ظام مشِّي حالك هو نظام يتبعه كثير من الناس للبعد عن المشاكل والمواجهات، على أساس أنه طالما أن الركب يسير فلا داعي للتصادم مع أحد. قد يكون هذا النظام جيد في نظر البعض ولكنه في واقع الأمر نظام يُعبِّر عن سلبية أو خوف أو استسلام أو لامبالاة وبلادة تجاه الآخرين.هذا النظام يتلخص في سكوت الشخص عن خطأ أو عيب يراه خوفا من التداعيات. الكثير منكم سيقول أن هذا النظام لا نستغنى عنه لأن البديل صعب للغاية وسيعرضنا لما لا طاقة لنا به.ولكن هل فعلا نظام مشِّي حالك هو الحل؟هل يصلح هذا النظام مع الزملاء في العمل وفي الشارع؟ هل يصلح مع الجيران والأصدقاء؟ هل يصلح في الحياة الزوجية؟هل السكوت عن خطأ تراه عيناك أو وضع يضايقك هو الحل العملي لمشاكل حياتك حتى تحيا في حالة من الإستقرار؟ولو كان سكوتك هو حلك لتجنب مشكلة من غيرك فماذا عنك أنت؟ أليس هناك مشكلة أخرى يسببها لك من أمامك وتحاول بصمتك أن تدفنها حية داخلك؟ ألا تعيقك هذه الموءودة عن حياة هادئة هانئة؟ ألا يعيقك صمتك حتى أصبحت تشعر أنه قيود تكبلك؟قد يرد البعض بأن هناك من يقول ويفعل ولا يتغير شئ، أو هناك من يقول ويفعل فتنقلب حياته رأسا على عقب ويفتح على نفسه جبهات من نار بعد أن كانت ساكنة. ولكن كما قلت في موضوع سابق إذا قلت أو فعلت فقد قمت بما أمرك الله به وعليك أن تنتظر أجرك على ذلك منه سبحانه وليس من بشر، وستجد التغيير حتما ولو جاءك من حيث لا تحتسب، ولو عانيت من أجله فإن بصبرك وإحتسابك تمر الأزمة وتجني ثمار هذا الصبر. والإنسان مبتلى سواء تجنب جبهات المواجهة أو واجهها لذا فمن المصلحة الإقدام على المواجهة فعلى الأقل ستكون معاناة تصحبها نتائج بدلا من المعاناة ويبقى الحال على ما هو عليه.في رأيي أنهإما أن أحب حياتي أو أن أتأقلم لأحبها أو أن أعمل لأغير الحياة إلى ما أحبما أقصده من الحياة هو الظروف المحيطة والنعم التي أنعمها الله على كل واحد منَّاأما الحب هنا فهو الرضا، ولكن أحيانا ما يخطئ الإنسان فيقول أنني راضي وفي داخله سخط شديد أما التعبير عنه بالحب في رأيي فهو يعني الرضا الذي يجعل القلب سعيد ومحب لحياته.والحياة المناسبة من وجهة نظري هي التي تساعد على بناء الأهداف والعمل والإنجاز وهي التي تستطيع بها أن تتغلب على أي إعاقة نفسية أو بدنية بدون أن تحتاج لتحمُل ما يفوق طاقة البشر.شرع الله كله يسير في هذا الإتجاه حيث أنه يضمن للإنسان الذي إلتزم بما أمر به الله ورسوله حياة هادئة، وأوجد لكل رغباته واحتياجاته ما يسدها من حلال، ونظم له قواعد الحياة بالشكل الذي يناسبه على أساس أن يخرج الإنسان من بيته في حالة من الإستقرار وهو مرتاح البال قوي النفس لينشر الحق والعدل بين الناس ويعمر الأرض بما يرضي الله.نظام مشي حالك يشجع الناس على الظلم فالإنسان الظالم ظَلَم لأنه لم يجد من يخاف منه، فهو يعرف أنه إذا ظلم لن يرده أحد لعلمه أن الناس تفضل الهروب والإستسلام بدلا من المواجهة، فإذا داوم الناس على الوقوف أمام أي ظالم بإيجابية لوجه الله تعالى، سيخشى الظالم أن يظلم خوفا من رد الفعل.
وبطبيعة الحال يكون رد الظالم صعب فاحتمالات الأذى كثيرة والمخاوف من وقوع شر منه كثيرة ولكن الإنسان إذا كان مؤمنا بالله حق الإيمان فهو يعرف أن الله هو سنده ويقينه في ربه خالقه وفي قدرته تجعله يحتمي به وهو يعرف أن الله لن يضيعه.
هذا الإحساس واليقين لا ياتي من فراغ بل يأتي من مشاهد يراها في حياته يعلمه بها الله ليرسخ الإطمئنان في قلبه فيكون معتادا على قدرة ربه ومعتادا على الإستمتاع بصفاته وأسمائه عند الإنكسار له والإستسلام لجلاله سبحانه. لذا إذا أتى وقت الوقوف أمام ظالم يستطيع ببساطة وبنفس الإطمئنان الذي يعيش به أن يقف موقفا دون خوف ليرد الظلم عن من حوله بحول الله وقدرته، فيفعل الفعل ويعتقد الناس أنه هالك ثم تجد الله سبحانه يسَيِّر الأحداث بشكل غريب في صالح هذا العبد الطائع الذي لم يُرد إلا وجه الله من عمله، فإن الله لا يُمَكِّن ظالما من عبده أبدا بل ينصر عبده المؤمن ويعزه، طالما أن هذا العبد يحمل بين أضلعه قلب طائع يحتمي بالله.

نظام "مشِّي حالك" يتناقض مع أهم قاعدة في الإسلام وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) – آل عمران

لاحظ هنا أن آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقع بين آيتين كلاهما يحثَّان على عدم التفرق، أي أن المسلم إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو يفعل ذلك بأسلوب يضمن به تماسك المجتمع وترابطه لأنه بطبيعة الحال إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وهو يسئ إلى الناس فقد خسرهم ولن يبقى له من يسمعه وسيصبح ما يفعله بلا معنى أو هدف. لذا فمن أهم ما يجب فعله لتحقيق أكبر منفعة هو عدم السكوت على شئ يراه سواء خيرا فيشجعه وينشره أو شرا يمنعه. كل ما هو مطلوب منه أن يحاول مع الوضع في الإعتبار أنه مجرد مُبَلِّغ أو مجرد سبب، دون إلحاح ودون إكراه أو متابعة مزعجة، ويجب أن يضع الإنسان في اعتباره أيضا أن سيره في الأرض بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في معيشته وفي عمله ومع أسرته وجيرانه وأصدقائه هو خير دعوة.
إلتزامك أنت بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدم السكوت على الخير أو الشر يؤثر في الناس من حولك بشكل آخر فوجودك في مكان ما مع معرفة الناس بك سيجبر بعضهم إلى التعامل بشكل معين يتفق معك إما إحتراما لك أو تجنبا لسماع ما لا يريد سماعه منك. فإذا كان وجود فردا واحدا يستطيع أن يصنع ذلك فما بالكم بما سيفعله أكثر من فرد على خلق حسن داخل المجتمع.ونظام مشي حالك لا يتفق أيضا مع هذا الحديث لرسول الله "عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان).أي أن رؤيتك لمنكر إما أن يكون لك فيه رد فعل بيدك أن تفعله وتغير به الحال أو كلمة تقولها تنصح بها أو شهادة حق أو ردع بالقول إذا احتاج الأمر، وأضعف الإيمان هو بالقلب وكما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله "تغيير المنكر بالقلب يعني أن لا تميل له بقلبك على أن يظهر ذلك في معاملتك له"، لأن الذي يرتكب منكرا لو شعر أنه منبوذ ممن حوله فقد يسأم هذا الحال ويغير من سلوكه ليتناغم مع مجتمعه مرة أخرى، لكن مرتكب المنكر إذا وجد أن المجتمع يقبله ويشجعه سيزيد فيما يفعله.وفي النهاية نظام مشي حالك لا يحل المشكلة وإنما يؤجلها إلى وقت آخر،ولكن عامل الوقت غالبا ما يكون عامل يساعد على تصعيد المشكلة وليس إخمادها.