يتكون العقل الباطن من حقل يتم فيه تصنيف كل دافع فكري يصل إلى العقل الواعي من خلال الحواس الخمس، ويمكن من خلال العقل الباطني استذكار الأفكار تماما كما يحصل عند سحب أي رسالة من أي ملف.


فالعقل الباطن يتلقى في ملفاته انطباعات الحواس والأفكار بغض النظر عن طبيعتها، وبإمكانك زرع أي خطة أو فكرة أو هدف فيه. ويعمل ذلك العقل أولا بالرغبات المهيمنة التي مزجت بالمشاعر العاطفية والعقلية.

ويعمل العقل الباطن بشكل دائم، ويستند من خلال وسائل يجهلها الإنسان إلى القوى السماوية اللامحدودة ليستمد منها الطاقة التي تمكنه من تحويل الرغبات إلى ما يساويها عمليا باستعمال الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق الهدف المطلوب.

ولا يمكنك أن تسيطر كليا على عقلك الباطني ولكن بإمكانك تسليمه أي خطة أو رغبة أو هدف ترغب في تحويله إلى واقع، ومن هنا تأتي قيمة الإيحاءات الذاتية التي يقوم الفرد عن طريقها بزرع الأفكار في عقله.

ويوجد الكثير من الإثباتات التي تدعم الاعتقاد بأن الإيمان هو صلة الوصل بين عقل الإنسان المحدود وقدرات الكون الكثيرة، وهو الواسطة التي يمكن للشخص أن يستمد منها من قوى أخرى.

ويحتوى العقل الباطني وحده على سر العملية التي يتم بواسطتها تحويل الدوافع الفكرية وتعديلها وتغييرها إلى ما يساويها روحيا.

وهنا ملاحظة لا بد من أخذها بعين الاعتبار، وهو أن المطلوب ليس أن نجعل الإيمان مجرد مطية لتحقيق الأرباح، أو وسيلة للحصول على الدنيا، بل المطلوب هو العكس تماما أن نجعل الأرباح في خدمة الإيمان وأن نجعل الدنيا مطية الآخرة.. عملا بقول القرآن الكريم: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا)..


وهذا يتطلب "رفض النجاح" إذا تعارض مع متطلبات الإيمان، لأن النجاح الحقيقي، هو النجاح مع الله تعالى، إذ ما قيمة نجاح في الدنيا تعقبه خسارة في الآخرة؟

وما قيمة انتصار دنيوي يؤدي إلى هزيمة أخروية؟


وما قيمة دينار تحصل عليه من الحرام؟

يقول ربنا تعالى؛ (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا، ويزيدهم من فضله، والله يرزق من يشاء بغير حساب، والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب).




إن المطلوب من الدنيا هو ما لا يخسرك الآخرة..
والمطلوب من المال، ما لا يمنع عنك الصالحات.
والمطلوب من النجاح في هذه الحياة ما لا يمنع عنك الفوز في الدار الآخرة..
"

فنعم العون على الدين الغنى"- كما يقول الحديث الشريف..


أما إذا كان هذا الغنى من نوع: (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) فهو مرفوض، وممقوت ومدان..


يقول الدعاء المعروف: "اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير والوفاة راحة لي من كل شر".


إن المال الذي تكسبه إذا صرفت فيه على نفسك وعيالك وأقربائك، ونفعت به الناس فهو لك صلاح وفلاح".
أما المال الذي يمنع عنك عبادة الله، ويشغلك عنه، أو يطغيك، ويسد عليك منافذ الرحمة للعباد وبال عليك في الدنيا والآخرة.

إن النجاح الذي نتحدث عنه بالإيمان هو النجاح الذي يجمع بين الدنيا والآخرة.
وهو الذي قال عنه الإمام علي (ع):
وآخر فاز بكلتيهما قد جمع الدنيا مع الآخرة


وهو الذي يتحدث عنه القرآن الكريم: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار).
أما النجاح الذي يجعل الدنيا بديلة عن الجنة، ويأخذ بلباب صاحبه، ويعميه عن حقائق الموت والحساب والجنة والنار، وتعاليم الأنبياء والرسل، فهو الخسارة بعينها..
فالنجاح الذي يرافقه الظلم مرفوض.


والنجاح الذي يرافقه ترك العبادات ممقوت.
يقول ربنا تعالى: (يا أيها الذين آمنوا، إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).


ثم يعاتب أولئك الذين يقدمون التجارة على العبادة، ويجعلونها بديلا عنها فيقول:
(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها، وتركوك قائما، قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين).
والان كيف تتزود بالإيمان؟



والجواب:
أولا- أن تطلبه من رب العالمين، فأقرب الطرق إلى الله تعالى هو نفسه.
فلكي تقوي إيمانك، توجه إلى الباري، وصل له، وادعه خوفا وطمعا.
إن من يفتح قلبه للإيمان، لا بد أن يدخله الإيمان، كما أن من يفتح عينه على النور لا بد من أن يبصره.
الإيمان يتقوى بالإيمان، والتقوى تزداد باتقوى، والورع يزيد بالورع.
تماما كما هو نقيضه، فالإلحاد يزداد بالإحاد، والفسق يزداد بالفسق، والكفر يزداد بالكفر..


ثانيا- أن تلتزم بالحد الأدنى- على الأقل- من متطلبات الإيمان. إن شجرة الإيمان بحاجة لرعاية مستمرة، فالصلاة، والدعاء المتكرر كل يوم يحافظان على الإيمان ويزيدانه ترسيخا..


ثالثا- أن تستنجد بالله- تعالى- في الرخاء.
من الطبيعي أن يتوجه الإنسان إلى ربه أوقات الشدة، غير أن التوجه إليه في الرخاء هو الذي به قيمته.. يقول تعالى في حديث قدسي: (عبدي، اذكرني في الرخاء، أذكرك في الشدة).


رابعا- أن تخلص في عملك..
روح الإيمان، تكمن في الإخلاص.. الأمر الذي نحتاج إلى التأكد منه عدة مرات كل يوم.
ويمكن التعبير عن الإخلاص، بتلك الدوافع الداخلية التي يتحرك الإنسان بسببها.


وفي الحقيقة فإن فحص الدوافع، أمر ضروري لتجديد الروح الأمر الذي يؤدي إلى إحياة منظومة القيم التي لا بد من الالتزام بها في الحياة.


يقول الحديث الشريف: "أخلص العمل فإن الناقد بعيد بعيد". ويقول: "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سميعا ولسانه صادقا، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة، وأذنه مستمعة، وعينه ناظرة