كثيرا ما تأتي أيام‏,‏ لتحاصرنا ويسيطر علينا فيها عدد من الأفكار والمشاعر السلبية‏,‏

وهي عديدة‏,‏ كالغضب‏,‏ الكراهية‏,‏ الخوف‏,‏ الشفقة على النفس‏,‏ الريبة والشك‏,‏ لوم

النفس والندم‏,‏ الغيرة من الآخرين‏,‏ عدم الثقة بالنفس وغيرها مما يعكر علينا صفو حياتنا‏.‏


هذه المشاعر عندما تحتلنا لا تجعلنا فقط نحيا أوقاتاً تعيسة‏,‏ وإنما قد تسبب لنا أيضا

مشكلات جسدية‏,‏ فالغضب أو الكراهية علي سبيل المثال يمتلكان قوة هائلة قد تدمر

جسم الإنسان‏.‏لهذا كله ينبغي أن نتعلم ألا نخوض في الجوانب السلبية للحياة‏,‏ وأن

نصبح أكثر مرونة وتقبلا لما يحدث لنا‏.‏ وهذا هو ما تساعدنا عليه تحقيقه المؤلفة سيلفيا

براون في كتابها كيف تتعامل مع المشاعر السلبية؟ حيث تحاول مساعدة القارئ علي

كيفية تفهم المشاعر السلبية التي تنتابه وتأثيرها عليه وكيف يتغلب عليها‏.‏

في البداية‏,‏ تركز المؤلفة علي قاعدة أساسية وهي أن الأفكار المسبقة والمقوليه التي لديك‏,

‏ هي التي تخلق مشاعرك واتجاهاتك نحو الأشياء والأشخاص‏,‏ وبالتالي تتحدد سلوكياتك

نحوهم‏,‏ وهذه دائرة مستمرة لا تنتهي‏,‏ فإذا أردت أن تتحكم في مشاعرك وسلوكياتك‏,‏ فعليك

أولا أن تراجع أفكارك أو بمعني آخر الطريقة التي تفكر بها ‏,‏ وهل هي إيجابية أم سلبية .‏


ويشير الكتاب إلي أن طريقة تعاملنا أو تعبيرنا عن المشاعر التي تنتابنا‏,‏ تتحدد منذ الطفولة

ووفق ما تم اكتسابه وتعلمه من خبرات في البيئة المحيطة‏,‏ هذا ما يجعل شخصا محبطا يعبر

عن إحباطه في شكل ثورة عارمة‏,‏ في حين يكبت شخص آخر هذه المشاعر بداخله‏,‏ فيصاب

بصداع حاد‏,‏ وكل ذلك يتم بطريقة أوتوماتيكية دون تفكير‏..‏ يدخل فيها مخزون العقل الباطن من

تداعيات وتجارب خلفت انطباعات سلبية‏.‏


ولكي تتمكن من السيطرة والتغلب على مشاعرك السلبية‏,‏ لابد أولا من اعترافك بها‏,‏ فلا

تنكرها أو تتهرب منها أو تدعي أمام نفسك أنها غير موجودة‏,‏ فكل تلك الأساليب النفسية

محاولات وقتية للتغلب علي المشاعر السلبية‏,‏ ولكنها في الحقيقة ستظل بداخلك وتؤرقك‏.‏


فالإنكار يمنعك من حل المشكلة التي تواجهك‏,‏ كذلك فمحاولة إيجاد التبريرات لبعض المواقف

والتصرفات لجعلها تبدو منطقية بالنسبة لك‏ ,‏ لن تنجح كل الوقت‏,‏ ولهذا يجب عليك عند

شعورك بالغضب أو الإحباط أو الضيق أن تحدد بالضبط ما الذي أدي إلي هذا الشعور‏,‏ فهل

السبب ما حدث منذ دقائق أم أن الأمر يرجع لأشياء قديمة متراكمة؟‏!‏


قم بالحديث مع صديق أو أحد أفراد العائلة أو حتى مع أخصائي نفسي وإن تعذر ذلك ادخل

إلى نفسك وكن صادقا أو افتح ملف عقلك الذي يكمن داخلك‏,‏ أو حاول التعبير عن مشاعرك

بالكتابة‏,‏ فهذا يقلل من حدتها وأيضا حاول التركيز علي منطقة القلب في هذه الأوقات‏,‏ فقم

بالتنفس ببطء‏,‏ ومع كل شهيق حاول التركيز بعمق وأدخل الزفير من أنفك وأخرجه بعد حبسه

عدة ثوان من فمك‏,‏ فالعلماء يقولون إن التركيز علي منطقة القلب في هذه الأوقات يقلل من

مخاطر التوتر على الجسم‏,‏ اعمل علي تقبل ما يحدث ولا تجهد نفسك في إيجاد الأسباب

والسعي لتغيير ما يحدث لأنك لن تتمكن من ذلك في بعض الأحيان‏.‏ حدد بعض السلوكيات

السلبية التي تقوم بها ‏,‏ مثل إتباع الآخرين في كل شيء‏,‏ في التبذير‏,‏ الإفراط في العمل

أو الأكل‏,‏ أو غير ذلك من التصرفات‏,‏ فإذا تمكنت من تحديد المشاعر التي لديك وتجعلك تتصرف

بهذه الطريقة قد تتمكن من تغيير هذه السلوكيات‏.‏

الغضب


وبالحديث عن المشاعر السلبية كل على حدة بشكل أكثر تفصيلا‏,‏ تتناول المؤلفة شعور

الغضب أولا‏,‏ وتصفه بالنار التي تقضي علي الأشخاص والعلاقات‏,‏ هذه النار يشعلها الشعور

بالاستياء أو الامتعاض أو العجز‏,‏ وتجاهل هذه المشاعر ـ كما ذكرنا سابقا ـ لا يجعل الغضب

يختفي‏,‏ وإنما يصبح كامنا في انتظار أي فرصة لتشعل ناره‏,‏ فتجد نفسك في لحظة ما حانقا‏,

‏ تتفوه بأبشع الألفاظ والكلمات دون سيطرة على نفسك‏,‏ والمحاكم تعج بالأشخاص الذين لم

يتمكنوا من التحكم في غضبهم‏.‏


وبالمناسبة فإن الغضب يمكن أن يكون له قوة إيجابية‏,‏ ليس في تغيير الآخرين‏,‏ وإنما تغيير ذاتك‏,‏

فمثلا قد تجد نفسك غاضبا عندما لا يراعي الآخرون احتياجاتك‏,‏ فهذه مسئوليتك فأنت المسئول

عن الطريقة التي يعاملك بها الآخرون‏,‏ وأنت الذي تحدد الطريقة التي يعاملونك بها‏,‏ وما تقبله أو

ترفضه في العلاقة‏ ,‏ ولهذا يجب أن تفعل ما عليك أولا قبل أن تلوم الآخرين‏.


الخوف


وعن مشاعر الخوف‏,‏ وهي تنبع كلها من العقل‏,‏ ففي حين يقع أحد الأشخاص مغشيا عليه

عند رؤيته لصرصار‏,‏ يعتبره شخص آخر شيئاً عادياً ‏,‏ وبرغم أن مخاوف الإنسان تتشكل على

مدى طويل‏,‏ فإنه يمكن التغلب عليها في ساعة أو ساعتين‏!‏


عندما تشعر بالخوف‏,‏ ركز علي مظاهر الشعور به التي تطرأ على جسدك‏,‏ فقلبك ينبض بعنف‏,

‏ ومعدتك تنقبض بشدة‏,‏ وشعرك يقف لأعلى ‏,‏ حيث يقال إن التركيز علي التأثيرات الجسدية

للخوف‏,‏ يجعل الشعور به يتلاشي تدريجيا‏,‏ فحاول أن تعيد كل شيء إلي طبيعته‏,‏ قلبك وهو

يبطئ بنبضاته‏,‏ معدتك وهي تعود إلى وضعها الطبيعي‏,‏ شعرك عندما ينسدل لأسفل ‏,‏ عليك

أيضا أن تفكر في الآثار الطبية التي ستعود عليك عندما تتغلب علي شعورك بالخوف‏,‏ وبالتالي

الشعور الرائع بمدي قوتك وقدرتك علي قهر خوفك‏.‏


الحزن



الحزن أيضا من ضمن المشاعر السلبية‏,‏ وهو شعور طبيعي يحس به الجميع ‏,‏ سواء عند

فقدان عزيز‏,‏ أو التعرض للإحباط وخيبة الأمل‏,‏ أو عندما يحدث شيء سيء للإنسان أو

المحيطين به‏,‏ أو عند الشعور بالوحدة‏.‏ وعندما يشعر الإنسان بالحزن يري الدنيا سوداء وقاسية

ولا معني لأي شيء يقوم به‏ ,‏ وقد يريح البكاء ‏,‏ كما أن الحديث عما يسبب لك الشعور بالحزن

عادة ما يساعد في تلاشي الشعور‏,‏ وهنا يشعر الإنسان كأن أحمالا ثقيلة قد زالت عن كاهله‏.‏



إعادة النظر في تقويم ذاته

وهذا لا يعني أن ترى نفسك إنسانا مهما أو عظيما أو كاملا ‏,‏ وإنما يعني أن ترى نفسك جديرا

بحب الآخرين واحترامهم وقبولهم لك ‏,‏ وتقدير الذات مهم جدا لتكون مقتنعا بذاتك وبإمكانياتك‏,‏

وهذا ما يعطيك الدفعة لخوض تجارب جديدة دون أن تخشى شيئا‏,‏ فأنت مؤمن بقدراتك‏,‏ حتى

إذا وقعت في خطأ ما‏,‏ ولهذا فإن تقدير الذات يمكنك من اتخاذ قراراتك بإصلاح هذا الخطأ دون

الاعتماد على أحد ولهؤلاء الذين يتعللون بأن الحياة مليئة بالمواقف السلبية ‏,‏ والتي لا يملك

حيالها سوى التفكير بسلبية‏ ,‏ تأكدوا أن رؤيتكم للأمور هي التي تحدد ما إذا كانت سلبية أو

ايجابية‏,‏ أو كما نقول وفقا للنظارة التي ترتديها على عينيك‏,‏ هل هي سوداء أم وردية؟ وتذكر

دائما أنك إذا توقعت حدوث الأسوأ دائما‏,‏ فستحصل عليه