المفعول السحري لقوة كلماتك بتغيير مشاعرك السلبية






الحديث مع النفس بصوت عالٍ أو منخفض عادة نمارسها جميعاً. وينطبق هذا على كل ما يدور داخل عقولنا وما توسوس به أنفسنا، وما ينتابنا من أفكار، وما يتولد عن ذلك من انفعالات ومشاعر. أما مضمون هذا الحوار فهو عادة ما يدور حول الأحداث والمواقف التي نعايشها كل يوم.
والآن تخيل أنك تقول لزميلك في العمل كل صباح (أنت غير كفء، فاشل، لم تقم يوما بأي عمل ذي أهمية، ولا يحبك أحد من زملائك). هل سيسعد هذا الزميل بلقائك؟! كيف سيكون موقفه منك؟ لا بد أنه سيقدم ضدك شكوى وسيكسبها!
إننا- للأسف- نعامل أنفسنا بهذا الأسلوب تماما. ونخاطبها كل يوم بأكثر قسوة من ذلك. حيث نقوم بتوجيه اللوم: (ما كان يجب أن تقول ذلك؟ لقد استهجن الجميع الفكرة التي ذكرتها، لماذا لا تفكر قبل أن تتفوه بكلامك؟) أو نتوقع ردة فعل الآخرين تجاه مواقفنا (لا بد أنهم يتسامرون ويتضاحكون على ما بدر مني اليوم) أو- وهذا الأكثر قسوة- نحاكم ونصدر الأحكام دون شفقة (لقد رسبت في الامتحان أنا إنسان فاشل). فلماذا نتجنب التعامل بهذا الأسلوب مع الآخرين ونقبله لأنفسنا؟ هذا غير عادل!
يتحدث علماء النفس بكثرة هذه الأيام عن تأثير اللغة التي نستعملها في وصف الأشياء على بناء مشاعرنا وحياتنا الداخلية. فما يخرج من أفواهنا من كلمات وعبارات، وما نحدث به أنفسنا- في الواقع- لا يذهب في الهواء سدى. وإنما يدخل إلى أعماقنا ليغير من فسيولوجيتنا ويرسم صورة مبدئية نبني عليه ما يأتي من أحداث ومشاهد. وسواءً كان هذا الكلام إيجابياً أم سلبياً فإنه يترك بصمةً مهمة في نفوسنا.تقدر الدارسات أننا نقوم بتقييم ذواتنا ما بين 300 إلى 400 مرة يوميا منها تقييم سلبي ولوم بمقدار 80 مرة يومياً، وان كان انتقاد. لذا كان من الخطوات العملية التي أصبحت من أجزاء العلاج النفسي استخدام (عبارات التوكيد الايجابية). حيث ينصح المعالجون بالوقوف أمام المرآة كل صباح وإرسال رسائل إيجابية توكيدية لأنفسنا بصيغة الحاضر مثل: (أنا بخير اليوم، أشعر بالحيوية والنشاط), (أنا شخص محبوب من زملائي وناجح في علاقاتي مع أسرتي)، (يا للسعادة التي أشعر بها هذه الأيام، الحمد لله على نعمه التي تغمرني). وهكذا.- الفرق بين كلمة (أريد) او (أحتاج):
عندما تجد رغبة في إمتلاك شيء أو القيام بعمل ما فراقب ما تعبر به عن تلك الرغبة. لاحظ الفرق بين أن تقول: (أحتاج إلى سيارة جديدة)، و(أريد أن أقتني سيارة جديدة). (أحتاج إلى زيارة أي أحد) وبين أن تقول: (أرغب أن أزور أي شخص). إن كلمة الحاجة تجعل كل حواسك معلقة بذلك الشيء وبذلك يتعطل تفكيرك عن البحث عن البدائل. ولذا تذكّر أنه كلما قل (ما تحتاجه) في مقابل (ما تريده وترغبه) ستشعر أن الأمور تحت أمرتك وسيطرتك. ولن تخشى إذا فقدتها يوماً أو فارقتها.
- كيف حالك؟
عندما يسألك شخص هذا السؤال الروتيني لاحظ العبارة التي تستخدمها. ترى هل تقول (ماشي الحال)، (لا بأس). إن كنت كذلك ما رأيك أن تدخل تعديلاً صغيراً على ذلك ففي المرة القادمة قل: (على أفضل حال)، (تمام التمام)، (أحسن من كذا ما في) وأنفث في كلماتك روح التفاؤل والحيوية. وترقب ذلك التغيير الرائع الذي ستشعر به في الحال، وبالأثر الذي ستتركه في المستمع إليك. فهذه الأحاسيس كما يسميها الأطباء (معدية).
عندما كنت أقول هذه المعاني لمن حولي كثيراً ما كانوا يقولون: (تريدينني أن أكذب، أنا لست على أفضل حال). والواقع أنه تغيب عنهم فكرة أساسية. إن الحكم على مشاعرنا هو أمر نسبي. فما رأيك أن تزور إحدى المستشفيات القريبة من منزلك، وتقوم بجولة على أجنحة أمراض الدم والأعصاب والكبد والأمراض النفسية وحينها ستقابل أشخاصاً إذا حضر الطعام لم يشتهوه. وإذا أكلوه لم يستطيعوا هضمه، وإذا حل الليل لم يستطيعوا النوم إلا بأقوى المسكنات التي سرعان ما يذهب مفعولها ليوقظهم الألم. وأحكم بعد ذلك على نفسك، وما تتنعم فيه من نعم ظاهرة وباطنة ألست على أفضل حال!.
- أشعر بصداع قاتل!
هذه الفكرة تنطبق أيضاًَ على وصفنا للألم الذي نشعر فيه. فإذا ابتليت بالصداع يوماً فلاحظ الفرق بين أن تقول: (أشكو من صداع قاتل وألم رهيب!!) وبين أن تقول: (أشعر ببعض الألم في رأسي لقد أزعجني هذا الصداع قليلاً). قال أحد الحكماء:
«الكلمة التي نلصقها بتجربة ما، تصبح تجربتنا». واخيرا تذكر أن الكلمات لها مفعول سحري في تغيير مشاعرنا وعالمنا الداخلي سواءً بشكل أفضل أو بشكل أسوأ. هذه إحدى الأدوات الفعالة بيدك الآن فاستفد منها.
جريدة الرأي

نسرين خوري

أبواب