الأول: وهو إيجابية الفرد نحو نفسه، والتي تشتمل على تطوير نفسه وتحديثها .








الثاني: يتمثل في تفاعل الفرد مع أفراد وقضايا مجتمعه ومشاركته في صنع الأحداث .






وفي كِلا الأمرين خيرٌ، فروح المبادرة قائدة ودليل إلى النجاح والتفوق ، والحياة مليئة بفرص الخير ،
ومجالات التقدم كثيرة ؛ ولكن يقلُّ من يتقدَّم لنيل المبادرة وقصب السبق ،
ونحن متفاوتون في طريقة استقبالنا لمثل هذه الفرص ، فهناك الكَسول اللامبالي الذي لا تهزُّه الفرص ،
ذلك أن الكثيرين ترِد على أذهانهم أفكار جيدة ، وتتوافر لهم ظروف مناسبة للإنجاز والتقدُّم ،
لكن عوائق نفسية تقعد بهم عن الاندفاع والمبادرة، بينما يفوز بها الشجعان المبادرون .
فالمبادرة هي عنوان النجاح ، وهي طريق التقدم ، وسلاح اغتنام الفرص ، واستثمار الظروف ..
والفرد المبادر الإيجابي يحقق الإنجازات ، ويحظى بالمكاسب ، وقد قيل: " ويفوز باللَّذات كلُّ مغامرٍ "،
وكذلك المجتمع الذي يتحلَّى بهذه الصفة فإنه يتمتع بالحيوية، ويطوِّر واقعَه إلى الأفضل بشكلٍ دائمٍ مستمرٍ .




الإيجابية... مطلب إسلامي




والقرآن الكريم به الكثير من الآيات التي توجِّه إلى التمسك والتحلي بهذا السلوك والتمسك بهذه القيمة ؛
ولأهمية هذه الصفة في حياة الفرد والمجتمع تحدث عنها القرآن الكريم في آيات عديدة ،
وبأكثر من تعبير، فقد ورد الحديث عن المبادرة في بعض الآيات بلفظ المسارعة، يقول تعالى :
{وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ }
[ آل عمران من الآية:114 ] .




ويقول تعالى :
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ }
[ الأنبياء من الآية:90 ]




ويقول تعالى :
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ }
[ آل عمران : 133 ] .




ونلحظ في الآيات الكريمة توجيه الخطاب إلى الجميع وليس إلى الفرد فقط ؛
لأن المطلوب أن تكون هذه الصفة سمةً للمجتمع كله في مسيرته ومواقفه ، وأن تكون السمة الغالبة
للمجتمعات التي تبغي الرفعة والنهوض ، وبالفعل لا يتساوى مَن كان له السبق مع من تخلف عنه ،
فالريادة والأسبقية شرفٌ لا يناله إلا الأوائل الذين اقتحموا مجالات لم يقتحمها أحد قبلهم ،
وحقَّق من الإنجازات ما لم يحققها أحد من قبله ، فبالتالي قد فتح بابًا جديدًا ،
واقتحم مجالاتٍ لم يدخلْها أحدٌ قبلَه ، والقرآن الكريم تحدث عن فئةٍ قامت بعملِ ما لم يصنعه أحد من قبلهم ؛
ولذلك كان أجرهم مضاعفًا ، ولم يتساوَوا في ذلك مع مَن صنعوا نفس الصنيع ؛
لكنهم في مرحلة لاحقة عليهم ، فبقوا هم الأوائل والمتقدمون والسابقون ؛ لذلك يستحق الأوائل السابقون
في ساحات الخير كلَّ تقدير وإعزاز .. وفي القرآن إشادةٌ كبيرةٌ بكل مَن كان له الأسبقية في فعل الخير وخدمة المسلمين؛
حيث يقول تعالى :
{ وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ }
[ التوبة: من الآية 100 ] .




والإشادة هنا لا تنسحب فقط على حادثة الهجرة ؛ ولكن تدل على كلِّ عملٍ يكون صاحبه سابقًا
وأولَ في فعل الخير ، والكثير من الآيات يحثُّ فيها الله تعالى على المسابقة ، وأن يكون المسلم أسرع
وأسبق الناس إلى فعل الخير والدلالة عليه :
{ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى }
[ الحديد: من الآية10 ]




وكما يقول أيضًا :
{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ }
[ الأنعام: من الآية15] .




والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لنا فيه القدوة والأُسوة ، فالمُتابع لسيرته العطرة من قبل البعثة حتى وفاته
( صلى الله عليه وسلم ) يجد أن حياته ( صلى الله عليه وسلم ) مليئةٌ بالمواقف التي تشير إلى إيجابيته
وتفاعله مع الأحداث المحيطة به ، ومثال ذلك حينما كان ( صلى الله عليه وسلم ) مارًّا عند الكعبة ووجد القوم
يختلفون فيما بينهم على مَن يَضَع الحجر في موضعه في الكعبة ، فلم يتركهم ويقول : وما شأني؟!
بل أشار عليهم بالرأي السديد، وشارك معهم في حلِّ هذا الخلاف ، وبعد البعثة - ورغم عداء " أبو جهل "
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاءه أعرابي يشتكي إليه من أن " أبو جهل " قد أخذ ماله
ولا يريد ردَّه إليه تقدَّم النبي( صلى الله عليه وسلم ) ودون تردد أو خوف، وطلب من " أبو جهل " بكل عزم
أن يعطي الرجل حقه، وبالفعل أعطى " أبو جهل " الرجل ماله ، وحين سُئل عن سبب اضطرابه
من مطالبة النبي له بمال الرجل قال: " لقد خُيِّلَ لي أن أسدًا أراد أن يلتهمني حينما دخل عليَّ محمدٌ " .




كما أن الأحاديث النبوية تحثنا على هذه القيمة العظيمة، فيقول ( صلى الله عليه وسلم ) :
( إذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا )
عليك أفضل الصلاة والسلام يا سيدي يا رسول الله ، هل ترون إيجابيةً أكثر وأعظم من ذالك؟!
وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) :
(( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا ،
وَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا
وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَ ا! فَإنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا ، وَهَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا ، وَنَجُوا جَمِيعًا ))
رواه البخاري .
الإيجابية... الفرد والمجتمع