التحرر من قيود الماضي


الشبح فقط هو الذي يتمرغ ويتخبط في ماضيه حيث يفسر ذاته بناءً على ماض قد انقضي وهزيع من الحياة قد عاشه. أنت الذي تختاره اليوم ولست الذي اخترته من قبل.


من أنت؟ وكيف تصف ذاتك؟


لكي تجيب عن هذين السؤالين فمن المحتمل أن تكون في حاجة إلى الرجوع إلى تاريخ حياتك, إلى ذلك الماضي الذي قد عشته, وقد انقضى إلا انك بلا شك ما زلت مقيداً به, وتجد من الصعوبة بمكان أن تفر منه. ما المعايير التي تُقيم ذاتك بناءً عليها؟ وهل قمت بجمع هذه المقاييس على مدار حياتك؟ وهل لديك دُرجاً مليئاً بالمفاهيم الذاتية التي تستخدمها بشكل منتظم؟ ربما قد تشمل هذه المفاهيم على عبارات أو صيغ معينة مثل "أنا عصبي", أنا خجول", "أنا كسول", "أنا أفتقر إلى الحس الموسيقي", "أنا أخرق", "أنا كثير النسيان", وكتالوجات كبير من "أنا كذا, وأنا كذا..." تستخدمه من حين لآخر. وربما يكون لديك عدد كبير من الأناة الإيجابية مثل "أنا أحب", "أنا جيد في كرة القدم", "أنا لطيف"... إلخ. ولسنا بصدد التعامل مع هذه الأناة الإيجابية لأن هدفنا من وراء هذا المقال لهو مساعدتك على أن تتحسن, وليس هدفنا رصد جوانب التميز فيك.





معايير وصف الذات


إن معايير وصف الذات وتقييمها ليست سيئة في حد ذاتها ولكن يمكن استخدامها بأساليب تجلب الضرر. إن استخدام الملصقات التي تصف بها نفسك بكذا وكذا قد تصبح بمثابة عائق من عوائق النمو والتحسن. فمن السهل أن تستخدم تلك الملصقات كمبررات لعدم قيامك بالتغيير وبقائك في مكانك. لقد كتب "سورن كيركجارد": "حينما تُلصِق بي صفة تصنيفية, فإنك تنفي وجودي بذلك". فحينما يكون لزاماً على الفرد أن يعيش طبقاً لتصنيفات معينة فلا وجود لذاته وقتئذ. وينطبق نفس الشيء على تصنيفات الذات, وكأن هذه النفس من هذه الماركة أو تلك. إن هذا التصنيف قد يؤدي إلى إلغاء ذاتك؛ وكأنه لا وجود لها لأنك قمت بتصنيفها على هذا النحو أو ذاك, ولم تُعر اهتماماً لقدرتك على إحداث تغيير فيها, وتحقيق نوع من التحسن لها.


إن كل تصنيفات (ملصقات) الذات تنشأ من تاريخ حياة الفرد نفسه. ولكن الماضي كما يقول "كارل ساندبيرج" في Prairie "هو سلة مليئة بالرفات والركام".





كيف تقيم نفسك ؟


يمكنك تقييم نفسك على أساس القدر الذي تجد به نفسك مكبلاً بأغلال الماضي ومرتبطاً بأحداثه. إن كل الـــ "أنا كذا" التي تعبر عن إحباط الذات هي نتيجة لاستخدام هذه الجمل الأربع التي تنطوي على الاضطراب العصبي:


(1) "هذا ما أنا عليه".


(2) "قد دأبت على هذه الطريقة".


(3) "لا يمكنني أن أمنع نفسي".


(4) "هذه طبيعتي".


وهذه الجمل الأربعة كلها حزمة واحدة. إنها بمثابة الأغلال التي تمنعك من التحسن والتغير وتجديدك لحياتك, وجعلها أكثر إثارة وجاذبية لك, وكذلك تحد من استمتاعك بكل لحظة من لحظات حاضرك.


إنني أعرف جدة تقوم بدعوة العائلة إلى العشاء في كل أحد. إنها تقوم بدقة بالغة بتقدير كمية الطعام التي سوف يتناولها كل فرد من أفراد العائلة دون زيادة أو نقصان, فتضع هذه المقادير بنسب محددة. فهي تعطي لكل فرد شريحتين من اللحم وملعقة من البازلاء وقطعة من البطاطس وهكذا... وحينما يتوجه أحد بالسؤال إليها قائلاً "لماذا تفعلين ذلك؟" يكون جوابها "أوه. لقد دأبت على هذه الطريقة". لماذا؟ فتجيبه قائلة: "لأن هذه طبيعتي". إن تبرير الجدة سلوكها هو أنها قامت بتصنيف نفسها على نحو معين, وقد نشأ ذلك عن تمسكها بماض اعتادت فيه أن تتصرف على هذا النحو.


يُقِدم البعض على استخدام الجمل الأربع مرة واحدة عند مواجهتهم بسلوكهم. فربما تسأل إنساناً عن سبب انفعاله وقلقه حينما يُثار موضوع الحوادث فيكون جوابه "هذا ما أنا عليه, لقد دأبت على هذه الطريقة, لا يمكنني أن أمنع نفسي , هذه طبيعتي" أليس من العجيب حقاً أن يستخدم الجمل الأربع مرة واحدة, وأن يرى أن كلاً منها بمثابة تبرير أو تفسير لسلبيته وعدم تفكيره في التغيير من نفسه.


إن فكرة تصنيف الذات "أنا كذا... وأنا كذا..." والتي تنطوي على سلوك إلغاء الذات يمكن أن تتعقب منشأها, وستكتشف في النهاية أنها تعود لشيء قد تعلمته أو اكتسبته في ماضيك. وكأنك تقول في كل مرة تقوم فيها باستخدام واحدة من هذه الجمل الأربع "إنني عازم على الاستمرار في انتهاج هذه الطريقة التي دأبت عليها".


يمكنك البدء في أن تلقي عن كاهلك تلك الأغلال التي تقيدك بالماضي, وأن تتخلص من تلك العبارات التي تغريك بالبقاء على حالك وعلى ما دأبت عليه".