التجارب الإنسانية.. مدرسة

لا يوجد شيء اسمه الفشل، وإنما قرار بالفشل.. ولكن هنالك محاولات نجاح، غير أن مشكلة الكثيرين نشأت بسبب الخوف من الإخفاق، حتى ترسخ هذا الشعور ليسجل رقماً قياسياً من القناعة بالفشل.


هناك حصيلة، أو نتيجة، أو محاولة.. ومن هنا يقول صاحب كتاب «استراتيجية القادة»: بعد أن قابلنا 90 شخصاً ناجحاً، ودرسنا مواقفهم عن كثب، وجلهّهم من المدراء والنواب، والمدربين الرياضيين، تبين لنا أن كلمة «إخفاق» لا ترد البتة في أحاديث القادة، بل كانوا يستخدمون كلمة أخرى مثل «خطأ» أو «بداية غير مشجعة» أو «نكسة» كما استخدم هذا المصطلح الأخير في حرب 1967م بدلاً من هزيمة.


وكتب تشالز غارفيلد في كتاب «أهل القمة.. أبطال جد في عالم الأعمال بأمريكا» يقول: إن الناجحين قلّما يستعملون كلمة «فشل» المشحونة بالمعاني السلبية، والتي توحي طرقاً مسدودة، ويفضلون عليها عبارات أخرى.


إن كل الناجحين في الأرض يتفقون على عدم الاستسلام للإخفاق، ولو كان ذلك، لما وصلت إلينا آلاف الاختراعات التي تمخضت من ملايين التجارب الإنسانية. ولأن الإنسان يخطأ ويخطأ فهو قادر على أن يقدّم الأفضل. ومن هنا كان تراكم التجارب الإنسانية أفضل مدرسة لأفضل تلميذ. فكم من التجارب توقفت عند حد معين، ثم جاء من صقل التجربة، وقام بتطويرها من بعدهم.


يقول الإمام علي : «إذا خفت من شيء فقع فيه، فإن شدة توقّيه أشد منه» وهذه دعوة إلى درء الخوف من الإخفاق والخطأ، لأنه سبيل العاملين، والقادة. ومن يتهيب صعود الجبال يظل أبد الدهر بين الحفر. وجاء في المثل الفارسي «الرسالة التي لم تكتب لا أخطاء فيها». فلابد من المحاولة إثر المحاولة، دون الخوف من الإخفاق، فإن الخوف من الخطأ، أو من عدم النتيجة المرجوة، أو من التكلفة، أو.. فإنك لن تتقدم خطوة واحدة.


نحن مدعوون للتفكر وللتجربة، وللمحاولة، وأن نستخدم أدوات التجربة السابقة بطرق مختلفة في التجربة اللاحقة، ولم لا تكون بأدوات أكثر فاعلية؟. لماذا الخوف من التجربة، والاستفادة من التجارب الإنسانية. إنك بذلك تكون أقوى الناس، وأعقلهم، وأكثرهم خبرة. ألم تعلم أن الإمام علياً يقول: «أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله»؟ وقال «في التجارب علم مستحدث»؟.


كتب «بكمينيستر فولر» قائلاً «كل ما تعلّمته البشرية إنما كان نتيجة للتجربة والخطأ، لقد تعلم البشر من خلال الخطأ وحده». ولك أن تتعلم من أخطائك، ومن أخطاء الآخرين، وما تعلمه البشر من أخطائهم أكثر مما تعلموه بدون ذلك.


وسئل «نابليون» ذات مرة: كيف استطعت أن تولد الثقة في جنودك؟ فقال: كنت أرد بثلاث على ثلاث. من قال «لا أقدر» قلت له: حاول. ومن قال «أعرف» قلت له: تعلّم. ومن قال «مستحيل» قلت له: جرّب.


ومن الظرافة أن يقول «ر. و. جونسون الإبن» المدير التنفيذي السابق لمؤسسة جونسون آند جونسون عام 1954: إن الفشل هو أهم منتجاتنا*.


وذكروا أن «توم واطسون» مؤسس شركة (i.b.m) استقبل موظفاً كلّف الشركة عشرة ملايين من الدولارات بسبب خطأ فقال الموظف أمام مديره بصوت خافت: تريد مني تقديم استقالتي، أليس كذلك؟ فقال «واطسون» متبسماً: هل تمزح؟ لقد أنفقنا للتو عشرة ملايين من الدولارات على تدريبك. تابع عملك.


أن تحاول، وأن تجرّب، مع الخطأ تلك طريقة الله عز وجل عندما يدعو عباده إليه. فهو يغفر، ويتجاوز، ويغض الطرف حتى يفلح العبد في الوصول إلى الجنة والرضوان. أليس هو الذي يقول آناء الليل وأطراف النهار ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾[1] . المهم أن تحاول، وتستحدث العلوم من تجارب الذين سبقوا.


لا تخف من التجربة والمحاولة، فلو كان الخوف صانعاً لشيء، لكان الفشل، واليأس، والاكتئاب هم الأبناء الشرعيون له. ومن يستسلم للخوف سيبقى في دائرته حتى يموت. ومن ذلك يقول الإمام علي «الناس من خوف الخوف في خوف». ويقول «شكسبير»: إن المخاوف تخيفنا لأنها تمنعنا من بذل المحاولات لتحقيق النجاح. أما الممثل الشهير «شارلي شبلن» فإنه كان يقول: أن تثق بنفسك، تلك هي أهم مسألة. فحتى عندما كنت في مأوى الأيتام أطوف الشوارع بحثاً عن القوت، كنت أُؤمن بأني أعظم ممثل في العالم. وإذا كنت تفتقر إلى سعادة الإيمان بالذات، فإنك سائر لا محالة إلى الإخفاق.


لقد دعا الله عز وجل الناس إلى السير في حياة الماضين لأخذ العبرة والتجربة، حتى تنضج تجربتنا في الحياة، فنتجاوز أخطاء الماضين، ونصنع تجربتنا التي نظن بأنها تحقق النجاح.