لاشيء كالعمل يجعل الإنسان ينطلق في الحياة بلا تعقيدات، فهو الأمر الذي يرتقي بصـاحبه في هذه الحـياة، حتى يعتلي في لمح البصر كل فوز، ويمتلك في غـمضة عـين كل نجـاح، وحينما نقول: العمل الدءوب، فمعناه العمل المتصل دون انقطاع، فحلقاته تكـاد تــسلم بعـضها بعـضًا، والعمل الدءوب يحمل في طياته الانضباط الشديد، ومن هنا فليس كل عمل يجعل الإنسان ناجحًا ويحوز كل سبق، والعمل الدءوب لا يأتى من فراغ، بل من نفس قوية وإرادة فتية وهمة سابقة، وسر ذلك كله في التفكير الإيجابي, وطرد كل مظاهر السلبية الداخلية، التى تحول بينه وبين الاستمرار، فربما تواصلت الأعمال ثم فجأة تتوقف أو يختفي الحماس لها، هنالك يجب أن نفتش في طريقة تفكيرنا, هل هي دافعة ومتفاءلة ومتحمسة، أم هي يائسة محبطة تؤثر السلامة وتخشي من المغامرة.


لقد سئل النمساوى أرنولد شوارتزينجر الذي كان صبياُ ضعيفاً وأصر على تمارين كمال الأجسام وقضى لذلك ساعات في البيت، حتى أصبح بطلاً في كمال الأجسام، ثم أصبح أعلى نجوم السينما أجراً، ثم أخيراً حاكماً لولاية أمريكية، لقد سئل في لقاء تليفزيوني عن سبب هذا النجاح المستمر فقال: "العمل الدءوب, والانضباط الشديد, والتفكير الإيجابي".
العمل الدءوب من سنن الحياة


وهذا ما دعانا أن نتعرف على سر من أسرار الحياة، وهى سنة ربانية لجميع البشر: ( من أراد الاستمرار في العمل، فعليه بالاستمرار في العمل، ومن أراد الطاعة فعليه بالالتزام بالطاعة، ومن أراد النجاح فعليه بالعمل الدءوب).


إن ذئب الكسل متربص لكل منا، في انتظار غفوة أو شهوة أو غفلة, فينقض على النجاح، الذي يؤرقه ولا يجعله ينام لحظة أو يهدأ لبرهة.


فهل يفهم من أن هذه السنة الماضية على البشر، لا تتأثر بإيمان أو جحود، ولا تهتم بالاتزام أو غير التزام؟.


إن النماذج الكاملة في توظيف هذه السنة، هى التى كانت مثل عملة لوجهين معاً، الوجه الإيماني الذي هو الزاد والطاقة لقوله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" [البقرة : 197]، ثم الوجه المادي في الأخذ بكل أسباب النجاح والترقي والعلو، ولذلك فغرض المؤمنين أقرب وأيسر، لتوفر الطاقة الداخلية بطريقة طبيعية، أما غيرهم فهم يحتاجون إلى جهد داخلي مضني وتدريب مستمر, حتى تتكون لديهم بعض من الطاقة, سواء في التفكير أو الزاد أو التنفيذ.
جدد حياتك بالعمل الدءوب


إن قطع أشواط النجاح يتوقف على قوة التغلب على العقبات، ومواجهة المشكلات، وتذليل الصعاب، وتحمل الآلام، وامتصاص التعب والإرهاق، وتجاوز كل فشل بجعله نقطة انطلاق جديدة، مما يعمل على تجديد الحياة، وبعث الحيوية في الأعمال، ومن ثم جنى الثمار بأقل جهد، وبأسهل الطرق، وبأيسر تكلفة، وبأسرع وقت، وربما حينما نضرب المثل بالمشهورين من الناجحين على مستوي العالم يقرب إلينا الصورة بغض النظر عن فكرهم أو خلقهم أو نهجهم، فهذه كونداليزا رايس التحقت بالجامعة وهي تبلغ من العمر 15 عامًا، وتخرجت وهى في سن 19 عاماً، وعندما بلغت 41 عاماً كانت رئيساً للجامعة، ثم اختيرت مستشارًا للأمن القومي في أمريكا، ثم وزيرة خارجية، ومن العجيب أيضًا أن تاريخ عائلتها يقول إنها الوحيدة التى سلكت في جيلها طريق التعليم!
هل العمل الدءوب موهبة خارقة؟


فهل الذين يحرزون أعلى المراتب في كل مجال هم أصحاب مواهب خارقة؟
أم هم المثابرون المكبّون على العمل بلا كلل ولا ملل؟


أترك لكم الإجابة........
ولكن أضع بين أيديكم دراسة، قد تساعدكم في الإجابة، فقد أجريت دراسة على فريقين أحدهما حصل على درجة ممتاز، والآخر حصل على درجة جيد، وُجد أن الفريق الأول كانت ساعات تمرينه أعلى من الآخر، فقد بلغ الأول 10000 ساعة أي ما يقرب من السنة, كاملة من التمارين بينما الآخر 7500 ساعة.


ولذلك فهناك فرق بين العمل الدءوب والعمل الصعب:
فالاثنان يختلف بعضها عن الآخر شكلاً وتفصيلاً؛ فالعمل الدءوب ليس معناه أبدًا العمل بلا توقف أو بدون راحة أو أخذ قسط من الترفيه، وإلا كان جهداً نفسياً بلا فائدة، وهذا هو الفرق الجوهري بين العمل المدروس المثمر والعمل المجهد المتعب، فالأول هو العمل الدءوب، والثاني هو العمل الصعب المرهق.
كيف تحقق العمل الدءوب؟


وأراك تقول: كيف تحقق هذا العمل المدروس المثمر الذي اقتنعنا بأنه العمل الدءوب؟!


تعال معًا نخطو هذه الخطوات العملية:
حيث نستطيع بهذه الخطوات الخمسة، أن نحقق العمل المدروس المثمر.
الخطوات الخمسة لتحقيق العمل الدءوب:


الأولى: التبكير
متى نتخلص من أزمة آخر الوقت؟
متى نتخلص من التسويف والتأجيل؟
لماذا نربك أحوالنا في آخر لحظة؟
ثم نجعل من ذلك شماعة للإخفاق؟ ومبررًا للفشل؟


إن أهم ما في التبكير أن يمنحك فرصة من الاستيعاب لا تعوض، بما تجعلك على استعداد دائم, وفي جاهزية مستمرة, ويقظة عالية, تنقذك من المآزق والمفاجآت.
ولعل كل هذه الأثار الرائعة هى بعضاً من معانى ( البركة ) التى تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ بورك لأمتى في بكورها ]، فكان التبكير سبباً من أسباب جلب البركة التى هى: ( نماء الشيء وزيادته واستمراره دون قصد أو دراية )، وهي لا تأتى خبطاً عشوائياً، مثلما يظن البسطاء من الناس، وإنما هى استعداد وجاهزية واستيعاب واجتهاد في أن يكون الإنسان دائماً في المقدمة لا يسبقه أحد.


الثانية: التركيز
وصفة التركيز لا تأتى مرة واحدة، ولا تتحقق في زمن واحد، وإنما هى كالدواء يؤخذ في مدد قصيرة يومية، وعلى مراحل زمنية محددة، ولذلك فالتركيز على عمل ما، يحتاج من صاحبه، أن يتدرج يومياً، ولو لمدة قصيرة، وصولاً إلى التركيز، ولذلك كان هذا التدرج هو أحب الأُمورإلى الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل "؛ لأن ذلك هو الطريق الوحيد إلى التركيز الذي هو نقطة الاستمرار ومحطة التواصل.


الثالثة: الفهم قبل العمل
ونعني به ( فهم العمل ) مما يضمن له الاستمرار، وذلك بفهم نقاط العمل، ومصطلحاته، ومفاهيمه، وتصوراته، حتى يسهل فهمها واستيعاب دقائقها، فلكل عمل أسراره وخباياه، ولذلك فمن أراد أن يحقق هذه الخطوة، عليه ببذل المزيد من المجهود في القراءة والمطالعة عن العمل والتعرف على تفاصيله، واكتساب الخبرات ممن نجحوا في هذا العمل،ولا يخجل من السؤال الدائم، والتزود بالعلم، مصداقاً لقوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: [وقل رب زدني علماً].


الرابعة: التحديد بعد العمل
قد يعمل بعضنا العمل ثم ينسي تفاصيله، فإذا أعاده لسبب ما، فكأنه مبتدئ يفعله لأول مرة !.


وقد يعمل بعضنا العمل ثم تختفي معلوماته كسحابة مرت، فلا يستفيد منه أحد !، وقد يعمل بعضنا العمل ويحاول أن يتعرف على ملامحة فلا يتذكر منه إلا القليل, الذي يكون كالسراب، لا يجده شيئاً !.


فما المخرج بعد أدائك للعمل، هل تحتفظ به في ذاكرتك، فتستمر عليه، وتعلم غيرك على الاستمرار عليه؟


للإجابة ينصح الخبراء: بتجديد المعلومات أولاً بأول، واكتبها حتى لا تخونك الذاكرة، فإنك تستطيع بتجديد المعلومات أن تواجه النسيان الطبيعي في حياة كل إنسان، مما يضمن لك العمل الدءوب المستمر.


الخامسة: التحسين
من منا وهو يعمل لا يكتشف أنه يحتاج إلي أن يتزود في جوانب كثيرة تنقصه؟





من منا وهو يعمل يكتشف أنه درج على عادات وآراء خاطئة تحتاج إلى تعديل؟
من منا وهو يعمل يتمنى لو يعطى جوانب كثيرة مفتقدة فيه؟


فالعمل مصفاة، ومن أجل أن يستمر على كل منا أن يكتشف الجوانب التى تنقصه، والجوانب المفتقدة، وحاجته إلى التعديل والتحسين والتطوير.


وكلما قطع شوطاً في تغطية هذه الجوانب أو تحسينها أو تعديلها، استطاع أن يكتسب خبرة بالعمل تضمن له التواصل، وأن يضع قدمه على أول طريق العمل الدءوب.
أربع أفكار عملية لعمل دءوب:


الفكرة الأولى: التقسيم
من الأقوال المأثورة في تحقيق فكرة التقسيم:
( 3 ساعات عمل صباحاً، و3 ساعات عمل مساءً، أفضل من 6 ساعات متواصلة).
ولذلك ننبه إلى أهمية نوم القيلولة، وهي أن تأخذ قسطاً من النوم بعد الظهر، فكأنك تبدأ حياة جديدة، وبذلك يصبح عندك اليوم يومين لا يوم واحد, وهي من سنن النبي صلي الله عليه وسلم.


الفكرة الثانية: التعقل
من الأقوال المأثورة في تحقيق التعقل: ( العمل والعقل متعب (أو مشغول)، مضيعة للوقت)، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها"، فهل نحن مصرون على إضاعة الأوقات دون أن نستثمرها ونستفيد منها؟، فهي مقطوعة بأي حال، فتقطع باستفادة خير من أن تقطع بلا فائدة.


الفكرة الثالثة: الصعب
من الأقوال المأثورة في تحقيق التعامل الصحيح مع العمل الصعب: (ابدأ بالأعمال الصعبة حين نشاط العقل, بل في أوج نشاطه).


ولذلك يجب تأجيل الأعمال الصعبة لحين نشاط العقل، فكلما كان في أوج نشاطه تفتح الملفات التى صعب التعامل معها من قبل، ونشاط العقل يرتبط بحبك للعمل، أو مرونة العمل وبساطته، أو سهولة طرق أدائه، وبهذا التحايل يمكن للإنسان أن يتعامل بنجاح مع أصعب الأعمال، تنشيط العقل أولاً, ثم استدعاء المؤجل من الأعمال الصعبة ثانياً, والاجتهاد في تنفيذ بعضها، فكل مرحلة نجاح هي إيذان بالوصول إلى النجاح الكامل.


الفكرة الرابعة: لا تنظر إلى النتائج
من الأقوال المأثورة في تحقيق هذه الفكرة: (علينا أن نسعى ولا ننظر إلى النتائج. علىّ أن أسعى وليس علىّ إدراك النجاح).


بل قالوا: حين يقول أحدهم: ( وصلت إلى غايتى في الحياة ) فاعلم أنه يبدأ في الانحدار, أو قد بدأ فعلاً بالانحدار.