عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
كيف تكتسب الثقة في نفسك ـ إدارة الذات
كيف تكتسب الثقة في نفسك ـ إدارة الذات
روي أن عيسى عليه السلام قالماذا يكسب الإنسان إذا فاز بكل شيء وخسر نفسه).
ولئن اختلف الأطباء في كيفية ثبوت موت الإنسان طبيًا، فقال بعضهم: إن موت الإنسان يثبت عند توقف القلب، وقال الآخرون: بل يثبت موت الإنسان عند توقف المخ؛ لأنه ثبت أن في بعض الحالات يتوقف القلب ويظل المخ يعمل، فبعيدًا عن قول الأطباء فإننا نقول لك: احذر أن تموت وأنت على قيد الحياة بأن تفقد مصدر الطاقة في رحلة حياتك وهو :
الثقة بالنفس:
إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وإن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الفشل، وكثير من الطاقات أهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانات أنعم الله بها عليهم لو استغلوها لاستطاعوا أن يفعلوا الكثير، والناس لا تحترم ولا تنقاد إلى من لا يثق بنفسه وبما عنده من مبادئ وقيم وحق، كما أن الهزيمة النفسية هي بداية الفشل، بل هي سهم مسموم إن أصابت الإنسان أردته قتيلاً.
يقول مونتغمري في كتابه الحرب عبر التاريخ أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكن في المعدات أو التسليح أو التنظيم, بل كانت في الروح المعنوية العالية .
ما هي الثقة بالنفس؟
يقول جرودون بايرون:إن الثقة بالنفس هي الاعتقاد في النفس والركون إليها والإيمان بها.
وأوضح من هذا تعريف الدكتور أكرم رضا:هي إيمان الإنسان بأهدافه
وقراراته وبقدراته وإمكاناته, أي الإيمان بذاته.
والثقة بالنفس لا تعني الغرور أو الغطرسة، وإنما هي نوع من الاطمئنان المدروس إلى إمكانية تحقيق النجاح والحصول على ما يريده الإنسان من أهداف.
فالمقصد من الثقة بالنفس هو الثقة بوجود الإمكانات والأسباب التي أعطاها الله للإنسان، فهذه ثقة محمودة وينبغي أن يتربى عليها الفرد ليصبح قوي الشخصية، أما عدم تعرفه على ما معه من إمكانات, ومن ثم عدم ثقته في وجودها, فإن ذلك من شأنه أن ينشأ فردًا مهزوز الشخصية لا يقدر على اتخاذ قرار، فشخص حباه الله ذكاءً لكنه لا يثق في وجوده لديه, فلا شك أنه لن يحاول استخدامه، ولكن ينبغي مع ذلك أن يعتقد الواثق بنفسه أن هذه الإمكانات إنما هي من نعم الله تعالى عليهم, وإن فاعليتها إنما هي مرهونة بعون الله تعالى وتوفيه للعبد، وبذلك ينجو الإنسان الواثق بنفسه من شرك الغطرسة والغرور، وها هو سليمان عليه السلام ـ الذي أتاه الله تعالى ملكًا لم يؤته أحدًا من العالمين ، لما مر بجيشه على واد النمل وسمع النملة , فماذا كان رده فيه عليه الصلاة والسلام: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيّ َ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل:19].
فمع ثقته بنفسه وبما حباه الله عز وجل من ملك وإمكانات وقدرة على فهم لغة الحيوانات إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم ينس أن ينسب كل ذلك إلى محض فضل الله ومنته.
أنواع الثقة بالنفس:
أوفق نوعين من أنواع الثقة بالنفس هما هذان النوعان اللذان وصفهما د: بتكين، وهما:
1ـ أولاً الثقة المطلقة بالنفس:
وهي التي تسند إلى مبررات قوية لا يأتيها الشك من أمام أو خلف, فهذه ثقة تنفع صاحبها وتجزيه، إنك ترى الشخص الذي له مثل هذه الثقة في نفسه يواجه الحياة غير هياب ولا يهرب من شيء من منغصاتها، يتقبلها لا صاغرًا، ولكن حازمًا قبضته, مصممًا على جولة أخرى، أو يقدم مرة أخرى دون أن يفقد شيئًا من ثقته بنفسه، مثل هذا الشخص لا يؤذيه أن يسلِّم بأنه أخطأ وبأنه فشل وبأنه ليس ندًا كفؤًا في بعض الأحيان.
2ـ ثانيًا: الثقة المحددة بالنفس:
في مواقف معينة، وضآلة هذه الثقة أو تلاشيها في مواقف أخرى، فهذا اتجاه سليم يتخذه الرجل الحصيف الذي يقدر العراقيل التي تعترض سبيله حق قدرها، ومثل هذا الرجل أدنى إلى التعرف على قوته الحقيقية من كثيرين غيره، وقد يفيده خداع النفس ولكنه لا يرتضيه, بل على العكس يحاول أن يقدر إمكاناته حق قدرها، فمتى وثق بها، عمد إلى تجربتها واثقًا مطمئنًا. ولا شك أن لك من معارفك من يمثلون هذين النوعين من الواثقين بأنفسهم مما يعطيك الدليل الدافع على وجودهما فعلاً في واقع الحياة، ومع ذلك هل تعلم أن:
أكثر الناس لا يثقون بأنفسهم:
فعدد الخارجين على هذين النوعين المثاليين في الثقة بالنفس يفوق كل تقدير، وأكثرهم يطبعهم افتقاد الثقة بالنفس، فلماذا كان أكثر الناس ضعاف الثقة بأنفسهم؟ يقول عالم النفس الشهير ألفريد أدلر:
إن البشر جميعًا خرجوا إلى الحياة ضعافًا عراة عاجزين، وقد ترك هذا أثرًا باقيًا في التصرف الإنساني ويظل كل شيء حولنا أقوى منا زمنًا يطول أو يقصر, حتى إذا نضجنا ألفينا أنفسنا كذلك، تواجهنا قوى لا حول لنا أمامها ولا قوة، ويقفل علينا شرك الحياة العصرية المتشعبة كما يقف الشَّرَك على الفأر، فهذه الظروف القاهرة التي نخلق ونعيش فيها تترك في الإنسان إحساسًا بالنقص باقي الأثر، ومن ثم تنشأ أهداف القوة والسيطرة التي توجه تصرفات البشر .
ولعل في هذا الكلام شيئًا من الصحة يتوافق مع قول الله تبارك وتعالى: وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً[النساء:28] وقوله عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78].
وإذا سلك الإنسان طريقه في الحياة آخذًا بأسباب القوة والنجاح فإنه يزداد قوة وثقة بنفسه مع الوقت، ومع ذلك فواحدة من أجدى الخطوات في اكتساب الثقة بالنفس أن يدرك الفرد مدى شيوع الإحساس بالنقص بين الناس, فإذا جعلت هذه الحقيقة ماثلة في ذهنك زايلك شعور انفرادك دون سائر الخلق بما تحسه من نقص، ولأن الإحساس بالنقص من الشيوع بمثل ما ذكرنا، لذلك يجاهد الناس لاكتساب الثقة بالنقص حتى يرتفعوا إلى مستوى عال مرموق.
ثمرات الثقة بالنفس:
إن معرفة قدر نفسك والإيمان بها تعطيك ثمرات كثيرة تعينك على الحياة الناجحة ومنها:
1ـ تشعرك أن حياة كل شخص متميزة عن سواها: ذات خصائص فردية فذة، وتساعدك على اكتشاف خصائصك.
2ـ تجعلك مدركًا تمامًا لإمكاناتك وقدراتك: وتبين لك نقاط الضعف والقوة فيك فتدفعك إلى الانطلاق.
3ـ تعطيك الاستعداد أن تتخذ قدوة: وأن تختار النموذج المناسب لك في الحياة وتقتفي الآثار دون تقليد أعمى، وهي الخطوة الضرورية لتحقيق النجاح والتميز في الحياة.
4ـ توضح لك هدفك: وتدفعك إلى الوصول إليه، فهي مصدر طاقتك.
5ـ تنتشلك من براثن العجز والسلبية والهزيمة النفسية: والتي هي السبب الأساسي في الهزيمة، حتى إن التاريخ ليدلل على أن الهزيمة النفسية كانت السبب الأساسي في انهزام الجيوش العسكرية، ولما أرسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ربعي بن عامر ليفاوض قائد الفرس رستم دخل ربعي بثيابه الرثة ورمحه وبغلته على رسم في إيوانه وبين حراسه وجنده، ودارت مفاوضات قذفت الرعب في قلب رستم وكان بداية لهزيمة الفرس، إذ سأل رستم ربعيًا فقال له: ما الذي جاء بكم؟
فقال ربعي بكل ثقة: الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
وخاف رستم وأيقن أنه لن يستطيع أن يكسب الجولة مع هذا الصنف من البشر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: ونُصرت بالرعب مسيرة شهر .
ولما بعث المقوقس عظيم مصر رسله إلى جيش عمرو بن العاص رضي الله عنه أبقاهم عمرو عنده يومين ليطلعوا على حياة جند رباهم الإسلام وهيأهم لفتح أرض الكنانة، فلما عادوا إلى المقوقس قالوا له: رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم ولا السيد من العبد وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم .
فقال المقوقس: والذي يحلف به لو أن هؤلاء الرجال استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد .
البداية: ولعلك الآن تريد أن تعرف الطريق الصحيح نحو اكتساب الثقة بالنفس، ولعل نقطة البداية الصحيحة هي أن تبدأ بتقييم نفسك، فكيف تعرف مقدار ثقتك بنفسك؟ وهل أنت عضو في نادي الإحساس بالنقص؟
هل لديك عقدة نقص؟
قبل أن تجيب على هذا السؤال اسمع أولاً إلى عالم النفسي الشهير [[ألفرد إدلر]] وهو يعرف الإحساس بالنقص فيقول:
شعور يحدو بالمرء إلى الإحساس بأن الناس جميعًا أفضل منه في شيء أو آخر. وليس المقصود بهذا هو أن يشعر المرء بالتواضع أمام الناس فهذا أمر محمود، وإنما المقصد أن يتنامى هذا الشعور في الإنسان إلى الحد الذي يشعره بالدونية والعجز والفشل، ومثل هذا الشعور إذا تمكن من الفرد فإنه يكون نقمة عليه، تجعله لا ينعم بسكينة النفس التي من حقه أن ينعم بها، فهو يبذل جهدًا متواصلاً للتعويض عن نقصه سواء كان حقيقيًا أم متوهمًا.
نادي الإحساس بالنقص:
قد لا يرى أي عضو من أعضاء ذلك النادي زملاءه فيه، ومع ذلك فإن نادٍ واحد يجمعهم، وتحدد شروط عضويته بالصفات الآتية:
أولاً: التلهف على الحب والعطف:
[إنه لا يحبني] هذه قولة كثير من الزوجات اللاتي يعانين من التعاسة في حياتهن الزوجية، لقد كانت مدللة عند أهلها، كانوا يغدقون عليها الحب والعطف، إنها طفلتهم الوحيدة، وتوقعت نفس المعاملة من زوجها، ولكن مع مرور العام الأول من الزواج بدأت تشعر أن زوجها قلل من حبه لها، وكانت شكواها من أنه لم يعد يحبها، مع أن زوجها شديد الحب لها، ولكن كان داخلها إحساس بالنقص، وكانت تتساءل: هل كان والداها يغدقان عليها الحب لمجرد أنها وحيدتهما أم أنها كشخصية لا تستحق الحب، هكذا كان تصورها عن نفسها، وكثير من أعضاء ذلك النادي لديهم نفس الإحساس أنهم شخصيات لا تستحق الحب، فلذلك لا يشعرون بحب الآخرين لهم.
ثانيًا: الرغبة في بلوغ الكمال المثالي:
[ليس عظيمًا بالقدر الكافي] هكذا يقول لنفسه كلما فعل شيئًا، فلديه شعور مستمر أن أفعاله وأعماله لم تصل للحد الذي يرضى عنه، وإذا بحثت داخل نفسه ستجد أنه يبحث عن [الكمال الوهمي] الذي لا يمكن أن يصل إليه البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ولن يستعيد هذا الشخص ثقته بنفسه ما لم يعلم أن كل شيء نفعله لابد وأن يعتريه حتمًا بعض النقص.
ثالثًا: سرعة التسليم بالهزيمة:
[لن أستطيع أن أكمل] هكذا يكون رده إذا بدأ محاولة ما، وأنت متأكد أنه يستطيع، فكل قدراته تقول هذا، ومهما شجعته فقد يتقدم قليلاً ثم تراه ضجرًا مكفهرًا يلقي ما في يده صارخًا: [لا لن أستطيع]، فما الذي يمنعه؟ إن الشعور بالنقص الذي يجعل لديه دائمًا إحساسًا بالخوف من عدم النجاح.
رابعًا: التأثر السلبي بنجاح الآخرين:
التقى أحدهم بزميلين في الدراسة بعد أعوام، واستمع منه إلى قصة نجاحه، وكيف امتلك صيدلية وسيارة ومنزلاً في حي راق، أو أن أبناءه في المدارس الخاصة، وكان يستمع إليه ويكاد يشعر بالدوار، وكأن غولاً يأكل قلبه، إنه بالقياس إلى صديقه لم يحقق شيئًا يذكر، نعم لديه صيدلية وزوجة وأولاد ولكن ليست في مستوى صديقه، ويا لتلك السيارة المتهالكة التي يركبها بالمقارنة مع سيارة صديقة، رغم أنه يعلم أن صديقة يدفع لها قسطًا شهريًا، مقداره ألف جنيه، وانطلق يندب حظه وهو يقارن بينه وبين الناس، وذهبت ثقته بنفسه مع تيار الحسرة على قدره بالمقارنة بأقدار الآخرين.
خامسًا: الحساسية المفرطة:
[ماذا تقصد بهذا؟] هكذا يقول عند كل كلمة يوجهها إليه أحد، لو غفل زميله عن توجيه التحية إليه، أو لو دخل على اثنين يتحدثان فسكتا، وآه لو وجه أحدهم إليه نقدًا ولو بأسلوب لطيف، تجده قد زاغت عيناه واحمر وجهه وقد يندفع في تصرف أحمق سخيف وقد يسيء الأدب مع زملائه، إنه من أبز أعضاء نادي الشعور بالنقص لأنه كما يقول المثل: [يعمل من الحبة قبة].
سادسا: افتقاد روح الفكاهة:
[هل تسخر مني؟] سريعًا ما يتجهم وجهه وهو يقول تلك الكلمة عندما يوجه أحد أصدقائه دعابة تمس شخصيته، وما ذاك إلا لافتقاده روح الدعابة، ونشأ ذلك في الأصل من شعوره بالنقص.
صنف نفسك:
إن كل محاولة جادة لترقية الذات ينبغي أن تبدأ بجمع أكثر ما يمكن من المعلومات عن هذه النفس المراد ترقيتها، ويصدق ذلك أيضًا على محاولة اكتساب الثقة بالنفس كذلك، وإذا كنت أنت لا تقبل أن تثق في شخص تريد أن تسند إليه عملاً ما لم تجمع عنه المعلومات الكافية، فكذلك الحال مع نفسك، فما لم تجمع كل ما يمكن جمعه من المعلومات عنها فكيف يتأتى لك أن تثق في هذه النفس التي تكل إليها أمر قيادتك في الحياة.
ودعني أسألك كم تعرف عن نفسك؟ ربما كثيرا
ولكن هل ترى معلوماتك عن نفسك مرتبة منسقة؟
وبمعنى آخر هل تستطيع في التو واللحظة أن تشير إلى نواحي القوة ثم نواحي الضعف في نفسك في صورة نقاط واضحة محددة؟
ما أكثر الذين يتقبلون أنفسهم على علاتها ولا يحاولون الاطلاع على رذائل نفوسهم، كما يحاولون الاطلاع على دخائل غيرهم، ومعرفتك بنفسك ينبغي ألا تفترق في شيء عن معرفتك بأي أمر آخر، فهذه معرفة يجب اكتسابها كما يجب ترتيبها وتبويبها وتنسيقها، وأفضل الطرق العملية للتعرف على نفسك أن تجيب على مجموعة من الأسئلة تستهدف استجلاء نواحي ضعفك وقوتك، وبذلك تخرج بصورة واضحة عن نفسك، وحيث إننا بصدد الحديث عن مشكلة ضعف الثقة بالنفس والشعور بالنقص، فدعنا نظرح عليك بعض الأسئلة التي سوف تتوصل بعد الإجابة عليها إلى حقيقة انتمائك إلى [نادي الإحساس بالنقص] من عدمه، فإذا ما تهيأت للإجابة عليها فأحذرك أن تخلط بين ما تجب أن يكون، وما هو كائن فعلاً، فإنك بهذا تشوه الصورة التي ترسمها لنفسك، وأي برنامج لترقية النفس قائم على هذه الصورة الشوهاء التي تتجاوز الواقع فلا جدوى منه، فإذا لم تكن واثقًا من توخيك الدقة والأمانة في إجاباتك فدع صديقًا مقربًا إليك يجيب على الأسئلة الموجهة إليك بالنيابة عنك، وقابل بين إجاباته المبنية على معرفته الشخصية بك وبين ما تحسه في نفسك، كذلك لا تنظر إلى هذه الأسئلة على أنها وسيلتك لمعرفة: لماذا تخفق أو تخطئ؟ بل على أنها سبيلك لمعرفة كيف ستنجح، لا تحزن لما يتضح لك من نقاط الضعف، ولا تمتثل لها، ولكن انظر إليها على أنها خميرة يمكن أن تتحول إلى شيء نافع مجدٍ، ثم اتخذ هذا الاختبار كذلك سبيلك لمعرفة أي نوعي الثقة بالنفس تكتسب: [الثقة المطلقة، أم الثقة المحددة]، كما ذكرنا في المقال السابق.
فإن كنت عاملاً في ميدان يتطلب النشاط العملي والشخصية المؤثرة كأن تكون داعية أو رجل أعمال أو مشتغلاً بالبيع أو ممارسًا لعمل يتطلب الاحتكاك بالناس فالأوفق لك أن تكتسب النوع الأول [الثقة المطلقة]، وأما إن كنت عاملاً في ميدان من ميادين البحث أو الدراسة أو غيرها مما يتطلب مجهودًا ذهنيًا فخير لك أن تكتسب النوع الثاني [الثقة المحددة].
والآن هل أنت مستعد لخوض الاختبار؟؟
فإلي هنـــاك:
أجب عن الأسئلة الآتية:
م السؤال نعم غالبا أحيانا نادرا لا
1هل يتهمك الناس بحب التفاخر؟
2 هل تجتهد في تجاهل العرف والتقاليد؟
3 هل يصيبك الارتباك حين تُقَدَّم للغرباء؟
4 هل تحاول التأثير في الآخرين بارتفاع الصوت؟
5 هل تقاطع محدثك باستمرار لتتحدث أنت؟
6 هل تشعر في نفسك بالحزن لنجاح الآخرين؟
7 هل ترى أن الوضع الاجتماعي حولك كله أخطاء؟
8 هل تجتهد في لفت الأنظار إليك وإن كان بتصرفات غير لائقة؟
9 هل ترغب في الملابس الشاذة والعادات الشاذة بدعوى الموضة؟
11 هل تحب أن تقول أشياء تؤذي مشاعر الآخرين؟
12 هل ترضيك المجاملة أكثر مما يرضيك إنجاز العمل؟
13 هل تجتهد في أن تحجب كل من عداك في شلة الأصدقاء؟
14 هل ترفض المقترحات التي تهدف إلى مساعدتك؟
15 هل تشك في قدرتك على اجتذاب الآخرين؟
أعط نفسك درجة كالآتي:
نعم 20 غالبا 15 أحيانا 10 نادرا 5 لا0
ثم صنف نفسك:
ـ أكثر من 250: أنت عضو بارز في نادي الإحساس بالنقص.
ـ من 200 إلى 250: أنت حامل لبطاقة العضوية ولكن عندك قدرة على المقاومة
ـ أقل من 200: هنيئا لك ثقتك في نفسك
والآن بعد أن قطعت أول الخطوات على طريق اكتساب الثقة بالنفس وهي معرفتك لنفسك واعترافك بواقعك، لعلك تطمح إلى معرفة الخطوة الثانية... فهذا موضوع لقائنا القادم إن شاء الله.
ما زلنا مع القارئ الكريم في رحلة استعادة الثقة المفقودة بالنفس، ولعلك الآن بعدما قيمت واقعك من خلال الحلقتين السابقتين تريدني أن أجيب لك عن هذا السؤال الملح:
كيف أستعيد ثقتي بنفسي؟
وقبل أن أعطيك هذه الإجابة عليك في البداية أن تتجنب موقفين في التعامل مع نفسك عند الإحساس بالنقص:
الأول: لا تلتزم موقف الدفاع:
فأنت لا تحتاج أبدًا أن تتظاهر بالبطولة إن كنت ضعيف البنية، أو تتمادى في الافتخار بنفسك وبوسامتك إن كنت دميم الوجه، فموقفك الدفاعي هذا يولد زيادة الشعور بالقلق خشية أن يكشف الآخرين الحقيقة والتي للأسف تكون ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد واسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وهو ينهاك عن ذلك: [المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور].
الثاني: لا تهرب من الحقيقة:
واذكر معي كيف كانت ترتفع درجة حرارتنا صباح يوم الامتحان المدرسي، وكيف كان يصيبنا المرض ونحن أطفال حتى لا نذهب إلى المدرسة كنوع من الفرار، فإياك أيها الحبيب أن تفر من نفسك ومن ضعفك ومن نقصك فيظل ملازمًا لك طوال حياتك، ولكن عليك بالمواجهة حتى يمكن أن تتغلب بعون الله على أي نقص فيك، وانظر إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كيف كان يفرح عندما يبدي له أحدٌ أي نقص في شخصيته فيقول ـ رضي الله عنه ـ: [رحم الله امرءًا أهدى إلينا عيوبنا]. وما ذاك إلا لأنه اعتاد على مواجهة أي عيب فيه، فلا يتركه إلا وقد قضى عليه، فهو دائم في ارتقاء وعلو، حتى غدا عمر بن الخطاب الخليفة الفذ الذي لم تسمع الدنيا بمثله.
يا من يرى عمرًا تكسوه بردته
والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا
من بأسه وملوك الروم تخشاه
والآن أيها الحبيب إليك هذه المولدات للطاقة التي تبعث فيك نور الأمل في إعادة الثقة المفقودة إلى نفسك.
1ـ لِمَ لا تحاول؟! .. لا تدعهم يثبطونك:
إن حديث الناس عنك من دواعي تثبيط همتك، فبدلاً من أن تستمع لمن يقول لك: [إنك لن تستطيع]، عليك أن تسمعها: لم لا أحاول؟
وبدلاً من أن تتعرف على صورتك في عيون الآخرين لتجلب لنفسك تشجيعهم فصورتك الواقعية عن نفسك خير عبارات التشجيع.
استخدم فرشاتك في تلوين لوحتك ولا تدع أحدًا يلونها لك. فغالب الناس لا يكون عنده إلا اللون الأسود القاتم؟ وإذا كنت تخاف كلام الناس عنك إذا فشلت فلم لا تحاول النجاح؟
2ـ العمل المباشر:
فليكن فقدان الثقة دافعًا لعمل مباشر يؤدي إلى استعادتها، وهذا واقع حي في حياة كثير من المشاهير.
ـ فهذا [سيرونستون تشرشل] رئيس وزراء الإنجليز الأشهر صاحب الخطب الرنانة والكلمات التي سجلها التاريخ، كان ألثغ [لا ينطق حرف السين] في شبابه.
ـ وهذا [واصل بن عطاء]، هذا المبتدع الذي أصبح رأس المعتزلة، كان مخرج الراء عنده فاحشًا شنيعًا، وكانت حاجته لنصرة مذهبه الباطل والدفاع عنه تحوجه للخطابة، فعمل على إسقاط الراء من كلامه، وكابد في ذلك كثيرًا، حتى استقام له أن يُلقي الخطب الطوال خالية من حرف الراء.
وكان بينه وبين (بشار بن برد) صداقة، فلما جهر واصل بمذهبه دبت بينهما عداوة شديدة، وكان بشار يلبس القرط في أذنه على طريقة العجم، فكان واصل إذا خطب يقول عنه: [أما لهذا الأعمى المشنف المكنى بأبي معاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في منزله وفي يوم حفله] وهكذا تحاشى الكلمات التي فيها حرف الراء واستبدالها بغيرها وقال: بدلاً من [القرط]: المشنف، وسمى بشار بكنيته: أبي معاذ، وتحاشى كلمة [يبقر] وقال: يبعج، وكلمة [فراشه]: بمضجعه، و[داره]: بمنزله، وسجلتها كتب الأدب والتاريخ.
ـ وهذا [تيودر روزفلت] ـ رئيس الولايات المتحدة الأسبق ـ اشتهر بأنه من أشهر الرماة وأشهر المغامرين في عالم الصيد في عصره، كل هذا بعين واحدة، فقد كان أعورًا.
ـ كذلك [أبو العلاء المعري] أصبح من أبرع الأدباء والشعراء مع أنه كان أعمى.
ـ و [ابن خلدون] الذي فقد أسرته فما أقعده هذا أن يكتب أعظم مؤلف في علم الاجتماع.
ـ و [تولستوي] الأديب الروسي صاحب رواية الحرب والسلام كان تلميذًا فاشلاً يئس مدرسوه من تعليمه شيئًا نافعًا، فأصبح عميد الأدب الروسي.
ـ ولقد آثرنا أيها الحبيب أن نضرب لك هذه الأمثلة بعينها مع أنها في المعظم لأهل الباطل وذلك لنستثير فيك الحمية، فإذا كان أمثال واصل وتولستوي وروزفلت وتشرشل من أصحاب هم الدنيا، قد تحدوا ظروفهم، واتجهوا للعمل الدائب المباشر من أجل تحقيق النجاح، فما بالك وأنت مسلم صاحب رسالة وتحمل هم الآخرة، أفلا تواصل الليل بالنهار في عمل دائب حثيث من أجل تحقيق النجاح لتستعيد ثقتك في نفسك لتخدم بها أمتك ودينك؟
أما تستطيع ذلك وأنت تسمع دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم: [اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل].
بلى والله إنك تستطيع بعون الله، فلأنت أولى بذلك من أهل الباطل الذين قائل قائلهم [آدلر] عالم النفس الشهير: إن البشر في إمكانهم أن يحولوا خيبتهم وفشلهم في الحياة وسائل نادرة لإدراك نجاح أعظم.
3ـ الإحلال:
ويعني أن تستبدل ضعفك ونقصك بقدرة أخرى داخلك.
وأراك الآن وتقول لي: ما أسهل الكلام!!
فتعال معي لترى ذلك الرجل القمة الذي يمثل نموذجًا فذا لخطوة الإحلال: كان راعي غنم نشأ في البادية، أسلم بعاطفته من خلال معجزة رآها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مسح ضرع الشاة الهزيلة العجفاء فدرَّت لبنًا وفيرًا، كان هزيل الجسم خفيف الوزن قصير القامة، إذا مشى وهبت الريح وقع على الأرض، يكاد الجالس يوازيه طولاً وهو قائم، كان له ساقان ناحلتان دقيقتان، صعد بهما يومًا أعلى شجرة يجتني منها أراكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك الصحابة من دقة ساقيه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: [تضحكون من ساقي ابن مسعود؟!! لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد].
فكيف وصل ابن مسعود إلى هذه القمة؟
هل كان مجال المال هو مجاله؟
هل كان مجال الجاه والقوة والفروسية هو ميدانه؟
بماذا أحل هذا الفذ ضعفه الجسدي وفقره المالي؟
اسمع إليه في أول لقاء له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: [علمني من هذا القول يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: إنك غلام معلم].
ويقول عن نفسه: [أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة]. وهذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له: [من أحب أن يسمع القرآن غضًا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد].
وقال صلى الله عليه وسلم: [تمسكوا بعهد ابن أم معبد].
ثم أصبح ـ رضي الله عنه ـ من أعظم فقهاء القرآن، يقول عن نفسه: [والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحدًا تمتطى إليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لآتيه، وما أنا بخيركم].
وشهد له عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال: [لقد ملئ فقهًا].
وقال عنه أبو موسى الأشعري: [لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم].
وأصبح رضي الله عنه من خلصاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال الصحابة عنه: [كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا].
وفي الكوفة أنشأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مدرسة فقهية من أعظم مارس الاستنباط في الدنيا، حتى إن فقهاء القانون في العالم اعترفوا لها بحسن استخدام النصوص، ويكفي أنه كان من تلامذتها الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ الذي أصبح رائدًا لهذه المدرسة بعد ذلك.
ـ أهذا هو الضعيف البنية، الدقيق الساقين، الفقير المال، القليل الجاه، راعي الغنم؟!!
نعم هذا هو عبد الله بن مسعود الرجل الفذ الذي أحل بدل ذلك كله عظمة، ولئن أطلنا معه رضي الله عنه قليلاً فلأنه كان أستاذًا يقتدى به في فن الإحلال.
المفضلات