العقل الواعي والباطن

عقلك الواعي
نحن ندرك العالم من حولنا بطريقتين أساسيتين لا ثالث لهما: وهما أن ندرك من حولنا بوعي أو بغير وعي. سأشير إلى هاتين الطريقتين بالمسميات: العقل الواعي, والعقل اللاواعي " الباطن". إن عقلك الواعي هو ذلك العقل الذي تستخدمه بنشاط وتعمد طوال يومك. وأنت على الأرجح تدركه على أنه صوتك الداخلي الذي يتردد بداخلك طوال الوقت. إلا أنه على الرغم من كل الاستخدامات المؤكدة لعقلك الواعي, إلا أن قدرته على إحداث تغيرات في ذاته محدودة إلى حد كبير. وتخبرنا الدراسات بأنه لا يستطيع التعامل مع الاحتفاظ بمجموعة كبيرة من الأفكار في المرة الواحدة. ولهذا السبب نجد أن الجزء الأكبر من حياتك يتم التحكم به بصورة أوتوماتيكية عن طريق عقلك الباطن.


عقلك الباطن
يشغل العقل اللاواعي "الباطن" الحيز الأكبر من عقلك, وهو قادر على التعامل مع الملايين من الرسائل الحاملة لمعلومات حسية في كل ثانية, كما أنه الحيِّز الذي نختزن فيه حكمتنا وذكرياتنا وذكاءنا. إنه هو مصدر الإبداع, وأهم ما يهمنا هنا أنه يتولى تخزين و تنفيذ جميع عمليات " البرمجة " الخاصة بالسلوكيات التلقائية الأوتوماتيكية التي يستخدمها المرء في حياته. إن العقل الباطن يمثل بمثابة "الطيار الآلي" داخل العقل البشرى: فهو يعطينا الفرصة لعمل أشياء متعددة في نفس الوقت دون الحاجة إلى التركيز عليها جميعاً بنفس القدر. فعلى سبيل المثال, عندما كنت طفلاً صغيراً كان عليك أن تركز انتباهك جيداً حتى تتمكن من عقد رباط حذائك بالصورة السليمة, ويكون هذا باستخدام عقلك الواعي. لكن بمجرد اكتمال عملية البرمجة, يمكن لعقلك الباطن أن يتولى توجيه يديك دون الحاجة إلى التركيز على هذه العملية بعقلك الواعي. هذه البرامج أو "العادات" تفيدنا للغاية, حيث أنها تحرر عقلنا الواعي, حتى يتسنى له التفكير في أشياء أخرى. فقيادة السيارة مثلاً تتضمن التقاء العديد من العادات الصغيرة مثل إعطاء الإشارة, وزيادة السرعة, واستخدام المكابح, والدوران عند المنعطفات... إلخ.


لكن كل هذه الأمور تصبح معتادة لدرجة أنك تدخل إلى سيارتك بكل سهولة، وتفكر في وجهتك التي تنويها. لكن، وكما سترى، أحيانا ما نكون بحاجة إلى تغيير أو تجاهل أو تحديث، أو حتى التغاضي تماماً عن برامجنا وعادتنا القديمة. إن السواد الأعظم من عاداتنا هو أشياء اكتسبناها بالصدفة، ولم نتخلص منها مطلقاً. وربما لم تكن ذات فائدة لنا على الإطلاق في وقتها. على سبيل المثال، قيل للعديد منا ونحن لا نزال أطفالاً إننا لسنا على المستوى الملائم، على الأقل في بعض من جوانب حياتنا. إلا أننا بعدما صرنا بالغين، لا نزال نسمح لتلك البرامج القديمة بالتحكم في سلوكنا، مهدرين الكم الكبير من وقتنا في القلق بشأن افتقادنا للمهارة الكافية، منتقدين أنفسنا لعدم القدرة على الأداء بالصورة التي كان ينبغي أن نؤدي بها. الخبر السار هنا هو: كل هذا على وشك أن يغير! -