أمور كثيرة حولنا تطالبنا بأن نسارع إلى إنجازها، ونحن نشعر بدقات الساعة وكأنّها دقات تأنيب الضمير.. كلها تطلق أصواتاً توبخنا وتؤلمنا:
"يكفيك أعذاراً.. أنجز هذا الأمر".




معظم الذين لا ينجزون ما عليهم يملكون "موهبة" إيجاد الأعذار: "ليس لديّ وقت".. "لا أحد يساعدني".. ومجموعة أخرى من الحجج، وكذلك المخاوف، ومنها: الخوف من التعب، والخوف من الفشل.

الحقيقة، إن إنجاز ما يجب إنجازه يحتاج إلى توافر عدد من المقومات لدى الفرد، منها القناعة بأن ما عليه إنجازه أمر قابل للإنجاز وممكن التحقق مادام غيره قادراً عليه أيضاً.


ولو فكّر المرء في الفوائد والمكاسب التي سوف يجنيها لو بدأ بالإنجاز، له ولغيره فسوف يجد الدافع القوي إلى الإنجاز وكذلك المتعة.

وهناك صفة مهمة جدّاً لدى الكثيرين من الأشخاص الذي يؤجلون إنجاز ما عليهم إنجازه، وهي مثاليتهم ورغبتهم في إنجاز الأمور بشكل مثالي كامل. فهم إما يريدون إتمام الأمور بشكل مثالي جدّاً، أو أنهم لا يقدمون عليها. والسعي إلى المثالية جيِّد، ولكنه حين يعطل الإنجاز فهو يصبح مرضاً يحتاج إلى علاج.


وفي معظم الأحيان، هذا النوع من الناس يحتاج إلى أن يُحسن الإستماع للصوت الداخلي عنده. فمعظم المتقاعسين، في داخلهم صوت أُم أو صوت أب ناقد يخبرهم أنّه "لا فائدة منهم" وأنّهم "مخيبون للأمل" و"لا يتمون عملاً جيِّداً"... إلخ.
إنّ نقداً كهذا يقول لنا في النهاية: "مادام أنّ المسألة لا فائدة منها، وطالما أن إنجازي لن يحوز الرضا واحتمال أن يفشل .. فلماذا أقدم عليه؟".

لكن تغيير هذا الأمر ممكن، ومحو الأسطوانة التي تدور رؤوسنا. وعليه فإن صوت الأهل الذي يخبرنا أنّه "لا فائدة منّا"، أمر في متناول كلٍّ منّا. وحتى نمحو هذه الأسطوانة السلبية، نحتاج إلى أن نقاومها بأسطوانة إيجابية مضادة تحمل جملة تقول: "أنا رائع.. سأستطيع القيام بما يجب أن أقوم به".

أنّه لأمر مؤلم ومخيف أن يعيش الإنسان بأصوات داخله، تأتيه من زمن طفولته.. أصوات من أهله تخبره أنّه عاجز عن الإنجاز، وأنّه سيِّئ.
ولمقاومة هذه الأصوات السلبية، ليس على المرء أن يكره والديه أو أن يقاومها بقوة. فليس أمراً جيِّداً لأيٍّ كان أن يقضي على الصوت الداخلي الآتي من أهله والذي يخبره بأنّه عاجز، ليستبدله بقيم سلبية أخرى ضد والديه. فإذا حصل ذلك يكون المرء قد بقي في مكانه وبالمشاعر السلبية ذاتها.


كل المطلوب، هو حالة سلام يتحدّث فيها الإنسان مع صوت والديه داخله، الذي يقول له: "لا فائدة منك يا فوضوي". ليردّ عليه: "لا.. سترون.. هناك فائدة منِّي، وبعد اليوم لن أكون فوضوياً