يضع المعالجون النفسيون بالتركيز على الحلول معايير قياس خاصة بهم، تذكر أنهم يسألون من يعالجونهم السؤال المعجزة: "تخيل أن معجزة قد حدثت أثناء نومك، وأن كل المشاكل التي جعلتك تحضر إلىَّ قد حُلت- كيف ستعرف أن مشاكلك قد حُلت عندما تستيقظ من نومك صباحًا؟".
إن هؤلاء المعالجين يعرفون أن المعجزات تبدو لمرضاهم بعيدة، وأن عليهم أن يستثيروا التحفيز والأمل لدى مرضاهم أثناء رحلتهم باتجاه الوجهة، وحتى يفعلوا هذا، فإنهم يخترعون طريقة لقياس التقدم الذي يحققه مرضاهم باتجاه الوجهة. إنهم يضعون مدرجًا بالمعجزة من درجة واحدة. إلى عشر درجات، حيث يرمز رقم عشرة إلى المعجزة. ويسألون مرضاهم في الجلسات الأولى عن رأيهم عن موضعهم على هذا المدرج، وعادة ما يقرر المرضى أنهم عند النقطة الثانية أو الثالثة، وهو ما يثير استجابة متحمسة من المعالج:


"يا للروعة.. هل قطعت عشرين بالمائة فعلًا من طريقك باتجاه المعجزة؟". هل ترى هذا مألوفًا؟ إن المعالج يضع طابعين على استمارة غسيل السيارة لدى المريض.

ومع تقدم الجلسات، يواصل المعالج تعقب مستوى تقدم تقييم المريض لموضعه، ويتم تدريب هؤلاء المعالجين على الاحتفاء بأي انتصار بسيط، وتقديم استجابة مبتهجة عندما يقر المريض بأن مستوى تقدمه وصل للنقطة الثالثة أو الرابعة. وهذه الاستجابة تبدو غريبة لمعظمنا، فكم من العاملين بالمبيعات سيبتهج عندما يحقق نسبة أربعين بالمائة من الحصة المخصصة لهم لبيعها؟ ومع ذلك، فإن هذا التشجيع مهم؛ لأنه داعم. عندما يحتفي المرء بانتقاله من النقطة الأولى للنقطة الثانية، ثم لانتقاله من النقطة الثانية للثالثة، فإنه يكتسب اللازمة في أنه يستطيع تحقيق التقدم التالي.


والميزة الثانية لقياس المعجزة هي أنه أن هذا القياس يزيل الغموض عن الرحلة. لنفرض أنك تتعامل مع ابنك في الصف الأول الثانوي والخجول للغاية. ربما تمثلت المعجزة بالنسبة لهذا الابن في أن يتعامل بجرأة مع زملائه من الجنسين، وهى معجزة بعيدة المنال بالنسبة للابن، ولكنك تستطيع أنت وهو مناقشة خجله- الذي يعترف هو به ويكرهه- وتكون نتيجة هذه المناقشة أنه ربما وصل للنقطة الثانية على مدرج المعجزة.

وقد يسأل أحد المعالجين بأسلوب التركيز على الحل ابنك: " ما الذي يلزمك لتصل للنقطة الثالثة؟ دعنا نناقش كيف تستطيع تحقيق قفزة كبرى باتجاه المعجزة. ولأننا لم نحقق المعجزة بعد فدعنا نناقش النقطة الثالثة على مدرجها".

ربما رأى الابن أن الوصول للنقطة الثالثة يتضمن شيئًا بسيطًا مثل سؤاله أحد العاملين بمتجر عن مكان جناح أدوات النظافة الشخصية. وإذا فعل الابن هذا، فسيثبت لنفسه أنه يستطيع أن يتعامل جيدًا مع شخص غريب عنه تمامًا. وبفعله هذا، سيرى أنه يقترب من تحقيق المعجزة. وتعود أهمية مدرج هذا إلى أنه يركز الانتباه على المعالم البسيطة الواضعة والتي يمكن تحقيقها باتجاه تحقيق المعجزة، وليس على الوجهة النهائية، والتي قد تبدو بعيدة جدًّا. إنه أشبه بصعود سلم مع التركيز على الدرجة التالية، وليس على قمة السلم. ربما كان هناك الكثير جدًّا من الخطوات، ومع ذلك فإنه سيُشعر المرء بالراحة لأنه يحرز تقدمًا فعليًّا باتجاه الوجهة الصحيحة.

لاحظ هنا أيضًا كيف أنه كثيرًا ما يتداخل ما يروق الراكب وما يروق الفيل. في هذه الحالة يكون لدى الراكب عند الابن وجهة غاية في الوضوح- سؤال العامل عن جناح النظافة الشخصية- وفي نفس الوقت يحصل الفيل عنده على دفعه من الأمل " ربما استطعت التحرر من هذا الخجل".

إن استخدام مدرج المعجزة يوضح لك دائمًا الموضوع الذي ستذهب إليه في الخطوة التالية، ويجعل لديك فهمًا واضحًا لمعنى الانتصار البسيط التالي؛ لأنه سيجعلك تعرف أنك تتحرك للأمام، والأفضل من هذا أنه يزيد من ثقتك بنفسك وبقدرتك على التقدم للأمام.

" بيل بارسيلز" - مدرب كرة القدم الأمريكية، والفائز بكأسها مرتين أثناء تدريبه فريق نييورك جاينتس- من أنصار فكرة " إن أبسط نجاح قد يكون ذا أثر هائل في مساعدة الناس على الثقة بأنفسهم". وأضاف في مقابلة معه نشرتها مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، قائلًا: " إننا في التدريب لا نركز على الهدف النهائي وهو الفوز بالكأس، بل نضع مجموعة واضحة من الأهداف يمكن تحقيها قريبًا مثل: " سنكون فريقًا ذكيًّا.. فريقًا جيد التوافق... سنكون فريقًا مجتهدًا في الأداء... سنكون فريقًا فخورًا بإنجازاته... سنكون فريقًا يحقق الفوز بصورة جماعية.. سنكون فريقًا لا ينتقد أحد أعضائه عضوًا آخر فيه.


" وعندما نتصرف بتصرف بطرق تحقق هذه الأهداف، فإنني أحرص على أن يعرف هذا كل لاعب في الفريق. إنني أركز على الجوانب الإيجابية في كل فرصة ممكنة، وفي نفس الوقت أؤكد على هدفنا التالي الذي ينبغي تحقيقه. وإذا أجاد الفريق الأداء، فإنني أجمع أعضاءه وأقول لهم: " لقد فعلنا شيئًا اليوم.. لقد أجدنا الأداء، وأنا سعيد جدًّا بأدائكم، ولكنني أريد منكم غدًا أن تكونوا فريقًا متميزًا تسوده روح الفريق، ويخلو من الأخطاء. وإذا فعلتم هذا، فستكونون مستعدين لمباراة يوم الأحد".

عندما تضع أهدافًا بسيطة ملحوظة، ويحققها الناس، فغنهم يبدأون في إدراك أنهم يستطيعون النجاح. إنهم يتحررون من عادة الخسارة ويبدأون عادة الفوز (وهذا التأكيد من عندنا).

ذات مرة قال " جون وودن" - مدرب كرة السلة السابق لفريق جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وأحد أعظم المدربين في التاريخ: عندما تتحسن بدرجة بسيطة يوميًّا، يحدث في النهاية أشياء عظيمة... لا تبحث عن التحسينات السريعة الكبيرة، بل التحسينات البسيطة بصورة يومية؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يحدث بها التحسن، عندما يحدث هذا التحسن فإنه يدوم".


المدربون أساتذة في تقليص حجم التغيير؛ لأنهم بتحفيزهم لاعبيهم على تحقيق مجموعة من " الأهداف البسيطة الواضحة" يبنون قوة دفع. قال عالم النفس " كارل وايك" في بحث بعنوان (الانتصارات البسيطة: إعادة تعريف مدرج المشكلات الاجتماعية): " الفوز البسيط يقلل من خطورة الهدف (حيث يقول المرء لنفسه: " ليس هذا الهدف مستحيلا" )، ويزيد من إدراكه مستوى مهاراته (" وأنا استطيع أن أحقق هذا الفوز على الأقل" )". إن كل تلك العوامل تجعل التغيير أسهل، وأكثر تواصلًا.


ومع ذلك، علينا ألا نبالغ في الأمل، فإن التغييرات المهمة ليست مسيرة ثابتة حتمية باتجاه النصر، وليست سلسلة متواصلة من الانتصارات البسيطة (لا تنس أن هناك الكثير من المدربين الذين قضوا حياتهم في التدريب، ثم تقاعدوا دون أن يفوزوا ببطولة كبيرة). إن الوضع الغالب هو أن كل خطوة يتقدمها المرء للأمام يعود في مقابلها 3،1 خطوة للخلف، ثم 7،2 خطوة للأمام، ثم ست خطوات إلى أحد الجوانب، وفي هذه اللحظة يظهر رئيس تنفيذي جديد ويعلن عن وجهة جديدة.


لا أحد يضمن تحقيق الانتصار البسيط؛ فهناك الكثير من الأشياء الخارجة عن نطاق سيطرتنا، ومع ذلك فإن الحكمة تكمن في التعامل مع الأشياء التي تقع تحت نطاق سيطرتنا. ومن بين ما يقع تحت سيطرتنا تعريفنا للانتصار النهائي. والانتصارات المرحلية البسيطة التي تؤدي إليه.

ينبغي أن تختار انتصاراتك البسيطة بحيث يتوافر بها صفتان هما: (1) أن تكون ذات معنى، و (2) أن تكون ممكنة التحقق فورًا- كما قال " بيل بارسيلز". وإذا لم تستطيع إيجاد هاتين الصفحتين معًا، فركز على الصفة الثانية (لم تكن " الدقائق الخمس لإنقاذ الحجرة" ذات معنى في حد ذاتها، ومع ذلك فقد جعلت التغيير الكبير ممكنًا).

يؤكد " ديفيد ألن" مؤلف كتاب Getting Things Done- وهو كتاب من أحسن الكتب عن الإنتاجية الذاتية- على أهمية وضع أهداف ممكنة التحقيق، ويقول إن معظم الناس يقعون في خطأ قاتل عندما يُعدون قوائم أهدافهم، وهو أنهم يكتبون الكثير من البنود عليها مثل " تقليل النفقات"، أو " التعامل مع " هيلين"، أو " تعلم العمل على شرائح العرض".. إلخ ويرى " ألن" أن هؤلاء يدمرون احتمال تحقيق أهدافهم بسبب العمومية الشديدة، ويمضى فيقول إنه من الضروري أن يسأل المرء نفسه: " ما الذي أفعله بعد ذلك؟". وإليكم ما يقوله " ألن" : " كثيرًا ما يكتب من يحضرون منتدياتي على قوائم أهدافهم أشياء مثل " ضبط السيارة". وهل " الضبط" سلوك تالٍ؟ سيكون ضبط السيارة هو السلوك التالي إذا خرجت وفي يدك مرفاع وأنت مستعد بارتداء ملابس العمل.
فأسأله: " وما هو- إذن- السلوك التالي؟".


فيجيب من يحضر المنتدى: " آه، ينبغي أن آخذ السيارة للميكانيكي، وينبغي أن أتأكد مما إذا كان الميكانيكي سيستطيع إصلاحها أم لا. وأظن أنني ينبغي أن أتصل به لأحدد معه موعدًا".
" وهل لديك رقم الميكانيكي؟".
" للأسف لا، لقد أوصى لي " فريد" بميكانيكي، وليس لدىَّ رقم هاتفه. أعرف أن ثمة شيئًا ناقصًا".
وكثيرًا ما يكون هذا هو ما يحدث مع الكثير من الأشياء ولكثير من الناس. إننا ننظر إلى مهمة معينة ويقول جزء منا: " ليس لدىَّ كل ما يلزم للربط بين بداية المهمة ونهايتها". إننا نعرف أن شيئًا مفقودًا، ولكننا لا نعرف بالتحديد ما هو ذلك الشيء؛ لذلك ننسحب".


عندما تبدو المهمة كبيرة جدًّا، فإن الفيل لدينا يقاوم. وليس من المصادفة أن يطلب معالجو مدمني الشراب منهم أن يقلعوا عنه " تدريجيًّا" ؛ لأنهم بهذا يقلصون حجم التغيير؛ لأن المدمن يرى إن الإقلاع النهائي التام عن الشراب مستحيل، أما الامتناع عنه لمدة أربع وعشرين ساعة فغنه يبدو ممكنًا.

وإليك الطريقة التي يشرح بها معالجو الإقلاع عن إدمان الشراب الأسلوب التدريجي في العلاج: " في معظم الحالات لا نستطيع توقع سير الأحداث. ومهما بلغ استعدادنا، فإننا في النهاية نواجه ما لم نكن نتوقعه. ومع ذلك فإننا نبدد جهدًا ووقتًا كبيرًا في محاولة توقع أحداث المستقبل، وتقليل الأم الناتج عنها، ووضع النتائج المستقبلية لدرجة أننا نفقد الفرص المتاحة لنا اليوم. ويؤدي كبر حجم المهمة التي تعهدنا بها إلى إجهادنا وضغطنا".

الأهداف البسيطة تؤدي إلى انتصارات بسيطة، وكثيرًا ما تؤدي الانتصارات البسيطة إلى دفعة من السلوك الإيجابي. كتبت استشارية العلاقات الزوجية " ميتشيل واينر ديفيز" عن زوجين من عملائها هما " باولا" و" جورج" المتزوجين منذ ثمانيٍ سنوات، وقضيا السنتين الأخيرتين منهما في حالة من الشجار الدائم. وكانت " واينر ديفيز" تقدم لهما الاستشارة منذ مدة، وكانا قد حققا بعض التقدم، ولكنهما لم يحققا شيئًا كبيرًا. ثم جاءت الانفراجة- قُبلة.

ذات صباح قَبَّل " جورج" " باولا" فأذهلتها القبلة، وبهُتت قليلًا، ثم شعرت بالسعادة. وقد دفعتها سعادتها لأن تفعل شيئًا لم تكن فعلته منذ مدة، وهو أنها أعدت لزوجها القهوة. وقالت للمعالجة: " لقد اعتدنا تناول القهوة معًا، ولكننا لم نعد نواظب على هذه العادة في الآونة الأخيرة".

وعندما شم " جورج" رائعة القهوة حضر ليأخذ فنجانًا، وأجرى الزوجان حديثًا سارًّا، وقال كلاهما إنهما شعرا في ذلك الصباح بالمزيد من الاسترخاء والراحة. وقالت " باولا" إن زملاءها في العمل قد لاحظوا تغيرًا عليها اليوم، بل إن الأبناء أنفسهم بدوا كما لو كانوا قد تأثروا بما حدث، حيث كانوا أكثر هدوءًا وأقل شجارًا في ذلك اليوم. لقد بدأت قبلة " جورج حالة متواصلة من الإيجابية.

لماذا كان الشيء بسيط مثل هذه القبلة أن يكون بتلك الأهمية؟ لأنه ولَّد الأمل بأن التغيير ممكن، وهذا أمر كثيرًا ما نراه، حيث يحدث التغيير الكبير نتيجة تتابع مجموعة من التغييرات البسيطة. وليس من المهم أن تكون التغييرات الأولى كبيرة، فالمهم هنا أن يتحرك الفيل، حتى وغن كانت حركته بطيئة في البداية. لذلك لا تطلب من الزوجين المدينين أن يسددا الديون ذات الفوائد، بل اطلب منهما أن يقللا قائمة ديونهما، ولا تطلب من الموظفين الحكوميين أن يتبنوا نظامًا جديدًا في التحصيل، بل اطلب منهم أن يضاعفوا نفقاتهم بالبطاقات الائتمانية الحكومية. ولا تطلب من الزوجين أن يكفا عن الشجار، بل اطلب من الزوج أن يقبَّل زوجته في الصباح.

لا يجد الفيل صعوبة في تحقيق هذه الأمور البسيطة. وعندما يفعل ذلك، فغن شيئًا آخر يحدث، فمع كل خطوة يخطوها الفيل يقل خوفه وتردده؛ لأن الأمور بدأت تنجح. إن الرحلة التي بدأت بالخوف تتطور تدريجيّا وببطء باتجاه شعور بالثقة بالذات والرضا عنها- وفي نفس الوقت الذي يتقلص فيه حجم التغيير يزداد الفيل نموًّا.