ومن جهة ثانية فإن الاستحمام بالماء الفاتر ودلْك أعضاء اللقيط جعلتا فيه حساسية لم تكن لديه من قبل . قال الرجــل الذي عثر عليه فــي الغــابة : " بأنه رآه يقبض على قطع من البطاطا المشوية في الفحم ، ويبتلعها وهي حارة محرقة " .


ويقول إيتار : بأنه بعد قليل من إقامته عنده أصبح يرفض الاستحمام في الماء الذي تزيد حرارته قليلاً عن الحرارة المعتادة ، وأصبح ولداً مدنياً يرغب في الألبسة ، ويتأثر من الأمراض الناتجة عن طرز حياة الإنسان المتمدن . ومما هو جدير بالذكر بأنه أصيب بسعال ورشح شديدين في إحدى السنين بينما كان في أول أمره ينام مدة طويلة مستلقياً على بطنه فوق أرض ندّية . وهكذا فإن سنة من العناية والمراقبة أحدثت لدى اللقيط تغييراً مدهشــاً . ولقد شهــد بذلك ( ديجراندوا Degerando ) بقوله : " إن المواطن – إيتار- أصاب بمدة قليلة نجاحاً باهراً وإن الولد اجتـاز الحـدود التي كانت تفصله عن المجتمع فهو الآن في أرضنا " .
وهنا يعتقد – إيتار – أن الوقت قد حان لتحقيق المرحلة الثانية أي مرحلة تنمية الحواس ، إن التمارين الأولى هي التي تعلم اللقيط الأشكال عن طريق حاسة اللمس . فيظهر المعلم فاكهة أمام تلميذه ويطلب منه أن يخرج مشابهها من وعاء مغلق فيه فواكه مختلفة . فالنجاح في هذا التمرين يحتاج إلى بعض الحساسية اللمسية ليعرف الشكل ، ولا يشترك من الحواس إلا هذه الحاسّـة . كان اللقيط في أول الأمر عاجزاً عن تمييز قطع الكستناء فتوصل تدريجياً إلى معرفة الفواكه والأشياء كالحجر والمطرقة والقرش والمفتاح حتى حروف الهجاء المتحركة ، وهو تقدم مشجع جداً .
وبعد أن اطمأن – إيتار – إلى تربية حاسّـة اللّمس عكف على باقي الحواس ليوقظها وينمّيها واحدة إثر الأخرى . غير أنه لم ير ضــرورة لتربية حاستي الشم والذوق لأنهما كانتا ناميتين عند الشريد وخاصة

حاسة الشم