يعاني كثير ممن لا يعرف قواعد لعبة إدارة العلاقات في الأماكن التي يتواجد فيها صعوبة في إسماع صوته والحصول على يد العون عند الحاجة إليها، فنحن بحاجة إلى فهم وإتقان قوانين وسياسات هذه الأماكن والنزول عند أعرافها، فهي سهلة في أغلب الأحيان لو فهمناها، ولكن ما المقصود بقواعد اللعبة وكيف يجب أن يكون أداؤنا فيها؟ ستجد عزيزي القارئ أنَّ موضوع اليوم مكمل لمقال ( السنن الإلهية للنجاح ) ولكنه يتعرض لموضوع النجاح من زاوية العلاقات الإجتماعية، فعملية إدارة العلاقات العامة والخاصة والتي تشمل العلاقات في المنزل والعمل ومع الأصدقاء عملية ليست سلسة في بعض الأحيان، ولكنها ليست صعبة كذلك لو استطعنا فهم قوانين اللعب، فحقيقة وجودنا في هذا المجتمع والحاجة لعلاقاته لا يمكن إنكارها ولا يمكن تلافيها أو تجاهلها، فنحن نستطيع تجاهل بعض العلاقات الغير مرغوب فيها، ونستطيع التخلص من بعضها الآخر، ولكن لا يمكننا تجاهل علاقة الزوج أو المدير أو فريق العمل مثلاً، فالأمر أشبه بالفرض ولا يمكن الإفلات منه، فلماذا إذاً لا نلعب لعبة العلاقات على الوجه الصحيح ونكون ضمن الفائزين؟ من الطبيعي جداً أن تكون قواعد اللعبة في بيئة العمل خفية وغير واضحة للخريجين الجدد لعدم توفر الخبرة الكافية لديهم في بناء العلاقات واستنباط قوانين الأعراف الداخلية لمكان العمل من خلال المواقف التي يواجهونها، رغم ذلك، من المفترض أن تكون هذه الخبرة قد تم إكتسابها وإتقانها كحد أدنى من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات كحد أقصى.عندما بدأت حياتي المهنية، كان لي مدير عملت معه لمدة تزيد عن أربع سنوات، لم أستطع وقتها الوصول إلى أي نقطة إلتقاء في علاقتي معه على الإطلاق، فقد كنت وقتها جافاً كالسيف القاطع لا أتقن المجاملات ولا أتنازل لأحد، كما كنت أفتقد للقدوة في مجال العمل فلم أجد أحداً يوجهني، بالمقابل لم يُدرك مديري الموقر – غفر الله له – رغم تقدم عمره وخبرته أني كنت ساذجاً في علاقتي المهنية ولا أملك الخبرة الكافية لإدارة مثل تلك العلاقات، فبدلاً من أن يوجهني ويأخذني تحت جناحه، أخذ يتصيد زلاتي وعثراتي وحداثة خبرتي.عندما بدأت رحلتي مع العلوم الإدارية والتنمية البشرية، بدأت بإكتشاف أخطائي التي كانت تغمرني، ورحت جاهداً أصوب نفسي وأجتهد في ترميم ما يمكن ترميمه بيني وبين مديري في الشركة، وحاولت كثيراً التودد إليه، ولكن كما يُقال في المثل الأمريكي: ( First impression is the Last impression – الإنطباع الأول هو الإنطباع الأخير )، فلم يبقى لي مع إنقضاء السنة الخامسة سوى العمل بالنصيحة المشهورة ( Change your manager – غير مديرك ) وهي ترمز إلى تقديم الإستقالة وتغيير مكان العمل. ماذا كان ينتظر مديري مني؟ كان ينتظر مني فهم قواعد اللعبة داخل الشركة بناءاً على عرف الشركة الداخلي، والذي هو بطبيعة الحال مختلف إلى حد ما من مكان عمل إلى آخر، كان يتوقع مني إدارة العلاقة معه على نحو يحفظ له ماء وجهه ومكانته بين الموظفين، فالنجاح ليس فقط جهد مبذول في العمل … بل جهد مبذول في في بناء العلاقات الداخلية وهذا هو الجهد الأكبر والأصعب.لاحظ معي ماذا يفعل أغلب الموظفين مما يوقعهم في ورطة تلو الورطة مع مديريهم المباشرين، لا يتفق الموظف مع مديره على نقطة ما، وغالباً ما تكون نقطة الخلاف شخصية لا تخص العمل، مثل زيادة في الراتب أو وعود قطعها المدير على نفسه ولم يفي بها، فيستاء الموظف أشد إستياء، ويبدأ القطيعة مع مديره الذي اعتاد أن يراه في مكتبه كل يوم، ويعبس في وجه مديره إذا رآه في ممرات الشركة، ويبدأ بالتحدث بالسوء عن مديره في غيابه وبين الموظفين، ولم يعي هذا المسكين أنه بهذه الطريقة لن ينال مراده وهو الخاسر الوحيد!ما الخطأ الذي قام به هذا الموظف؟اتخذ النبرة الحادة سبيلاً للحصول على ما يريد.اتخذ من القطيعة وسيلة ضغط للتعبير عن الإستياء الشديد في داخله.اخذ يعبر عن استياءه جهراً بين الموظفين ليحشد أكبر عدد من الأصوات المعارضه ضد المدير. كان من الأولى أن يعلم هذا المسكين أنه بهذه الطريقة لن يحصل على شيء أبداً، وكان من الأولى أن يتحدث إلى مديره بنبرة هادئة عن الوعود التي قطعها على نفسه، وأنَّ هذا فعل لا يجوز من رجل محترف يشغل مثل هذه المكانة المسؤولة، وأنَّ مثل هذا الفعل سيؤثر سلباً على تركيز الموظف في عمله ولن يسمح له بمضاعفة إنتاجه، وحتى وإن لم يفي المدير بوعوده، فبعد هذا الحديث المتزن، سيُكنّ في نفسه إحتراماً كبيراً لهذا الموظف، وسيحاول جاهداً تعويضه بشيء ما في المستقبل كي يرضيه، خصوصاً إذا كان هذا الموظف مجتهداً في عمله وذو فائدة ملموسة. هكذا تُدار قواعد اللعبة، دون الحاجة إلى القطيعة والعبوس والجهر بكل ما هو سيء أمام الآخرين والذين حتماً سيوصلون إستياءك حرفياً إلى المدير ليسوء الوضع ويتفاقم أكثر.في مثال آخر للموظف الذي يجهل قواعد اللعبة، قد يجتهد في أمور يراها مهمة في نظره، ومع الأسف هي ليست من الأهمية بمكان في نظر شركته، أو تراه شديد الحرص على تطبيق أعلى معايير الجودة في عمله والتي قرأها ضمن قائمة أهداف الشركة، ويبدأ يكافح وينافح عن هذا الشيء المكتوب والذي في حقيقته ليس إلاَّ حبراً على ورق، ولا يوجد منه شيء مُطبق على أرض الواقع. هكذا قرأها في أهداف الشركة، وهكذا تعلمها من كتب الإدارة وماجستير إدارة الأعمال والذي حصل عليه بشق الأنفس. ما الذي كان ينقص هذا الموظف المجتهد؟ كان ينقصه أن ينتبه لمجريات الأمور الحقيقية وليس ما قرأه في أوراق الشركة، كان يلزمه أن يفقه الواقع وليس النظريات، هكذا يصبح المرء منبوذاً في عمله … عندما يجهل قواعد اللعبة.أنا لا أقول أننا يجب علينا أن نتنازل عن جودة عملنا وعن مبادئنا في سبيل إرضاء الآخرين … أبداً، ولكن كل ما أقوله وأطالبك به عزيزي القارئ أن تفهم الأعراف الداخلية للشركة والتي يُعمل بها قبل فهم قوانينها المكتوبة بجفاف، وإذا أردت تطبيق معايير الجودة في عملك، وهي غير مُعتبرة في عرف الشركة إلاَّ على الورق، فلا تنتظر منهم أي تقدير، وإذا كانت مبادؤك لا تتناسب إلاَّ مع نفسك … فلا تصطدم مع أحد واحفظها لنفسك، أنجز عملك على أكمل وجه ولا تنتظر أي عطاء ممن حولك أو حتى كلمة شكر! -