إن من نعم الله على العبد أن يهبه المقدرة على معرفة ذاته، والقدرة على وضعها في الموضع اللائق بها، إذ أن جهل الإنسان نفسه وعدم معرفته بقدراته يجعله يقيم ذاته تقيماً خاطئاً فإما أن يعطيها أكثر مما تستحق فيثقل كاهلها، وإما أن يزدري ذاته ويقلل من قيمتها فيسقط نفسه.
فالشعور السيئ عن النفس له تأثير كبير في تدمير الإيجابيات التي يملكها الشخص، فالمشاعر والأحاسيس التي نملكها تجاه أنفسنا هي التي تكسبنا الشخصية القوية المتميزة أو تجعلنا سلبيين خاملين؛ إذ إن عطاءنا وإنتاجنا يتأثر سلباً وإيجاباً بتقديرنا لذواتنا، فبقدر ازدياد المشاعر الإيجابية التي تملكها تجاه نفسك بقدر ما تزداد ثقتك بنفسك، وبقدر ازدياد المشاعر السلبية التي تملكها تجاه نفسك بقدر ما تقل ثقتك بنفسك.
وقد يتجه بعضنا إلى أن يستمد تقديره الذاتي من الآخرين، فيجعل قيمته الذاتية مرتبطة بنوع العمل، أو بما لديه من مال، أو إكرام وحب الآخرين له وهو من غير شعور يضع نفسه على حافة هاوية خطيرة لإسقاط ذاته بمشاعر الإخفاق، وهذا يوحي إلينا ذات ضعيفة؛ لأن التقدير والاحترام لأنفسنا ينبع من مصدر خارج أنفسنا وخارج تحكمنا.
إن حقيقة الاحترام والتقدير تنبع من النفس؛ إذ أن الحياة لا تأتي كما نريد فالشخص الذي يعتمد على الآخرين في تقدير ذاته قد يفقد يوماً هذه العوامل الخارجية التي يستمد منها قيمته وتقديره وبالتالي يفقد معها ذاته، لذا لابد أن يكون الشعور بالتقدير ينبعث من ذاتك وليس من مصدر خارجي يُمنح لك.
والاختبار الحق لتقدير ذواتنا هو أن نفقد كل ما نملك، وتأتي كل الأمور خلاف ما نريد ومع ذلك لا نزال نحب أنفسنا ونقدرها ونعتقد أننا لا زلنا محبوبين من قبل الآخرين.
فلو اخترنا لأنفسنا التقدير وأكسبناها الاحترام فإننا اخترنا لها الطريق المحفز لبناء التقدير الذاتي.
ما معنى تقدير الذات ؟
عندما نتكلم عن التقدير الذاتي فأنه يقصد به الأشخاص الذين لديهم شعور جيد حول أنفسهم.
وهناك كثير من التعريفات لتقدير الذات، والتي تشترك في طريقة معاملتك لنفسك واحترامها، فهو مجموعة من القيم والتفكيرات والمشاعر التي نملكها حول أنفسنا.
فيعود مصطلح التقدير الذاتي إلى مقدار رؤيتك لنفسك، وكيف تشعر اتجاهها.
العلاقة بين تقدير الذات والنجاح :
هناك اتفاق بين الباحثين عن وجود علاقة بين تقدير الذات والنجاح، ولكن الاختلاف القائم هو عن طبيعة هذه العلاقة، فهل لابد أن يكون الشخص متفوق في تحصيله العلمي لكي يكون لديه الإيجابية في تقدير ذاته.
أو أن الثقة بالذات تسبق التفوق العلمي.
والحقيقة أنها علاقة تبادلية، مع أنه لابد من الاعتراف بأن الاعتداد بالذات مطلب لكي يتم التفوق في الحقل العلمي، وهذا التفوق بالتالي يؤدي إلى زيادة الثقة بالذات.
فالكل منهما يغذي الآخر.
ومن هنا يقسم علماء النفس التقدير الذاتي إلى قسمين: المكتسب والشامل:
ـ التقدير الذاتي المكتسب: هو التقدير الذاتي الذي يكتسبه الشخص خلال إنجازاته، فيحصل الرضى بقدر ما أدى من نجاحات. فهنا بناء التقدير الذاتي على ما يحصله من إنجازات.
ـ التقدير الذاتي الشامل: يعود إلى الحس العام للافتخار بالذات، فليس مبني أساساً على مهارة محددة
أو إنجازات معينة.
فهو يعني أن الأشخاص الذين أخفقوا في حياتهم العملية لا يزالون ينعمون بدفء التقدير الذاتي العام، وحتى وإن أغلق في وجوههم باب الاكتساب.
والاختلاف الأساسي بين المكتسب والشامل يكمن في التحصيل والإنجاز الأكاديمي، ففكرة التقدير الذاتي المكتسب تقول: إن الإنجاز يأتي أولاً ثم يتبعه التقدير الذاتي. بينما فكرة التقدير الذاتي الشامل ـ والتي هي أعم من حيث المدارس ـ تقول: إن التقدير الذاتي يكون أولاً ثم يتبعه التحصيل والإنجاز.
ويقول المؤيدون للتقدير الذاتي المكتسب: على أحسن الأحوال التقدير الذاتي الشامل لا معنى له ، وعلى أسواء الأحوال التقدير الذاتي الشامل ذو تأثير سلبي ؛ فإن زيادة الثقة تؤدي إلى المبالغة بالرغم من المعنى الهش والفراغ الذي يعيشه، أو يؤدي إلى عدم الثقة في التعامل مع الآخرين وهذا يؤدي إلى الشك الذاتي .
بينما التقدير الذاتي المكتسب بإمكانه الاهتمام بذاته، فهو ينمو طبيعياً وخصوصاً عندما ينجز شيئاً ذو قيمة.
بينما الشامل فهو زائف، يحتاج لمن يفعّل ما لديه، فلا بد من تدخل المعلم والوالدين والأشخاص المحيطين به، ليس فقط مجرد تشجيع وإنما خداعهم بجميع ما يفعلونه إنه يستحق التقدير والثناء.
ولكننا يجب أن لا نغفل أن للعلاقات الاجتماعية أثراً في إكساب النفس الثقة، فهناك علاقة مباشرة بين التقدير الذاتي والنجاح الاجتماعي .
وهذا النجاح يشمل الاعتداد في المظهر، والنجاح العلمي، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية جيدة.
إذ يحتاج الشخص إلى قدر من القبول والاحترام الاجتماعي لتتكون لديه مشاعر إيجابية حول نفسه، ويرى نفسه بأنه ناجح في عيون الآخرين.
كما أن تأثير العلاقات الاجتماعية الشخصية تتحدد بدرجة عالية بمقدرة الشخص على التسامح والاحترام، والانفتاح الذهني والتقبل للآخرين.
صفات نقص الذات:
تشير الدراسات أن قرابة 95% من الناس يشكون أو يقللون من قيمة ذواتهم وهم بهذا يدفعون الثمن عملياً في كل حقل يعملون فيه، فهؤلاء الذين يقارنون أنفسهم بالآخرين ويعتقدون أن الآخرين يعملون أفضل منهم وأنهم ينجزون ما يسند إليهم بيسر، فهم بهذه النظرة يدمرون ذواتهم ويقضون على ما لديهم من قدرات وطاقات.
وقد يؤدي بهم ذلك إلى الاكتئاب والقلق وكثير من حالات الاكتئاب والانتحار لها علاقة بالازدراء الذاتي.
وجيمس باتيل (1980م) كان من الأوائل الذين قرروا قوة الترابط بين الاكتئاب والازدراء الذاتي، فلقد اكتشف إنه عند ازدياد الاكتئاب؛ فإن تقدير الذات يقل، والعكس بالعكس ولهذا من العلاج لحالات الاكتئاب تنمية المهارات الفردية في رفع مستوى تقدير الذات والمحافظة على الحالات المزاجية لديه.
وعادة الأشخاص الذين لديهم ازدراء الذات يستجيبون إلى ظروف الحياة ومتغيراتها بأحدى طريقتين :
* الشعور بالنقص اتجاه أنفسهم: يشكون في قدراتهم لذلك يبذلون قليل من الجهد في أنشطتهم ، وهم يعتمدون بكثرة على الآخرين لملاحظة أعمالهم .
وغالباً ما يلومون أنفسهم عند حدوث خطأ ما ، ويمنحون الثناء للآخرين في حالة حدوث النجاح .
وعند الثناء عليهم يشعرون بارتباك في قبول هذا الثناء والإطراء، فالمدح يسبب لهم جرح؛ لأن لديهم شعور بأنهم يكذبون أو أنهم دجالون في حياتهم.
وهذا الشعور مدمر، مهلك لهم؛ فعند شتمهم أو إهانتهم لا يدافعون عن أنفسهم لأنهم يشعرون أنهم يستحقون ذلك.
* الشعور بالغضب وإرادة الثأر من العالم: فهم غالباً ما يعانون من مشاكل في أعمالهم وفي مسكنهم مما قد يسبب لهم في النهاية مرض نفسي وعضوي ورغبة في محاولة الانتقام من العالم.
وتراهم دائماً يبحثون عن الأخطاء، ولا يرون إلا السلبيات، ويجدون سروراً غامراً لأخطاء الآخرين ومشاكلهم.
ويمكن ملاحظة هؤلاء بالتالي:
* استحقار الذات أو عدم معرفة الإجابة عند حصول الإطراء والثناء.
* الشعور بالذنب دائماً، حتى ولو لم يكن هناك علاقة بالخطأ.
* الاعتذار المستمر عن كل شيء.
* الاعتقاد بعدم الاستحقاق لهذه المكانة أوالعمل وإن كان الآخرين يرون ذلك.
* عدم الشعور بالكفاءة في دور الأبوة أو في دور الزوجية.
* يميلون إلى سحب أو تعديل رأيهم خوفاً من سخرية ورفض الآخرين.
* وأظهرت الدراسات أنهم يحملون أنفسهم على التميز فتراهم يمشون ببطء مطأطئين رؤوسهم إنهم يبدون غرباء على العالم، يحاولون الانكماش على أنفسهم فلا يريدون العالم أن يراهم.