلك قدرة كبيرة على التغيير إذا ما أعطى لنفسه الفرصة بالتفكير وموازنة الأمور، لكنه غالباً ما ينجرف بتوالي الأيام والليالي دون أن يعي درجة انحرافه عن المسار الذي رسمه لنفسه في بداية الطريق، لذلك فإن الوقوف مع النفس وإعادة التقييم لها ولمسارها يعطي فرصة أكبر لتصويب هذا المسار في حالة عدم الرضا، أو المضي به نحو الأكمل والأفضل في حال القبول، حتى يصل مرتبة الرضا عن النفس.
من الجميل لكل منا إذا مر به العمر إن وقف والتفت إلى الخلف وتفقد آثار الخطى، أن يبتسم في سره ويحمد الله ويشعر بالرضى أنه بذل ما بوسعه، وسار ضمن الطريق الذي رسمه لنفسه ومضى.
[/SIZE]