احذروا الغرور في الذات
عند المناصب

لو درسنا شخصية
أي مغرورأو أيّةمغرورة،
لرأينا أنّ هناك خطأً في
تقييم وتقدير كلّ منهما لنفسه .

فالمغرورـ شاباً كان أو فتاة ،
رجلاً كان أو امرأة ـ يرى نفسه
مفخّمة وأكبر من حجمها ،
بل وأكبر من غيرها أيضاً ،

فيداخله العجب ويشعر بالزهو
والخيلاء لخصلة يمتاز بها ،
أو يتفوّق بها على غيره ،
وهذا يعني أن نظرةالمغرور
إلى نفسه غير متوازنة ،
ففي الوقت الذي ينظر إلى نفسه باكبار ومغالاة ،
تراه ينظر إلى غيره باستصغار وإجحاف،
فلا نظرته إلى نفسه صحيحة
ولا نظرته إلى غيره سليمة .

ومنشأ هذا الاختلال في التقويم هو
شعور داخلي بالنقص يحاول
المغرور أو المتكبّر تغطيته برداء غروره وتكبّره،
وقد جاء في الحديث :
«ما من رجل تكبّر أو تجبّر
إلاّ لذلّة وجدها في نفسه»
. فكيف يكون ذلك ؟لو افترضنا
أنّ هناك شاباً أو شابة حاز
على منصب الأشراف في إحدى
المنتديات المعروفة
فإنّ الذي أوصله إلى الإشراف
هو الجهود المبذولةالمتواصله الذي
رفعت من مستوى هذا العضو وأهله لنيل
هذا المنصب ، وقد تكون هناك
عوامل ثانوية أخرى .

فالتقرير الصائب للفوز بهذا المنصب
هو العمل بقاعدة «مَنْ جدّ وجد» وعلى
مقدار الجهد المبذول تأتي النتائج .
وهذا بالطبع أمر مستطاع وبإمكان أي
شاب أو شابهأن يصل إليه ضمن
نفس الشروط والإمكانات والظروف .

فإذا كانت النتائج الممتازة طبيعية
ولا تمثّل معجزة .

وإذا كان تحقيقها من قبل الآخرين ممكناً .

وإذا كان هناك مَنْ حاز على
الإشراف مرّات عديدة .

فلِما الشعور بالغرور والاستعلاء،
وكأنّ ما تحقق معجزة فريدة يعجز عن
القيام بها الشبان والشابات الآخرون ؟
( إذا هناك سبب آخر يدعو إلى الغرور والتكبّر ،
وهو أمر لا علاقة مباشرة له بالفوز بالمنصب،
وهو أن هذا العضو الذي حاز على المنصب
لم يشعر فقط بنشوة النصر أو الفوز ،
بل يرى في نفسه أ نّه الأفضل ولذا كان المتفوّق ،
وبهذا يستكمل نقصاً ما في داخله ،
يحاول أن يستكمله أو يغطيه
باظهار الخيلاء والتعالي . )

ولو نظرتَ إلى المغرورجيِّداً لرأيت
أ نّه يعيش حبّين مزدوجين :
حبّاً لنفسه وحبّاً للظهور،
أي أنّ المغروريعيش حالة
أنانية طاغية،
وحالة ملحّة من البحث عن
الإطراء والثناء والمديح . وفي الوقت نفسه ،
تراه يقدِّم لنفسه عن نفسه تصورات وهمية
فيها شيء من التهويل ، فمثلاً يناجي نفسه
بأ نّه طالما حاز على المنصب في هذا المنتدى ،
فإنّه سيناله في كلّ منتدى ،
ومهما كان مستواه ومستوى أعضائه .

وهنا يجب التفريق بين مسألتين :
(الثقة بالنفس) و (الغرور) .
فالثقة بالنفس ، أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ
بالنفس تتأتّى من عوامل عدّة ،
أهمّها : تكرار النجاح ، والقدرة
على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة ،
والحكمة في التعامل ،
وتوطين النفس على تقبّل النتائج
مهما كانت ، وهذا شيء إيجابي .

أمّا الغرورفشعور بالعظمة وتوهّم الكمال ،
أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفس وبين
الغرور هو أنّ الأولى تقدير للامكانات
المتوافرة ، أمّا الغرور ففقدان أو
إساءة لهذا التقدير .
وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة
التي يرى صاحبها
ـ في نفسه ـ القدرة على كلّ شيء ،
فتنقلب إلى غرور .

ولنأخذ مثلاً آخر ،فتاة جميلة
تقف قبالة المرآة
وتلقي على شعرها ووجهها وجسدها
نظرات الإعجاب البالغ والافتتان بمحاسنها ،
ترى أنّها لا يعوزها شيء وأنّها الأجمل بين
بنات جنسها ، وهذا الرضا عن النفس
أو الشكل دليل الفتنة التي تشغل تلك
الفتاة عن التفكير بالكمالات أو الفضائل
التي يجب أن تتحلّى بها لتوازن بين جمال
الشكل وجمال الروح ، ولذا قيل :
«الراضي عن نفسه مفتون» كما قيل
أيضاً : «الإعجاب يمنع من الإزدياد» .
وكل لبيب يفهموقد يكون لدى
المشرف الحائز على الإشراف
بعض الحقّ في الشعور بالرضا لأنّ
وسامالاستحقاق الذي حصل عليه جاء
نتيجة جهود ذاتية مضنية بذلها من
أجل الفوز بهذه المرتبة المتقدمة ،
أمّا شعور الرضا أو الإعجاب عند الجميلة
التي لم تبذل من أجل جمالها جهداً ،
فشعور ناتج عن تقدير اجتماعي
للجمال أو الشكل الخارجي ، أي أنّ الناس
اعتادوا على تقديم الجميلة على الأقلّ جمالاً ،
وإلاّ فالجمال ليس قيمة إنسانية ثابتة .

إنّ شعورنا بالرضا عن إنجازاتنا وتفوّقنا
مبرر إلى حدٍّ ما ،
لكن شعورنا بالانتفاخ فلا مبررله،
هو أشبه بالهواء الذي يدور داخل بالون ،
أو بالورم الذي قد يحسبه البعض
سمنة العافية وما هو بالعافية ،
وفي ذلك يقول الشاعر :

أُعيذها نظرات منكَ صادقةً ***
أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُه ورمُ