السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقدمة

هذا الموضوع ضمن سلسلة المقالات في التفكير الناقد ويتطرق إلى مغالطة مشهورة في الحوار والتفكير هي "الطريدة المتوهمة" red herring


الطريدة المتوهمة red herring




لكي تضلل صقر الصيد عن ملاحقة فريسته ضع له "طريدة وهمية" وسوف يستجيب لهذه الطريدة الوهمية ويترك فريسته الأصلية وينحرف عنها. ماحصل هو أنه تم الهاء صقر الصيد بهذه الطريدة الوهمية والتي قد تكون حمامة ميتة وسوف يظل يدور حول هذه الفريسة الوهمية وينسى هدفه الأصلي ولو رميت له حمامة أخرى ميتة لانقض عليها وترك مالديه , ومن هنا جاء اسم هذه المغالطة التي سوف نتحدث عنها"الطريدة الوهمية".

تعريف

الطريدة الوهمية هي تفاصيل أو تعليقات تم حشوها في الكلام المكتوب أو الحوار إما عن قصد أو بدون قصد لكي ننحرف عن الموضوع الأصلي. الطريدة الوهمية تخالف واحدا من أهم معايير التفكير الناقد وهو معيار "العلاقة" وعادة ما تكون تلك التفاصيل متلبسة بلباس عاطفي تخاطب المشاعر.
القارئ أو المشارك في النقاش عادة ما يتبع هذه الطريدة الوهمية وينسى فكرة الموضوع الأساسية قد لا يعود ذهنه إلى الفكرة الرئيسية أبدا.

حوار يوضح مفهوم "الطريدة المتوهمة"

تأمل هذه الحوار الساخن بين خالد وأحمد حول "إلزام الطلاب بركوب الحافلات للمدرسة"
خالد : أنت ذكرت بأن إلزام الطلاب بركوب الحافلات سوف يقوي العلاقة بينهم ويقلل التوتر ويطور التعليم لكن كيف يمكن تصور ذلك خصوصا عندما نحشر مجموعة من الطلاب لمدة ساعة مع بعض فهذا سيضاعف فرصة حدوث المشاجرات بينهم.

أحمد : نعم هذا قد يكون صحيحا لفترة قصيرة بعدها سوف يعتاد الطلاب على بعض وعندما يحصل هذا فإن كثيرا من الحواجز سوف تكسر.

خالد : هذه سخافة , كيف يمكن أن تقول شيئا كهذا وكيف يمكن أن تتنبأ بالمستقبل بكل بساطة. أنت إنسان مثالي وتعيش في برج عاجي ومثاليتك هذه هي سبب الكثير مما نعانيه من مشاكل في هذا البلد.

أحمد : لو سمحت لا تتطاول , فهذه المثالية التي تتحدث عنها هي سبب التطور الذي نعيشه الآن في هذا الزمان فلو لم يوجد لدينا مثاليون لعدنا للعصر الحجري , ألا تعتقد بأن المثاليين هم من يحلم بطرق أفضل وأكثر تفاؤلا في هذه الحياة وهم سبب هذا التطور الذي نعيشه.

خالد : لا , لا أعتقد ذلك إطلاقا فنحن نعيش في تخلف وما تراه هو مسألة وقت حتى ينكشف الوضع الحقيقي لنا ....

أحمد : كيف يمكن ....

ماذا حدث للفكرة الأساسية وهي إلزام الطلاب بركوب الحافلات ؟

ابتعد خالد وأحمد مسافات طويلة عن الفكرة الأساسية حيث تبعا "طريدة وهمية" وهي "المثالية" ثم فريسة أخرى وهي "التطور" ويبدو أن فرصة عودتهما للفكرة الأساسية للنقاش ضئيلة جدا..

هناك صور أخرى يمكن أن تكون سببا للطريدة الوهمية هي :


1- اصطياد القمل Nit Picking :



من الأسباب التي قد تؤدي إلى الانحراف عن الموضوع, عندما يطرح الشخص اعتراضا تافها . عندما تذكر فكرة ما وتخطئ خطئا بسيطا فيهاجمك الآخر بضراوة من أجل هذا الخطأ حتى لو كان هذا الخطأ صغيرا ولا يؤثر في النقطة الرئيسية مثقال ذرة.
ما سيحصل بعد ذلك هو أنك قد تتوتر وتفقد ثقتك بنفسك ولو لحظيا بما تقوله. إن مصداقيتك قد تضعف وقد يفترض القارئ أو المستمع أنه وبسبب خطأك في نقطة واحدة فأنت مخطئ في كل الفكرة.هذه الاعتراضات التافهة تسمى "اصطياد القمل"

مثال

قد تتجادل أنت وصديقك حول ما إذا كانت الحكومة يجب أن تفرض حظرا على الصادرات الصينية .
موقفك أنه يجب فرض حظر على منتجاتهم وتبدأ بذكر الأسباب الكثيرة لذلك ومنها أنه قد تم فرض حظر عام 1405 وكانت نتائجه رائعة.
عندها يقفز الآخر معترضا بأن هذا الفرض كان في عام 1404 ويقوم بعمل هرج ومرج وضجيج حول هذا الخطأ.
بالفعل قد تكون أخطأت في ذكر التاريخ لكن هذا الخطأ لا يشكل فرقا حول صحة موقفك.

مثال آخر
تكتب مقال حول فكرة ما في أحد المنتديات ثم يقفز أحدهم ونبهك إلى خطأ إملائي أو لغوي ويتهجم على مستوى تعليمك وووو مع أن الموضوع لاعلاقة له باللغة.


2- ادعاء عدم الفهم Feigning ignorance :



انحراف آخر عن الموضوع قد يحدث عندما أزعم بأنني لم أفهم شيئا مما قاله الطرف الآخر , وهذه تسمى أحيانا "لعبة الإغراق في الغباء" , لأنها تجعل الطرف الآخر يبدو مغفلا , قد يحاول الآخر إعادة شرح فكرته وحينها قد يبدو لدى الآخرين مشوشا وعندها قد يفقد المستمع الثقة به وبرأيه. في الطرف الآخر لو كان هذا الشخص ذكيا فسوف يتجه لي مباشرة ويجعلني أنا من أبدو جاهلا حين لم أفهم حديثه الواضح.


3- التهكم والسخرية :



إن استخدام التهكم والسخرية والهمز أو حركات الجسد قد تقود إلى الانحراف عن الموضوع. مثل هذه الوسائل يمكن أن تغري مسار النقاش وذلك بالتأثير العاطفي على الشخص, إن ذلك الشخص الذي تم إهانته أو ذكر شيء يهاجم قيمه أو معتقداته سوف يتجه إلى التفكير بأفضل الطرق للرد لحفظ كرامته أو الدفاع عما هاجم آراءه التي يتعصب لها بدلا من محاولة فهم الكلام فهما جيدا والتركيز على فكرة الموضوع.

4- التعليقات الظريفة Wetty Remark :



إن التعليقات الظريفة تثير جوا من الفكاهة لدى الناس وعندها قد يضحكون مما قد يغير أسلوب النقاش وهو ما قد يؤدي إلى الانحراف عن الموضوع.

5- التفسير الحرف Litral :



عندما نقوم بتفسير ما ذكر الآخرون بشكل حرفي فإن ذلك قد يكون وسيلة للانحراف عن الموضوع.

مثال : حوار بين أحمد الصياد وخالد حول الفساد والخلل الأمني في المدينة

أحمد الصياد : ينتقد الوضع الأمني في مدينة الرياض فيقول "أفضل أن أعيش في وسط الغابة بدلا من العيش في هذه المدينة المخيفة التي بدأت تصبح أكثر جريمة من أدغال الأمازون"

خالد :إنسان مثلك يفضل أن يعيش مع الأفاعي والبعوض ويتهرب من المواجهة الصادقة للمشاكل الواقعية لا يمكن أن يحمل كلامه محمل الجدية

هذا التعليق الحرفي الذي قام به خالد يمكن أن يسبب انحرافا عن الموضوع كما يمكن أن يقلل من مصداقية أحمد وإذا تفاعل معه المستمعون وضحك على أحمد فإن درجة اهتمامهم بحديث أحمد لن تكون كبيرة مما يعني أن فرصة استماعهم له بشكل جاد قليلة.

يمكن أن يذهب خالد إلى أبعد من التعليق الحرف ويعلق على اسم عائلة "أحمد الصياد" فينحرف أكثر عن الموضوع ويقول :

السيد الصياد يفضل الصيد في الغابات ويبدو أن الاسم طابق المسمى.
قد يجد خالد أن المستمعين يستمتعون بحديثه الفكاهي ولكن في المقابل فإن أحمد سيبدأ بالتوتر وقد لا ينتظر دوره للحديث فيرد بغضب ولن يحترم خالد وقد يساهم كذلك هو في الانحراف عن الموضوع.

إذا حصل هذا فإن خالد نجح بالتلاعب بأحمد وأفقده القدرة على التفكير بشكل جيد وجعله يتصرف بردود أفعال غير متزنة مما سيقلل من مصداقيته.

6- استخدام اللغة الصعبة Jargon :



يمكن أن تضع خصمك في وضع دفاعي إذا تحدثت بثقة مستخدما حقائق ومعلومات غريبة ونادرة لا يعرفها الطرف الآخر أو استخدمت مصطلحات علمية معقدة مما يجعل الآخر يخشى الاعتراف بعد علمه. إذا لم يكن الآخر على ثقة بمعلوماته فإن ثقتك أثناء الحديث سوف تجعله مرتبكا أما إذا كان ذكيا فسوف ينعتك بــ "المتحذلق"

خاتمة

تعد الطريدة الوهمية من المغالطات المنطقية وتحدث عندما نحاول سحب الانتباه عن الفكرة الرئيسية بموضوع فرعي أو موضوع لا علاقة له بالفكرة الرئيسية. إن اعتبار الطريدة الوهمية من المغالطات المنطقية جاء بسبب مخالفتها أحد معايير التفكير الناقد وهو "العلاقة" فهي وكما مر بنا موضوع لا علاقة له بالفكرة الأساسية المطروحة, عادة ما يكون سبب هذه الطريدة هو الانتصار للذات أو عدم القدرة عن الدفاع عن موقفي أو لفت الانتباه أو الجهل أو غير ذلك ومهما يكن السبب فإنك يجب أن لا تنجرف وراء هذه الطريدة تاركا الفكرة الرئيسية دون أسباب منطقية.