رعب ، خوف ، قلق .. كل هذه المشاعر تمتلكني فور سماعي جملة " سارة .. لديك موعد عند طبيب الأسنان " .. آآه كم أكره تلك الجملة، إنها بمثابة إبرة تنخر روحي و أفكاري و تهزّ كياني لمجرد سماع كلمتي " طبيب .. أسنان " ، فسرعان ما أتخيل تلك الأدوات المخيفة التي تمتدّ على المنصة بجانبه و كأنّها أسلحته التي ينزل بها في أرض المعركة ... ألا وهي " فمي " . و تلك الأداة التي تسود الأدوات جميعها بمقدار الألم الذي تحمله .. نعم إنها " الحفارة " .. أشعر و كأنها تحفر خندقاً ما في فمي كلما أدارها الطبيب في إحدى ضروسي . مــؤلم ... ألم !! هذا ببساطة ما أشعر به و أنا ممددةٌ على هذا الكرسي الذي يتحكم به الطبيب .. و كأنه سجن عسكري فعلا !


و بما أنّ الامر لا مفرّ منه ، فكل صباح سبت علي أن أستيقط عند هذا الطبيب ، أنا لست ضدّه كشخص ، إنما كمهني بهذه المهنة المؤلمة.. لذلك استيقظت في صباح إحدى " السبتات " لألتقي به كعادتي و أتذوق فطوري بطعم عيادته المليئة " بطعم الأسنان " و بأدواته المليئة بالنكهة ذاتها ، و كنت طوال الطريق أتخيل تلك الحفارة تنزل و ترتفع في ضرسي .. ثم تخرج لأبتسم للتخلص منها ، لكنها سرعان ما تعود بأداة أخرى من صديقاتها الشريرات .. كنت أكوّن سيناريو كامل في عقلي طوال طريقي إلى عيادته حول كيفية حدوث هذه المعركة التي دئماً ما تخرج فيها تلك الأدوات مع قائدها الطبيب بالنصر .. و أمنى دوماً بالهزيمة. نعم ، قررت أن أنتصر في ذلك اليوم . سأنتصر حدّثت نفسي و انا لا أعلم كيف !!




فكرت قليلاً .. لأتذكر حصة " الحاسوب " ، نعم إنني أمقت هذه الحصة و أتمنى الموت في ال 45 دقيقة التي أقضيها فيها .. حصة موت بطيء بلا أدنى شك .. بعيدة كل البعد عن عالم الحاسوب الذي أعشقه .. على أية حال ، تذكرت كيف أخلص نفسي دوماً من هذا الألم المعنوي في هذه الحصة ، إذ أقوم دوماً بالركوب مع أي قافلة من القوافل التي تكون مسافرة بفكرة ما في عقلي الذي لا تهدأ حركة القوافل في شوارعه .. لأسافر معها في فكرة جميلة ، و أسرح بعيداً حيث تأخذني قافلة الأفكار تلك .. و هكذا تمرّ ال 45 دقيقة مرور الكرام .. دون أي إزعاج أو ألم نفسي و معنوي !


طبّقت هذه الفكرة عند طبيب الأسنان ، لمحت قافلة من قوافل أفكاري ، ركبت معها و أغمضت عيني ، و تركت المعركة الثائرة التي تجري داخل فمي تعمل ، لقد غضضت الطرف عنها و أهملتها .. لم أعطها كل تلك الأهمية ، تركتها تصارع مع نفسها دون أن أدع لأفكاري و أحاسيسي نصيبا من هذه الآلام ، و ما إن فتحت عيني حتى وجدت الطبيب قد أطفأ الضوء الذي كان يخترق عيني المغمضتين، و خلع قفازيه بعد أن انتصب واقفا و ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه ، ثم أردف قائلا :


- أهنئك يا سارة ... لقد حفرنا 4 طواحين اليوم و حشوناها بحشواتٍ مؤقتة دون إبرة بنج !! ..لم أتوقع أن تتحملي هذا الألم ..أنت رائعة !


نظرت إليه بفرح .. نعم فعلاً، أنا المنتصرة في هذه المعركة اليوم، لقد غلبت الألم الذي منبعه أفكارنا السلبية .. كانت زيارة رائعة دون ألم أو خوف .. شعرت بأن الطبيب صديقي حقاً ، لقد أعاد تنظيم صفوف جيشي البيضاء دون ألم !! .. لقد كانت الهواجس و الأفكار السلبية هي مصدر كل هذه الآلام التي قد تكون وهمية في بعض الأحيان !!