هل فكرت يوماً ماذا يحتاج العالم ليتغير؟ ما الذي ينقص الفرد حتى يؤثر في مجتمعه؟ هل هذا ممكن تحقيقه؟ بالطبع منكم من سيقول أني أهذي وأبالغ في ما أطرح، ولعلي متأثر بصناعة السينما الأمريكية “هوليوود”، ولكن لماذا يكون دائماً الفرد في المجتمعات الغربية قادراً على التأثير، بينما الفرد في المجتمعات العربية غير قادر على ذلك؟ هل قُدِّر للغربي أن يكون متميزاً أما العربي فلا؟ ألسنا نحن العرب من إصطفانا الله برسالته العالمية وجعلنا أمةً وسطا. لعل للأمر علاقة بالعادات المتبعة في كلا الثقافتين، لاحظ معي ماذا يقول خبراء التنمية البشرية: “النجاح هو عبارة عن عادات حميدة يفعلها الفرد كل يوم تؤدي به إلى النجاح، والفشل هو عبارة عن عادات سيئة يفعلها الفرد كل يوم تؤدي به إلى الفشل”.
فعملية النجاح ليست معجزة ولا مستحيلة بالكاد يمكن تحقيقها، فهي أمر متعلق بالفرد وعاداته، فنجاح المجتمع يعتمد بالدور الأول على نجاح أفراده المتواجدين فيه ومدى تأثيرهم عليه، ويمكن تلخيص معادلة التأثير كالتالي:
معادلات التأثير
والسؤال الآن: إذا كان النجاح عادةً، فكيف يمكن تعلمها ومتى؟بعد شهرٍ من الآن وبإذن الله سيحل علينا شهر رمضان الفضيل ضيفاً كريماً، ذلك الشهر الذي أخصه الله سبحانه وتعالى بخصائص النجاح المادية منها والمعنوية، والحقيقة أني تفكرت كثيراً في خصائص هذا الشهر الفضيل والحكمة من مدته الزمنية الواقعة في 30 يوماً. يقول خبراء التنمية البشرية: “يمكن للفرد تعلم عادة حميدة أو الإقلاع عن عادة سيئة في مدة أدناها 7 أيام وأقصاها 30 يوماً”، ولكن غالباً ما يفشل الإنسان في التعلم أو الإقلاع عن عادات معينة وذلك لعدم توفر البيئة المناسبة التي تساعده على ذلك.لو تدبرت قليلاً عزيزي القارئ لعلمت أن الظروف المادية والمعنوية كلها مهيئة لك في شهر رمضان، فعلى سبيل المثال لو كنت تريد الإقلاع عن عادة التدخين مثلاً، سيشق عليك ذلك والكل من حولك يمارسون هذه العادة، ولكن في شهر رمضان الكل من حولك يؤازرونك بصيامهم وإمتناعهم عن التدخين، فالجو مهيأ للإقلاع عن تلك العادة، وكذلك إن أردت مثلاً أن تواظب على صلاة الجماعة، فالكل يرتاد المساجد في هذا الشهر وبشكل يومي وأكثر من المعتاد، الشاهد أنك ستحصل على عادة حميدة أو تقلع عن عادة سيئة في هذا الشهر الذي كل الظروف فيه ملائمة.وحتى تحصل عزيزي القارئ على الفائدة المرجوَّة من شهر التنمية البشرية الذي غالباً ما ينقضي دون فائدة تذكر بسبب إهمالنا له، لابد من أن تبدأ الآن بتهيئة نفسك لتخطيط ما تريد أن تتعلمه من عادات حميدة وتتخلص منه من عادات سيئة، لا تنتظر حتى يدخل الشهر وحينها تبدأ بالتخطيط لأنك لن تُفلح، فرمضان شهر سريع الحضور والإنصراف، وأنا متأكد عزيزي القارئ من أنك تفهم ما أقصده، فكلنا مقصر والجميع لا يستفيدون من ميزات هذا الشهر العظيم الذي هو أساس التنمية البشرية على جميع الأصعدة، تأمَّـل ما يلي:
أسس التنمية البشرية


  1. التنمية الروحية: في شهر رمضان تقل ساعات العمل وتميل النفس إلى الطاعة، فالجميع صائم ويقرأ القرآن ويرتاد المساجد ويتأهب لأداء مناسك العمرة، وهذه فرصة عظيمة لشحن النفس على الخير وتحريرها من رغبات الدنيا وإطلاق العنان للفطرة أن ترتقي في مسارها الصحيح، وهذا لا يتجلى إلا في وقت مثل شهر رمضان الذي تصفَّـد فيه الشياطين وتصبح ضغوط الشهوات أقل بكثير من غيرها من الأشهر.
  2. التنمية الفكرية: في شهر رمضان يُسترجع التاريخ ويُستشهد بالأولون وعاداتهم ونجاحاتهم وإنتصاراتهم من خلال خطب الجمعة، والكلمات التطوعية التي تتخلل صلاة التراويح، والبرامج المرئية والسمعية، والأحاديث الأسرية والإجتماعية، والتسجيلات والكتيبات المجانية… إلخ، أضف إلى ذلك أن النفس في هذا الشهر قابلة لاستقبال هذا الكم المعلوماتي النقي خلاف غيره من الأشهر.
  3. التنمية الصحية: يُعتبر شهر رمضان باتفاق جميع الآراء الطبية بما فيها غير الإسلامية أنه الوقت الأفضل لتنقية الجسم من سمومه، فالإنقطاع عن الطعام من الفجر إلى المغرب كفيل بحرق الشحوم الزائدة، فتح شرايين القلب المنغلقة، تحسين ضغط الدم، تخفيض الكولسترول، وتنقية البشرة… إلخ، والمواظبة على صلاة التراويح يُنعش الجسد يهضم الدسم الذي دخل وعائك في ساعة الفطور خلاف الأشهر الأخرى عندما تأكل وتنام أو تشاهد التلفاز.
  4. التنمية المالية: يعتبر شهر رمضان شهر الحكمة والزهد والإقتصاد، فأنت تستطيع التقليل من طعامك دون مشقة، وهذا يُبين لك كيف أنك في غير رمضان تخدع نفسك بالإسراف في الطعام دون حاجة، كما أنك بممارسة المنظومة التنموية المذكورة آنفاً ستختلف إهتماماتك مما يمكنك من إعادة حساباتك لفرز النفقات المهمة من غيرها، وبذلك يكون التوفير.
  5. التنمية الإجتماعية: في شهر رمضان يلتم الشمل وتلتئم الجراح وتُرأب الصدعات، كما تصبح السبل ممهدة لوصل الأرحام، ففي رمضان يتعاضد المجتمع على الخير، وتُكثف اللقاءات وتكون النفس جاهزة للصفح عن المخطئين، كما تتمكن الأسرة من تناول الطعام على مائدة واحدة خلاف الأيام المزدحمة، وتكثر دعوات الإفطار الجماعي وتجاذب أطراف الحديث النافع.


كلها عادات حميدة لا يتسنى للمرء إدراكها في غير شهر الخير، بالطبع عزيزي القارئ ستقول أن هذا الكلام خيالي وليس له وجود في وقتنا الحاضر، فلا أحد يسأل عن أحد والجميع في حالة غيبوبة أمام التلفاز يتابعون البرامج الرمضانية من مسلسلات وأفلام ومسابقات، وآخرون في ما يُسمى بـ “الخيم الرمضانية” بصحبة الراقصات الشرقيات والأكلات الشهية، هذا كله حقيقي ولا أخالفك الرأي، ولكن إلى متى سنستمر في هدر هذا الشهر الفضيل الذي يتجاوز فضله الدنيا والآخرة؟ أنا أرى أن رمضان فرصة لمضاعفة العمل والإنجاز، فقد كان شهر رمضان على مر العصور شهر الإنجازات والإنتصارات، كن متميزاً وخالف مجتمعك وخطط للمشاريع التي تحتاج لجهد أكبر في شهر رمضان، فهو مقياس للأمم المنجزة ذات الهمم العالية، فلا ينبغي أن تُرجئ المهام إلى ما بعد الشهر، لابد من إستغلال الشهر الفضيل بمضاعفة القراءة وتنشيط عضلة العين حتى تصبع القراءة أسرع ومنابع العلم أكثر، لا تجعل الشهر ينتهي كالأعوام المنصرمة، فكر كيف تستغله بشكل مختلف وإجعل منه نقطة إنطلاق للتغيير والتحول في حياتك.كلمة أخيرة، دائماً أراك عزيزي القارئ تؤجل العمل على أهدافك ومشاريعك إلى أن يأتي الوقت المناسب، ها قد أتى الوقت المناسب للعمل والتطبيق، فخطط لتكون في صحةٍ أفضل وعلمٍ أكثر ومالٍ أوفر.