عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 23
سلسلة خطوات "نحو القمة" (1) ..هل وُلدتَ أم أنكَ لم تُولدْ بعدْ؟!
كان هناك رجلٌ كثير الأسفار بين البلدان, كان يسافر ليرى الناس, ويرصد حياتهم وتاريخهم, ولحظاتهم..
وذات مرة زار بلداً من البلدان الكبرى, فوجد الناس يذهبون إلى القبور في ذلك البلد يتأملون فيها ويعودون منها, فما لبث أن ذهب معهم, وبينما هو بين تلك القبور مع عامة الناس لفت انتباهه أن على كل قبر حجراً, مكتوباً عليه اسم الميت في ذلك القبر, وتاريخ ميلاده, وزمان وفاته...وحتى هنا يبدو الأمر طبيعياً..
إلا أن الغريب في الأمر أن ثمة مفارقة عجيبة, ومسألة غامضة فيما بين تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة, فيجد أن صاحب هذا القبر ولد عام (1950م), وتوفي عام (1990م), وعمره عام واحد, وآخر ولد في عام (1910م), وتوفي في عام (1980م), وعمره عشرون عاماً,فظن أن ثمة خطأ في تدوين تاريخ عمر كل إنسان!..
فخرج من المقبرة ولقي من لقي هناك فسأله عن هذه المفارقة بين تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة وعمرالإنسان؟ فأجابوه: إننا هنا في هذه المدينة لا نحسب من عمر الإنسان إلا الذي قضاه في مشروع لمجتمعه وأمته, وما عدا ذلك من عمر الإنسان فهباء لا فائدة فيه!..
فرجع إلى نفسه سائلاً: وأنا ماذا فعلت في هذه السنين الطويلة من حياتي؟!.
ثم حكى قصته وتاريخه, وقال لمن حوله: أما أنا إذا مت عندكم فاكتبوا على قبري: (( شفيق جبر.. من بطن أمه إلى عالم القبر!!)).
وعلى نحو أبناء هذه المدينة يكون أصحاب المشاريع العليّة من أولي النفوس الأبيّة ،فهاهو الشاعر سليمان العيسى يقول إبان الوحدة بين سوريا ومصر:
منذ يومين قد وُجدْتُ فعمري *** يومَ أعلنْتُ مولدي اليعربيا
فهو لا يحسب عمره قبل تاريخ الوحدة ،فميلاده لحظة ميلادها..
وربما يتساءل البعض: هل من الضروري أن يكون لنا مشروعٌ نعيش من أجله ونعمل على تحقيقه؟
يقول الله سبحانه وتعالى :وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد
فبدون مشروع وهدف واضحٍ في حياتك ما قيمة يومك وماذا ستدخر لغدك؟
ويجيب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على تساؤلنا بعزمٍ لم أقرأ مثيلاً له عند أي قائدٍ أو ناجحٍ أو مؤلف في التاريخ القديم أو الحديث (والله ياعم-لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه!) فلقد كان لنبينا مشروع واضح في حياته عاش كل لحظة من أجله ..
فالمشروع إرضاءٌ لله وسير على خطا أولي العزم والناجحين .وتمتد أهميته لتنعكس بالثمار الرائعة في حياة أصحاب المشاريع وقد قال الطنطاوي رحمه الله في ذلك "إن حياة الإنسان ليست بطول السنين،وإنما بعرض الأحداث التي يتركها في الأرض"
فمشروع العمر عملٌ تتبناه لتصنع به نجاحك وتسعد نفسك،فتخدم دينك ومجتمعك.
والآن بعد أن قررت أن يكون لك مشروعك،كيف ستعرف أنه الأنسب والأقرب إليك؟
بغض النظر عن كون مشروعك دعوياً أو اجتماعياً أو مادياً أكتبه على ورقة وأنصحك أن تكون في مكان هادئ بعيداً عن المقاطعات..خذ نفساً عميقاً وأسأل نفسك: هل يستحق مشروعي(سم مشروعك) أن أعيش من أجله وأموت وأنا أعمل به؟
تخيل نفسك وأنت في الثمانين من العمر وتحكي ما حققته في مشروعك لأبناءك راقب ما الكلمات التي تقولها وما المنجزات التي تركز عليها وتفتخر بتحقيقها ،هل هي نابعة من المشروع الذي اخترته؟أم أنها بعيدة عنه؟
إن كانت تنبع منه فمبروك عليك لقد وجدت مشروع حياتك وبدأ عمرك منذ هذه اللحظة! وإن لم تكن متناسبة مع المشروع الذي اخترته فعاود التفكير واربط بين تلك المنجزات التي حققتها في الثمانين من عمرك ومشروع يناسبها ويوصلك إليها..قد تستغرق أيام أو أشهر لكنها ستكون أغلى لحظات العمر .
لأنك إذا كنت لا تعرف ما تريد فلن تحصل أبداً على ما تريد لأنك لا تعرفه أصلاً.فلن تحقق شيئاً بالصدفة..لا تنتظر غداً أو بداية الشهر أو نهاية الأسبوع ، إبدأ بتحديد مشروع حياتك الآن وأعلن ميلادك الحقيقي وأخبرنا بذلك لنشاركك فرحتك!
المفضلات