كيف تصنع .....؟
و
كيف تكسر ......؟



يفقد الانسان الشعور بالأمن والاطمئنان ويغلب عليه الشعور بالعجز للسيطرة على واقعه لفترة طويلة تتولد لديه الشعور بالدونية وفقدان الثقة بالنفس فهي السمة الغالبة على مشاعره وأفكاره وسلوكه ( شخصيته ). فيعاني من الشعور بانعدام الكفاءة الاجتماعية حيث يشعر انه اقل ( مكانة ) في كل المعايير نسبة للآخرين ، و دون المستويات الأخرى ، وتسيطر عليه مشاعر عدم القدرة والمبادرة، ولذلك يتجنب المجابهة والمواجهة مما يؤدي به إلى الانحسار ضمن مواقع ضيقة ، والغوص في العزلة الاجتماعية، او التبعية والالتصاقية لفرد أخر او مجموعة يرى إنها أكثر منه ثقة بالنفس ، واصلب إرادة وعزيمة. وبهذه الوضعية يتغلب عليه فقدان شعور احترام ذاته ،وهيمنته الروح الانهزامية والتبعية والانصياع للآخرين. يرى مصيره معرضه لأحداث تهدد أمنه في كل لحظة وساعة ويوم ، وتظهر على قدراته.... ، تزلزل شعور الطمأنينة على عافيته ووضعه المالي والعائلي والعملي وعلاقاته الاجتماعية .فالإحساس بالإرادة والقدرة على المواجهة المعتدلة الرزينة هي التي ترفد حياة الانسان بالروح المعنوية والطاقة والهمة للانجاز وبالتالي الشعور باحترام الذات واحترام الاخرين والقدرة على الكفاح واستمرار الحياة بكل سعادة .

ونتيجة لهذه الحالة فان الشخص الذي يعاني من تدني الثقة بالنفس ينظر إلى نفسه بالمغلوب على امره ، استسلامي ، تجنبي ،وانهزامي لا يستطيع المجابهة كي يبقى في حالة سكون. و يزداد طغيانه الانفعالي المتسم بالتوتر ويخشى سوء العاقبة دائما ، انه اليأس من إمكانية التغلب والانتصار على الظروف والأوضاع والمهام والتحديات .

وبهذه الطريقة يفقد وجوده وتأثيره الايجابي في الحياة ، والمقدرة على التغيير، ويهيم في مستنقع التمنيات والحظوظ ،مما يؤدي به في نهاية الأمر إلى الاتكالية على جهة أخرى (فرد او مجموعة ) من الأشخاص يرى فيها المنقذ لحياته وأوضاعه ، وصاحبة القدرات على التغير والمواجهة . فيتعلق بها او يصبح تابعا لها في شؤون حياته .....انها (مثله الأعلى) ..إنها تماما كعلاقة ( العبد مع سيده ) ، انه الانسان الذي لا يستطيع تحمل المسؤولية عن ذاته والآخرين فهذه العقدة تجعل هاجس الخوف متحكما بزمام أموره ، الخوف من كل شيء من نفسه ، من الاخرين ، من الظروف ، من المجابهة ، وبذلك يتجنب كل ما هو جديد ا،و أي تغيير، تنحصر حياته في المألوف فقط ، لان التغيير والتجديد مصدر قلق وإزعاج له وانعدام الأمن ، ولذلك نجده متمسكا بكل ما هو مألوف وقديم وتقليدي ، والامثله على ذلك كثيرة ، تظهر في مظاهر اجتماعية في حياتنا حينما لا يستطيع هذا الانسان كمجموعة او أفراد بسبب زعزعة الثقة بالنفس على الحديث والطلب إمام الآخرين فيتخذ ممن هو أكثر ثقة بنفسه ليقوم بهذا الدور. فهذا الشخص المنتدب يجد من خلال هذه الفئة من الناس (ذوي الشعور بالدونية) خميرة يمتطوها ارضاءا لنرجسية ما يعانوه في كيانهم النفسي ليزدادوا شأنا أمام الاخرين.

وتظهر أيضا هذه العقدة في موقف الكثيرين تجاه العلم او التقنية التكنولوجية ، فهو في وضع استباقي ، متخوف للإحساس والاعتقاد بالعجز عن استيعاب وسائل التكنولوجيا مثل الكمبيوتر والانترنت وسياقة السيارات ،او تشغيل آلة او تجنب التعليم .
.. انه يقع في حالة ارتباك وانهيار ليهرب منها او يقبل عليها بهاجس خوافي ،انه يرى في كل جديد عالما غريبا يفوق عالمه .
وهذه العقدة ليست مقتصرة على الأفراد بل في كثير من الأحيان تسود المجتمعات او العائلات، ولذلك ليس من الغريب أن نجد بعض الأشخاص (من ذوي المهام والقدرات ) ممن يتبعهم أصحاب تدني الثقة بالنفس ظاهرة الاستفحال ليوقعوا بهم الاستغلال ،والابتزاز، والاستهانة ، لأنهم يرون في أصحاب هذه العقدة ان لا مناص لهم الا التبعية ،والاتكالية ،ويدركون أنهم أن تخلو عنهم ستحل بدارهم كل الهواجس الخوافية ،والعزلة ،والاستكانة ،والعجز فلا بد ان يبقوا في حالة من الرضوخ و التبعية مادام هذا حالهم .

فإذا كنت تعاني من هذه العقدة ، فاعلم انك تخاف من نفسك ، وانك تصنع مشروعا وهميا هو الخوف يؤدي بك إلى عقدة الدونية والشعور بالنقص ، وكلما مر الزمان يكبر هذا المشروع ويتشعب ليصبح همك وشغلك الشاغل ( انه مشروع مرضي واعتلالي نفسي ) . لا بد ان تتخلص منه وتركله ، فالشخص الذي تتبعه بنظرك ذو قدرات وهمة وعزيمة ، يواجه مخاوف مثلك تماما ولكنها من نوع آخر: الخوف من البقاء وحيدا بدون إتباع ، الخوف من فقدان إشباع نرجسية شخصيته او جرحها (الإطراء ،والمديح ،والشعور برفعة المكانة الاجتماعية ، موضع اهتمام الاخرين).
فبسلوكك الناجم عن فقدان الثقة بالنفس (.....) أنت تعالج مخاوفه ؛ وبالتالى فأنت مجرد أداه تخدم أغراضه النفسية ، فانتفض بنفسك من براثن هذا الشعور الاعتلالي ، وثق بنفسك أكثر ، وحطم ذلك ( المشروع الوهمي ) الذي تتربع فوقه، اكسر الحواجز النفسية التي صنعتها بيدك ،وانهض بنفسك لتواجهه الحياة . ولا تثني من عزيمتك انتقادات الآخرين فالشجرة المثمرة ترمى بالحجارة في المجتمع المتخلف في حين ينظر إليها بابتهاج واستمتاع وإعجاب وعناية في المجتمع المتحضر .