عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
عيوب الآخرين
عيوب الآخرين!
انتقل رجل مع زوجته إلى منزل جديد وفي صبيحة اليوم الأول وبينما يتناولان وجبة الإفطار قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة ينهما وبين جيرانهما: انظر يا عزيزي! إن غسيل جارتنا ليس نظيفا! لابد أنها تشتري مسحوقا رخيصا!
ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل.
وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها فقالت لزوجها: انظر! لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل!
فأجاب الزوج: عزيزتي! لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها!
هلاّ أصلحنا عيوبنا قبل أن نصلح عيوب الآخرين!
روي انه لحق ببني إسرائيل قحط على عهد موسى (عليه السلام) فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا كليم الله... ادع لنا ربك ان يسقينا الغيث ، فقام معهم ، وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألف أو يزيدون... فقال موسى (عليه السلام):
إلهي ... اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك ... وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والشيوخ الركع
فما زادت السماء إلا تقشعاً والشمس إلا حرارة.. فتعجب موسى (عليه السلام) وسأل ربه عن ذلك ... فأوحى الله عز وجل إليه: إن فيكم عبداً يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة ، فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم ، فبــه منعتكم.
فقال موسى(عليه السلام) : إلهي وسيدي .. أنا عبد ضعيف وصوتي ضعيف، فأين أبلغ وهم سبعون الف أو يزيدون؟ فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه : منك النداء ومنا البلاغ ... فقام منادياً وقال : ايها العبد العاصي الذي يبارز الله بالمعاصي منذ أربعين سنة أخرج من بين أظهرنا فبك منعنا من المطر.
فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم يرى أحداً خرج منهم فعلم إنه المطلوب فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق فضحت نفسي ، وإن قعدت معهم منعوا لأجلي..فادخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله وقال :
إلهي وسيدي ...عصيتك أربعين سنة وأمهلتني ، وقد أتيتك طائعاً فاقبلني
فلم يستتم كلامه حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب ، فقال موسى(عليه السلام): إلهي وسيدي ، بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا احد؟ فقال: يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم (يعني ذلك الرجل التائب)... فقال موسى(عليه السلام): إلهي ...أرني هذا العبد الطائع. فقال: يا موسى .... إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني !
(المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه)
، لقد كانت ومازالت تلك الكلمات الذهبية التي خرجت من فم الحافظ ابن رجب العسقلاني نبراسًا لكل من يخالط الناس ويتعامل معهم، وكذلك هي مشكاة يقبس منها كل من يسعى في أن يكون فردًا فعالًا بين مجموعة من البشر.
وفي نفس الوقت أيضًا لا يحتاج الإنسان إلى كثير تفكيرٍ ليدرك أن ما من بشرٍ إلا ويحوي عيوبًا وأخطاء كثيرة؛ لأن الكمال لله وحده، والنقص من طبيعة البشر، وليس من العيب أن يُخطئ الفرد إذا ما اجتهد وبذل جميع الأسباب التي بين يديه، ولكن الخطأ الأكبر أن ينظر الإنسان إلى الآخرين وكأنهم ملائكة معصومون من الخطأ، ومنزهون عن التقصير والزلل.
ولذلك يقول بعض البلغاء (لا يزهدنك في رجل حمدتَّ سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفتَ فضله، وبطنت عقله؛ عيبٌ خفيٌّ تحيط به كثرة فضائله، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفر له قوة وسائله، فإنك لن تجد ما بقيت مُهذَّبًا لا يكون فيه عيب، ولا يقع من ذنب).
وقديمًا قدَّم يزيد بن محمد المهلبي تلك القاعدة المتزنة في النظر للناس حين قال:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه
تقبل دائمًا:
إن هذه القاعدة مطردة في التعامل مع الناس، سواءً أكان ذلك في علاقات شخصية، أو في الأعمال المؤسسية، فالذي يطلب الكمال من الناس، ويغفر النقص من نفسه؛ لاشك أنه سيجد دائمًا المتاعب في انتظاره؛ لأن ارتفاع سقف توقعاته في أعمال الآخرين سيقابله عيوبًا بشرية.
وهذا ما يحذر منه الدكتور عبد الكريم بكار حين يقول: (فالناس يتوقعون من بعضهم أكثر مما يمكن أن يقدموه، وتنتهي الأمور إلى برودة العلاقات، وإلى الغيبة والنميمة وسوء الظن)، كما سيؤدي ذلك إلى حلقةٍ مفرغةٍ من شعوره بتقصير الناس، والإيحاء لهم بذلك، وهم سينبذونه وسيكرهون التعامل معه.
مجهر الإيجابيات.
كثيرٌ من الناس إلا من رحم ربي يضعون سلبيات الآخرين تحت المجهر؛ فيضخمون من أثرها، ويعظمون من خطرها، ولكن القليل الذي يفهم سيكولوجية الإنسان، وأنه مخلوقٌ ناقصٌ مفتقرٌ للكمال؛ هو الذي سيتقبل عيوب الآخرين.
ولا تعارض بين ذلك وبين تقديم النصائح والسعي في إصلاحهم؛ فالإنسان؛ بطبعه يسعى للكمال، لكنه واقعي، لا يتعامل مع الأمور بمثالية، ولذلك نحتاج إلى أن نضع الآخرين تحت مجهر الإيجابيات.
ولنا في نصيحة الدكتور عبد الكريم بكار الخير الكثير حين يقول: (فينبغي أن نركز على رؤية الإيجابيات؛ حتى لا ننزلق نحو تضخيم الشر، أو نعامل المقصرين فينا وكأنهم مجموعة شرور).
كم تساوي؟
ودعني أسألك سؤالًا: كم تساوي قطرة ماءٍ في محيطٍ عظيمٍ مترامي الأطراف؟! فهل ينقص ذلك المحيط شيئًا إن أخرجت بيدك تلك القطرة؟! وهكذا كثير خير الإنسان حين تقارنه بزلةٍ أو هفوة، فكم من الشحناء والبغضاء تقع بين الأخوة، وهم قد عاشوا السنوات يفيض كرم كل منهما على أخيه، ويسع عفو كل منهما الآخر.
ورحم الله الإمام الجليل ابن القيم حين أنار لنا الدرب، وجلى لنا عن هذه الحقيقة الهامة؛ فقال: (واعلم أن من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهر؛ فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره).
كيف السبيل؟
1.ابحث دائمًا عن المواهب والمهارات الخاصة التي يتمتع بها كل شخص، ووازن بينها وبين عيوبه حتى تحكم عليه بتوازن.
2.ضع أهدافًا تناسب الآخرين، وتخلَ عن الأهداف التعجيزية، التي لا تزيد الآخرين إلا إحساسًا بضعفهم وعيبهم، وتُدخلهم في إحباطٍ رهيب.
3.استرجع نشأتك الأولى لكي تعي السبب وراء بحثك الدائم عن الكمال في شخصية الآخرين، وكيف تشكل في منظومة أفكارك؛ فالكشف عن جذور المشكلة يساعدك على التخفيف منها.
المفضلات