كن صاحب رسالة في الحياة


كن صاحب رسالة في الحياة


قصة أصحاب الأخدود حدثت قبل مولد النبي (صلى) بـــ 40 أو50 سنة بطلها غلام لديه 15 سنة إسمه عبدالله بن سامر وكان غلاما عاديا يعيش حياة فقيرة وكان هناك ملك يحكمهم وإسمه ( ذو نواس) وأحداث هذه القصة كانت في اليمن وكان هذا الملك ظالما (يسلب الناس حقوقهم) ولتغطية ظلمه نصب نفسه إلها والعياذ بالله واستعان بساحر ليبرهن للناس على ذلك ولما كبر الساحر نصح الملك بأن يأخذ مكانه غلام صغير يعلمه السحر ليبقى مع الملك إن حدث أي مكروه له و ذلك بعد هروب الراهب وإختبائه في كوخ بعيدا عن محل إقامة الملك وفي نفس الوقت كان الراهب يريد أن يعرف الناس برسالته وهنا كان إعداد الغلام والتي تمت بمقابلته للراهب والساحر فكان عندما يذهب إلى قصر الملك ليتعلم السحر يمر على الراهب ليتعلم منه معرفة الله تعالى وأن لاإله إلا الله وسبب وجوده في الحياة وكذلك في الإياب .


اليوم أعرف أيهما أحب إلى الله

وبعد أن تردد الغلام على كل من الراهب والساحر أحس الغلام باطمئنانه للراهب ولكنه كان متخبطا ولايدري من هو صاحب الحق الراهب أم الساحر وكان في قمة الحيرة وبينما هو يسير سمع صوت صراخ فذهب فإذا بأسد يقف بجوار بئر الماء ويمنع الناس عن الشرب فعلم الغلام أن هذا هو اليوم الذي سيعرف فيه أيهما (الساحر أم الراهب) أحب إلى الله فحمل بيده حجر وقال : فإذا كان الراهب أحب إليك يا الله فاقتل هذه الدابة بهذا الحجر, فرماها فوقعت في فم الأسد فمات ففرح لإنه عرف الحق بينما الناس فرحوا لإنه نجح بسحره في قتل الأسد.


الكرامات من الله عزوجل:

بعد أن عرف الغلام أن الله تعالى هو الحق وبفضل مساعدته للناس وعيشه للرسالة أجرى الله سبحانه الكرامات على يديه فكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله . وصدف أن كان جليس الملك أعمى وكان دوما يطلب الشفاء من الملك ( بعد أن زعم أنه الإله) وبالتأكيد لم يستطع فعل شئ حتى قابله الغلام وقال له: أرد عليك بصرك على أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله (وكان هذا الجليس غني جدا) فرد الجليس : إن رددت علي بصري افعل , وجاء بهدايا كثيرة للغلام فدعا الغلام الله تعالى برد بصره على الجليس فرد عليه بصره وكان الجليس أول من تجرأ وصارح الملك بعدم ألوهيته وقال له ربي وربك الله فظل يعذبه حتى دل على الغلام وواجهه بزيف ألوهيته فظل يعذبه إلى أن دل على الراهب وهنا نتعلم درسا ( ليس من العيب أن يخطئ الإنسان وهو يؤدي رسالته لإنه بشر ومعرض للأخطاء وعليه أن يستمر ولا يتقوقع على نفسه لإنه أخطأ) وعندما ثبت كلا من الجليس والراهب على كلمة الحق قتلهما بالمنشار( يوضع على مفرق رأسيهما وينشرا).

نهاية الغلام:

أما الغلام فكان من الصعب على الملك أن يقتله بعد أن أحبه الناس بسبب خدمته لهم وقضاء حاجاتهم وعيشه على راحتهم فخطط أن يقتله بعيدا عن الناس فأمر جنوده أن يلبسوا لباسا عاديا ويذهبوا مع الغلام(كصحبة) إلى جبل ثم يلقوا به من قمته وكأن الحادث قضاء وقدر وهنا نتعلم دعاء جميل عندما يريد أن يأمن الإنسان شر الآخرين وقد قاله الحبيب (صلى) في هجرته من مكة إلى المدينة عندما تبعه سراقة بن مالك وهذا الدعاء هو: (اللهم اكفينيهم بما شئت وكيف شئت إنك على ماتشاء قدير). وهذا الدعاء الذي دعا به الغلام بالإضافة إلى قوة لا إله إلا الله حين كان يرددها جعلت الجنود يتهاوون من قمة الجبل ( وقد يكون هذا أيضا بسبب إنهزامهم نفسيا لإنهم لايدرون ماالهدف من فعلتهم هذه فهم ينفذون الأوامر فقط) .
فلما عاد الغلام سالما دهش وقال له: أين أصحابك؟! فرد عليه بأنهم هلكوا وبقى حيا . فلم يعتبر هذا الملك الظالم مما حدث للغلام ولكنه حاول قتله مرة أخرى بنفس الفكرة باختلاف المكان حيث أمر جنوده بأن يذهبوا إلى البحر حتى إذا كانوا على السفينة ألقوه وكرر معهم الغلام نفس الدعاء فهلكوا جميعا فرجع إلى الملك مرة ثانية.
وهنا نلاحظ أمرا عجيبا لو كان مكان الغلام شخص آخر لفكر في الفرار وعدم العودة ولكن من شدة قوة الرسالة في حياته قدم رسالته على حياته وقدم مصلحة الناس على مصلحته . وللمرة الثالثة يدعوا الغلام الملك بأن يتخلى عن فكرته بأنه إله ولكنه يأبى فأمر الغلام الملك أن يجمع الناس ثم يصلبه ويرمي عليه سهما من كنانته (كنانة الغلام) وأن يقول قبل ذلك : بسم الله رب الغلام. ففعل الملك ماطلبه منه الغلام فرمى السهم فأصابه في خده فمسك الغلام على جرحه وقال : لا إله إلا الله, ومات .
وساد صمت رهيب ماقطعه إلا جري الأم على ولدها واحتضانه وبكاءها عليه قائلة:لا إله إلا الله فصرخ الشعب كله لا إله إلا الله رب الغلام . وبذلك يكون الغلام قد حقق هدفه في الحياة فآمن الشعب كله ومشهد موته جعلهم أصلب وأقوى.
فقال الجنود للملك : ماذا ستفعل بعد أن آمن كل الشعب برب الغلام ؟ فرد الملك الظالم قائلا : لابأس, احفروا الأخاديد. وبالطبع امتثلوا لأمره وحفروا الأخاديد على طول البلاد وأضرموا فيها النيران وكان يطلب من الناس قبل دخولهم النار أن يرتدوا عن دينهم ولكن هيهات فقد كانوا يدخلون جماعات في الأخاديد وهم متشابكوا الأيدي يقولون : لا إله إلا الله.
ومات في هذه الحادثة 21 ألف شخص والملك عاش بلا شعب ولم يستطع النوم بعد هذه الحادثة بسبب الكوابيس التي كانت تؤرقه فكان يحلم بأن قدماه تشتعل. وعندما سمعت الحبشة بما حدث أرسلت جيشها وأزالت حكم الملك الظالم فخرج الملك من بلده واتجه إلى البحر بفرسه وانتحر غرقا.

العبرة من هذه النهاية الحزينة للغلام والشعب:

1- هذه ليست النهاية وإنما هى إنتهاء فصل من فصول الزمن.
2- إختبار للأجيال القادمة في حملها للرسالة ( هل ستحملها كمبدأ أم ستشترط النصر لكي تتابع المضي في هذه الرسالة)
3- هل كلمة (لا إله إلا الله ) غالية لدى هذه الأجيال(نحن ) إلى هذه الدرجة؟


نقلا عن الأستاذ الدكتور عمرو خالد _