موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
النظرة الايجابية
يعتقد بعض العلماء أن السعادة هي حالة عقلية يمكن اكتسابها من خلال التدريب ونقلها إلى الآخرين. لكنها في الوقت ذاته، تحتاج إلى الكثير من الصبر وبذل الجهود، وإلى إرادة صلبة لا تعرف معنى الاستسلام أمام الصعوبات والأخطاء التي ترتكب على درب الحياة. الوصول إلى السعادة يحتم تغيير طريقة تفكير الإنسان ونظرته إلى الحياة. هل أنت مستعد للتسلح بالتفاؤل عملاً بالمثل القائل: "تفاءلوا بالخير تجدوه"؟ |
يختلف مفهوم السعادة من شخص إلى آخر، بشكل لا يلتقي فيه اثنان حول مصدر واحد لها. فالبعض يعتبر العثور على السعادة مسألة سهلة لا تتطلب بذل الكثير من الجهود، لأنها تنبع من إيمان الشخص بها، أي من ذاته ومن قناعته بما رسم له. في المقابل، هناك من بحث عنها ورحل عن هذه الدنيا من دون أن يفلح في الوصول إليها، وثمة من لايزال يفتش عنها وسط آلاف الكتب والروايات وبين الأشخاص والأشياء المحيطة به، وفي كل مرة يعتقد أنه وجدها، تتبدد صورتها من أمامه كالسراب الذي يخدع عابر الصحراء. لكن، هذا السراب، وإن كان مخيباً للأمل، فإنه يصبح عند البعض بمثابة محفز للمضي قدماً في مسيرته وعبور الصحراء، أو يتحول إلى ضربة قاضية تصيب الفرد بالإحباط والاكتئاب. تعتمد النتيجة على طريقة نظرة الإنسان إلى الحياة من حوله، فإذا اعتاد رؤية النصف الملآن من الكوب، فإنه حتماً سيعرف كيف يجير كل المواقف السلبية لمصلحته ويتخذها منصة للانتقال إلى مستوى آخر أو مكان آخر. أما من يرى النصف الفارغ من الكوب، فإنه يقع ضحية خيبات أمله وصعوبات الحياة، ويرزح تحت وطأة الهموم لدرجة يصبح فيها الموت أهم من الحياة، بالنسبة إليه.
صناعة السعادة
تصور مثلاً أن بطريقاً اختار العيش في صحراء، هل في رأيك سيتمكن من الصمود والمضي قدماً في ذلك العالم؟ بالتأكيد لا، فبيئة الصحراء لم تخلق أصلاً له، ولا هو خلق ليعيش في أرض قاحلة جافة خالية من المياه والبرودة. هذا المشهد يلخص حالة أغلبية البشر الذين يقومون بخيارات عدة في حياتهم، تكون منافية للمنطق العام، أو يختارون السير على طريق غير مناسب، قد يوصلهم إلى التعاسة والبؤس بدلاً من السعادة التي يبحثون عنها.
من يضع نظارات سوداء على عينيه، يجب ألا يسأل عن سبب كل هذا السواد والعتمة في العالمفي رواية «الزمن المستعاد» لمارسيل بروست، يتحدث الكاتب الفرنسي عن طريق الخمول والاستسلام الذي كان يغرقه في الحزن ويبعده عن أحاسيس السعادة. يصف بروست صراعه مع الاستسلام أثناء محاولاته استعادة الأحاسيس التي انتابته لحظة تناوله قطعة من الحلوى مغمسة بالشاي، والتعرف إلى مصدرها أو منبعها. حاول بروست البحث كثيراً، وجند كل طاقته للتوصل إلى معرفة حقيقة هذا الشعور الغريب والجميل، الذي بعث في جسده الحياة من جديد. لكن درب «الخمول» كان يغريه دوماً ويحثه على الاستسلام أمام صعوبة هذه المهمة، ويدعوه إلى الكف عن محاولات البحث عن مصدر هذه السعادة التي سرت في عروقه، والاكتفاء بشرب الشاي والتفكير في هموم يومه ومشروعات غده التي كانت في أغلبية الأوقات تؤجل إلى يوم آخر. غير أن إصراره على معرفة سر هذه السعادة المؤقتة، جعله يتذكر فجأة خالته وكوب الشاي الذي قدمته له مع قطعة حلوى المجدلية، فعلم أن مصدر هذا الشعور الجميل يعود إلى مذاق الحلوى.
إذا تأملت قليلاً في ما قاله بروست، سوف تكتشف مدى سهولة غرق الإنسان في دوامة التعاسة والبؤس، مقارنة بمحاولاته وجهوده المبذولة من أجل استعادة لحظات الفرح. لتوضيح الصورة أكثر، تخيل شخصاً يجلس على كنبة في غرفة انطفأ النور فيها فجأة. في رأيك هل في إمكانه إنارة الغرفة من جديد وهو مرتاح في مكانه، أم أن عليه أن يقف ويبذل جهداً للبحث عن مفتاح الضوء وتشغيله؟
النظرة إلى الحياة
يقول علماء النفس إن العالم الذي يحيط بالإنسان ليس سوى صدى صوته، فكل كلمة ينطق بها لابد من أن ترتد إليه. هكذا إذا صرخ الإنسان قائلاً: «أنت عدوي»، سوف يردد الصدى من وراءه: «أنت عدوي». بدورها الحياة ليست سوى مرآة تعكس ما يراه الإنسان. هذا يعني أن السعادة ما هي إلاّ انعكاس حقيقي لمشاعره وأحاسيسه الداخلية، إضافة إلى طريقة نظرته إلى ذاته. هكذا، يـــــــــرى المتشـــائمون النصف الفارغ من الكوب، فمن يضع نظارات سوداء على عينيه، يجب ألا يسأل عن سبب كل هذا السواد والعتمة في العالم. البعض يشبه المتشائمين بمرضى الأمراض العصبية الذين يعيشون في عالم من الخدع البصرية، حيث يمتزج الواقع مع الخيال لدرجة يعجزون فيها عن التفريق بينهما.
يمكن الاستنتاج هنا أن تعاسة البعض تعود إلى الفشل في اختيار «التكتيك» الصحيح الذي يوصلهم إلى السعادة. لعل الخطأ الذي ارتكبه أولئك هو تساؤلهم في الأصل عن سبب تعاستهم. فبمجرد طرح مثل هذا السؤال، جلبوا الحزن إلى حياتهم. يعيش الإنسان في العالم الذي يصنعه لنفسه، ما يعني أنه مسؤول عن كل ما يحدث له.
ثمة فرق شاسع بين الشعور بالحزن، والاعتقاد بأننا نعيش في تعاسة حقيقية. ففي الحالة الأولى يكون من الصعب التغلب على هذا الشعور، في حين أنه يمكن إحداث تغيير عندما تكون هذه المشاعر نابعة من نظرة الشخص إلى ذاته الداخلية، وهذا ينطبق على الحالة الثانية. باختصار، ثمة إمكانية للقضاء على التعاسة مادام في مقدورنا تغيير نظرتنا وطريقة تفكيرنا في الحياة من حولنا. |
|
المفضلات