عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 23
استمتع بعملك.. !
"وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" (البقرة:127)
تقول القصة: إن مدير إحدى الإنشاءات العمرانية الضخمة، مَرّ على مجموعة من العمال يقومون بمهمة واحدة، وهي تكسير الأحجار التي ستستعمل لاحقا في البناء، فسألهم عن عملهم الذي يقومون به، وشعورهم اتجاهه، فأجابه كل واحد بإجابة مختلفة؛ أما الأول فقال: إني أقومُ بتكسير هذه الأحجارِ الصلبةِ بهذه الآلاتِ البدائية، وأقوم بترتيبها كما قالَ لي رئيسُ العمّال، و أتصبّبُ عرقاً في هذا الحرِّ الشديد، وهذا عملٌ مُتعبٌ للغاية، ويسبّبُ لي الضيقَ مِن الحياةِ بأكملها.
أما الثاني فكان جوابه: أنا أقومُ بتشكيلِ هذه الأحجار إلى قِطعٍ، يمكنُ استعمالها، وبعد ذلك تُجمّع الأحجار، حسبَ تخطيطات المهندسِ المعماريّ، وهو عملٌ مُتعبٌ، وأحياناً يصيبني الملل، ولكني أكسبُ منه قوتَ عيشي أنا وزوجتي وأولادي.
وأما الثالث فكان جوابه: ألا ترى بنفسك..؟ إني أقومُ ببناءِ ناطحةِ سحاب!!.. [1]
يكمن السر في الاستمتاع بالعمل في إدراك المشروع العام، والغايات الكبرى، والمآلات التي تتحقق بذلك العمل الذي قد يكون ظاهره لا يدل على أهميته البالغة، لكن بالتأمل فيه وفي مآلاته تظهر قيمته الحقيقية؛ فتكسير مجموعة من الأحجار بوسائل قد يظهر أنها غير متطورة بما فيه الكفاية، ممكن أن يتم احتقاره من طرف الكثير من الناس، بيد أن هذه الأحجار هي التي تدخل في بناء ناطحات السحاب العملاقة التي تفتخر بها البلدان وتشتهر بها وتدل عليها.
والاستمتاع بالعمل واستحضار معنى العبودية لله تعالى فيه هو المدخل إلى إتقانه وإحسانه؛ ففي حديث جبريل الشهير: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"[2] والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الصالحة، ولذلك جاء في الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء"[3].
والإحسان هو سبيل النجاح والتفوق والريادة، لأنه ليس إتقانا فحسب، وإنما إتقان وزيادة، فهو في أعلى مراتب الإتقان، وهو أن يقوم المرء بالعمل كأنه يرى ربه يراقبه"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون" (التوبة:105) فليس المراقب إدارة أو لجنة تفتيش بشرية يمكن التحايل عليها أو الإفلات منها بطريقة من الطرق، إنه الله جل وعلا "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"(العنكبوت:69) و"إن الله يحب المحسنين" (البقرة 195)
يقول الدكتور مارتن لوتر كينغ الإبن: "إذا دعي الرجل ليكون كناسا في الشوارع، يجب أن يكنسها بنفس مهارة مايكل أنجلو وهو يرسم لوحاته، أو بيتهوفن وهو يؤلف موسيقاه، أو شكسبير وهو يكتب الشعر، يجب أن يكنسها جيدا بحيث يتوقف كل من يراها ويعلق قائلا : “ها هنا عاش كناس عظيم، أدى مهمته بإتقان وبراعة"[4]
ولهذا كان الإحسان ميزة حضارية، وكان المتصفون به هم طليعة الأمم، وإنما فاز وبلغ أعلى المنازل المحسنون.. لذلك كان لزاما على من اختار عملا أن ينجزه بأعلى مراتب الإتقان، وأن يراعي فيه كل مواصفات الجودة، ف"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
المفضلات