ابدأ بنفسك
(يجب أن نُطور ونُغيِّر ونجدد دائمًا من أنفسنا وإلا تحجرنا) جوته.
يشتكي كثير من الناس من أنفسهم؛ فمنهم من يشتكي من قلة صبره وسرعة غضبه، ومنهم من يشتكي من ضعف همته وقصر طموحه، ويسعى آخرون إلى ترك الكثير من العادات التي كان يداومون عليها، ولكن السؤال الذي يُحيِّرُ الكثير ممن يسعون إلى التغيير: كيف إذًا يكون التغيير؟
ممكن أم مستحيل؟
وقبل أن نجيب على هذا السؤال المُلح لابد أن تدرك أن عملية التغيير ليست من العمليات المستحيلة، بل إنها ضرورة يحتاجها الناس في جميع مجالات حياتهم، ولكنها تتطلب الكثير من الجهد، إذ أن المغير يحتاج إلى الكثير من المهارات ليقود عملية التغيير.
فخلاصة القول لما سئل الدكتور على الحمادي: (هل التغيير سهل أم صعب)، أجاب قائلًا: (إن التغيير هو السهل الممتنع، فهو صعب ولكنه غير مستحيل، كما أنه ضروري ويستطيع الإنسان عند تعلم مهاراته وفنونه أن ينجح في تحقيقه).
حدد مفهومك:
إن مفهوم التغيير يختلف من شخص لآخر، فمنهم من يرى أن التغيير هو التطوير، ومنهم من يرى أنه الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، حتى علماء النفس والإجتماع والتربية لم يتفقوا على تعريف واضح للتغيير، فيرى الدكتور كامل محمد المغربي: (أن التغيير هو التحول من نقطة أو حالة في فترة زمنية معينة إلى نقطة أو حالة أخرى في المستقبل).
بينما عرفها كيرت ليوين بأنها (عملية توازن ديناميكي بين مجموعتين من القوى تعملان في اتجاهين متعاكسين في المجال المادي والاجتماعي والنفسي للعمل، وتتضمن إحدى هذه المجموعات قوى دافعة، في حين تتضمن المجموعة المعاكسة قوى مقيدة أو معيقة، ونتيجة لتفاعل هاتين القوتين مع بعضها تصل المؤسسة إلى حالة من التوازن يطلق عليها اسم "الحالة الراهنة").
وبذلك نستطيع أن نقول أن التغيير هو التحول من واقع غير مرغوب فيه إلى واقع آخر منشود خلال فترة زمنية معينة.
أمور لابد منها:
ولكي تتم عملية التغيير بنجاح هناك الكثير من الأمور التي يستلزم أخذها في الاعتبار قبل أن نشرع في عملية التغيير:
أولًا ـ الرؤية:
لابد أن يمتلك الساعي إلى التغيير رؤية واضحة للمستقبل الذي يريد أن يصل إليه، فلابد أن يعي بدقة ما الذي يريد أن يفعله وإلا صار كمن يركب في سفينة وتقذفه الأمواج هنا وهناك وهو لا يعلم إلى أين سيصل.
ثانيًا ـ الرغبة:
إذا لم يشعر الإنسان بأن الواقع الذي يحياه هو واقع مؤلم، فإن حماسته للتغيير ستكون فاترة، ولذا لابد من رغبة حقيقية تدفع الإنسان لأن يسعى إلى عملية التغيير.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي: (ما هو الشيء الذي تريد تحقيقه في حياتك أكثر من أي شيء آخر؟ إذا أردت فعلًا أن تحققه دعه يمشي في عروقك، فكر فيه باستمرار، وخطط له ثم ضعه في الفعل، ومهما كانت التحديات فلا تتركه على الإطلاق، وتذكر أن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا).
ويبين جيمس جوردون أن العائق الأساسي الذي يحيل دون عملية التغيير هو عدم الرغبة في التغير، فيوضح ذلك قائلًا: (الأمر ليس أن بعض الناس يمتلكون الإرادة وآخرون لا يملكونها، بل إن البعض مستعدون للتغيير والآخرون لا).
ثالثًا ـ النظرة المستقبلية:
وذلك بأن يمتلك قادة التغيير قدرة النظر في المستقبل، والتقدير الجيد لم يُمكن أن تُحدثَه عملية التغيير، ولابد أن يحدد قائد التغيير المتطلبات والإمكانات اللازمة لعملية التغيير، كما يجب معرفة وتفهم مشاعر الناس تجاه ما سيحدث جديدًا.
رابعًا ـ الإصرار والمثابرة:
فلابد على المرء الذي يسعى إلى التغيير أن يواصل مسيرته مهما حدث له، فلا يتوقف أبدًا عن العمل الدؤوب المتواصل، مهما كانت الظروف، ومهما كانت العوارض والعقبات تمامًا كما تفعل النملة.
فالنملة عندها إصرار عجيب ونشاط زائد جعلتها يضرب به المثل في النشاط والعمل، فإي نملة يسد من أمامها طريق تراها تسلك طريقًا آخر، فهي لا تيأس أبدًا حتى تحقق أو تصل إلى ما تريده.
وكذلك العنكبوت (فهو عندما تهدم بيته لأول مرة هل يشعر بالإحباط واليأس ويترك الدنيا، ويذهب ليشتكيك إلى اليائسين من العناكب الأخرى؟ أبدًا فهو في التو واللحظة يبدأ في بناء بيت جديد، فإذا هددته مرة أخرى يبدأ في بناء بيت ثالث، وهكذا تستمر الحياة ولا يأس فيها ولا إحباط).
المراحل السبعة لعملية التغيير:
لقد تعددت محاولات الباحثين في تحديد مراحل وخطوات العملية التغييرية، ولو أردنا أن نلخص هذه المراحل في نقاط محدده نقول:
المرحلة الأولى: حدد المشكلة:
وفي هذه المرحلة لن تظهر المشكلة إلا حينما يفتش المرء في نفسه، أو حينما يشعر الفرد بالألم نتيجة إخفاق ما، أو ضياع فرصة ما، أو فشل في تحقيق هدف ما، ولذا يشعر بضرورة ملحة لعملية التغيير، ويستطيع أن يحدد بدقة ما هو السلوك السيء الذي ينوي بتغييره، وهنا يأخذ قرار"ضرورة البدء في عملية التغيير".
المرحلة الثانية: حلل المشكلة وحدد أهداف التغيير:
ويتم في هذه المرحلة الإجابة على سؤال: لماذا حدثت هذه المشكلة؟ فيتم دراسة مظاهر المشكلة، وأسبابها وأبعادها، ثم يتم بعد ذلك وضع نقاط محددة للمراد تحققه، يقول الدكتور علي الحمادي: (إن كل تغيير ليس لديه أهداف واضحة ومحددة فهو تغيير قد ولد ميتًا، أو هو تغيير يخشى عليه الانحراف أو الفشل وعدم الاستمرار).
المرحلة الثالثة: ابدأ في التغيير:
بعد وضوح مظاهر المشكلة وتحديد أهداف واضحة، لابد من البحث عن كيفية تحقيق هذه الأهداف، ثم البدء في العمل في هذه الوسائل التي تعين على تحقيق الأهداف المرجوة.
وفي أحيان كثيرة قد يقف الجهل حائلًا عن التغيير، ولذا فلابد من بذل المزيد من الجهد من أجل التعليم أو التثقيف، فمثلًا قراءتك عن خطر التدخين يعد حافزًا للإقلاع عن التدخين، وكذلك قراءتك عن فضل الصلاة في جماعة تدفع المرء للذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة.
المرحلة الرابعة: قليل دائم خير من كثير منقطع:
لابد وأن يحرص الإنسان على الحفاظ على تلك العادات الجديدة لفترة من الزمن، فقد أثبتت الدراسات أن الناس الذين يلجأون إلى التغيير الكاسح يكون نسبة عودتهم إلى السلوك القديم أكبر ممن يتغيرون رويدًا رويدًا.
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: (أدومه وإن قل) [صحيح مسلم، (216)]، لذا ابدأ في التغيير رويدًا رويدًا، واعلم أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
المرحلة الخامسة: الاستمرارية:
أي عادة جديدة يقوم بها الإنسان تحتاج إلى صبر وإصرار من أجل ترسيخها، وتعويد النفس عليها، فالنفس دائمًا تأبى التجديد وتقف أمامه، ولذا فالمواظبة على سلوك تلك العادة الجديدة أمر في غاية الخطورة، لذا احذر من أن تناديك نفسك بالتوقف وإهمال الاستمرارية في هذا الهدف.
خلاصة القول:
إن عملية التغيير هي أهم خطوة في طريق النجاح، يقول برنارد شو: (التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء).
أهم المراجع:
1. سيطر على حياتك، د.إبراهيم الفقي.
2. التغيير الذكي، د.علي الحمادي.
3. قوة التفكير، د.إبراهيم الفقي.
4. الطريق إلى النجاح، د.إبراهيم الفقي.
منقووووووووول