حياتنا ونظرية DELETE

"معروف أن أشعة الشمس لن تدخل بيتك ما دامت أبواب بيتك مغلقة هكذا سيبقى الفرد في ظلام مادام أنه لم يفتح للنور الجديد طريقا"، هذا ما قاله الفلسوف الهندي (أوشو). وهكذا تبدو حياة بعضنا المتشابكة الرؤى المتبعثرة الأهداف السائرة في طرق متشعبة، والمليئة أحيانا بالطموحات الواسعة، مثالا على أن الفرد ومع زحمة همومه يقف عند محطات منها يجعله رهين هدف معين أو طموح غير مقنن أو مشكلة عارضة أو متشابكة الحلول، يتخبط نحوها سائرا والأيام تسرق من عمره وأوراق الخريف تتساقط من لحظات الجمال التي لم يهنىء بها، ذلك لأن الواحد منا ربما استغرق وقتا ليس بالقصير في المضي نحو غاية أو مشروع أو هدف أو معالجة مشكلة أو محاولة إصلاحها وقتا هو أنفس ما يكون فيه إلى التفكير بي نظريةDELETE.
فهذا المصطلح هو معروف لدى الكثير من متصفحي الإنترنت أو المتعاملين من الحاسوب، فالمستخدم له يقوم بين فترة وأخرى بحذف بعض البرامج والملفات التي لا فائدة منها والتي تعتبر وجودها عبئا على الجهاز وعلى ذاكرته التي ربما يكون وضع الأصلح من المتجدد من البرامج والملفات الجديدة. فلماذا لا تكون حياتنا بكل جوانبها الفكرية والإجتماعية والثقافية وحتى الإقتصادية متضمنة لهذا الأساس من الحذف والتنقية والتجديد المستمر.



فمثلا كثير هم الشباب والفتيات الذين يستغرقون وقتا طويلا يكلفهم حياتهم ومالهم في أمور يقدمون فيها التضحيات وهم لم يفكروا أولا بصلاحية هذا الأمر لهم أو لا!!. فالطالب يقدم مثلا على تخصص جامعي برغبة وتشجيع من حوله وهو يعرف قدراته ومع ذلك يستمر سنوات من الفشل وهو لم بفكر أصلا بعد التجربة من حذفها أو استبدالها.



والعلماء قالوا قديما :


إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيـع


والمتزوج الذي منذ سنواته الأولى وهو في عراك دائم مع زوجته ولم يتوصلا إلى حل لمشكلاتهم ...... كل ذلك ربما كان مجاملة للعادات والتقاليد مثلا أو الخوف من التعيير بالفشل، أو عناد وجبروت، فلماذا لا يفكر بحل DELETE الذي قدمه الله كحل بعد بذل الوسائل الإصلاحية للتوفيق فقال سبحانه (وإن يتفرقا يغني الله كلا من سعته).



والتاجر أو المبتدى في التجارة الذي تتقاذفه الخسائر كل وقت فهو يدخل في مشروع ليتلقاه مشروع آخر منتظره بالفشل، فلماذا لا يتم تجاوز كل ذلك بالحذف والتفكير والتخطيط لما هو مناسب ومجدي. ولكن نظرية DELETE هي في حقيقتها نظرية وليست حقيقة علمية، فما كان منها له الدليل المعتبر الذي له حظ من النظر المحتضن لقاعدة الحكمة والتعقل كانت صالحة ونافعة. ويعجبني قول الفاروق رضي الله عنه حينما شكى الناس إليه غلاء سعر اللحم فقال لهم أرخصوه، وحقيقة إرخاصه بعدم شراءه ....... هذا التصرف منه هو تطبيقا لنظرية DELETE.



وفي المقابل فالقبيح في هذه النظرية أن توظف توظيفا يضر بمصالح الآخرين وأن تكون مطرقة يستخدمها البعض لتمرير أنانيته وكبريائه، والأقبح في هذه النظرية أن توظف لنسف العلاقات الحميمة بمجرد حدوث خطأ أو زلل أو مشكلة متناسيـن لغة التسامح والوفاء والإنسانية الفطرية، ورحم الله أبو الصافي النجفي حين قال: عش ألف عام للوفــاء وقلما ساد امروء إلا بحفظ وفائه



لذا سيتطيع المرء ببذل الجهد وزيادة التركيز الذهني، وتقوية قدراته العقلية للوصول للمعرفة ولكنه لا يستطيع الوصول للحكمة، لأن الحكمة مزيج بين الحب والمحبة مع المعرفة، والمعرفة ليست شرطا أساسيا لها. فلربما من الحكمة أن يصفي الإنسان شواغله وهمومه وجهوده المبعثرة وقراراته السريعة وأن يعيد للتوازن والتأمل في الأمور قبل بداياتها، فهذا سيوفر عليه أن بستخدم نظريةDELETE .


والوقت الراهن المتأرجح بين فكي البراجماتية والرأسمالية تحتاج بعض الدول للتفكير في هذه النظرية ـ وليس عيبا ـ خاصة وكثير من قراراتها لو أنها لم تساهم في تكريم الإنسان إلا أنها يجب أن تستخدمDELETE لترفع الظلم عنه وتشعره ببقية ما تبقى من إنسانيته وكرامته.