نمط الشخصية يتشكل منذ سن مبكرة ويكتمل عند سن الرشد وقد يكون نمطاً سوياً (طبيعياً) في كثير من الأحيان وقد يكون هناك بعض السمات من هذه الشخصية أو تلك ( مثل الاعتمادية ، الوسواسية ، الشكاكة ، الهستيرية ) .
ولكن عندما يكون الانحراف عن خط السواء (الخط الطبيعي) كثيراً فإن هذه السمات تتركز بشكل مكثف ، فنقول عن فلان أنه مصاب باضطراب في الشخصية من النوع الوسواسي أو الاعتمادي مثلاً .
ومع أن شيئاً من الشك يعد أمراً طبيعياً في كل إنسان مما يبعث علي الحذر إلا أن الشخصية المضطربة بالشك (الشكاكة) تتسم بالصفات والعلامات التالية :
1- الشك بدون دليل مقنع أن الآخرين يستغلونه أو يريدون له الأذى أو يخدعونه .
2- شكوك مسيطرة في ولاء أو إمكانية الثقة بالأصدقاء أو الزملاء …
3- التردد كثيراً في إطلاع الآخرين على أسراره خوفاً من أن تستغل يوماً ما ضده بشكل أو بآخر .
4- تفسير الأحاديث أو الأحداث بأنه يقصد منها شيئاً سيئاً أو أن وراءها نواياً خبيثة .
5- الحقد المستديم وعدم القدرة على الصفح أو الغفران .
6- يرى في أي شيئاً يحدثه ن حوله تعدياً عليه أو إساءة له ويستعجل في الرد بغضب أو " هجوم مضاد " .
7- شكوك متكررة في الزوجة بدون دليل واضح.
في هذه الحالة لا يأتي الإنسان بشيء لا يصدقه العقل وإنما يلوي أعناق الأحاديث والأحداث ويرى من خلالها ما لا يراه الغير، ويحمّل الأمور ما لا تحتمل . كذلك فإن هذا التوجه في التفكير والانفعالات والسلوك يشمل جميع نواحي الحياة وكل الناس بدون استثناء وإن كان نصيب البعض لسوء حظهم أكثر ( مثل الزوجة والأبناء والأقارب والزملاء ) .
من ناحية أخرى فإن هناك مرضاً يدعى الاضطراب الضلالي أو(الشك المرضي), وهو لا ينمو مع المرء منذ صغره و لا يشمل جميع الناس وجميع جوانب الحياة بل يرتكز على فكرة معينة تصل إلى درجة الاعتقاد الجازم وهذه الفكرة أو هذا الاعتقاد يسيطر على المصاب إلى درجة أنها تصبح شغله الشاغل ويصبح همه دعمها بالأدلة وجمع البراهين ، وهذا الاعتقاد لا يكون عادة إلا في أمور محتملة الحدوث مثل الخيانة الزوجية أو مكيدة في العمل …, ولكن هذا الاعتقاد لا يوجد دليل كاف عليه ولا يمكن لأي شخص إقناع المريض بأن هذا الاعتقاد مجانب للصواب . كذلك فإن المريض يقوم بالتصرف بناءاً على اعتقاده الخاطئ ويتخذ كل الإجراءات بالتحري والتقصي والمراقبة " للقبض على المتهم متلبساً " أو لحماية نفسه في بعض الأحيان من ظلم أو أذى قد يحدث له .
فمثلاً قد يقوم بالتجسس على زوجته ومراقبة التلفون والعودة من العمل في غير الوقت المعتاد والسهر في الليل وتركيب أقفال غليظة وتفتيش المنزل , والويل ثم الويل لو عاد فوجد فنجانين مثلاً للقهوة فليس هناك تفسير ممكن في نظره إلا أن رجلاً كان بصحبة زوجته ، ويبدأ في جمع الأدلة حتى تكبر و تتعاظم وقد يبدأ في إيذاء زوجته وتعذيبها أو حتى قد يقع الطلاق بينهما .
والزوجة المصابة مثلاً تشك في كل تصرفات زوجها فإن تأخر في العودة من العمل فهو مع أخرى وإن كان هناك بقعة على ملابسه فلها تفسير غير بريء أيضا ً , ثم إنها قد تستيقظ في الصباح الباكر لتلمس السيارة وترى إن كانت ساخنة فإن هذا دليلاً على أنه قد استيقظ وتسلل لمقابلة أخرى وهي نائمة وهي كذلك تفتش ملابسه وأوراقه وسيارته … الخ . وكل شيء غير معتاد يعد دليلاً لا يقبل الجدل على الخيانة .
وبعد هذه الأمثلة الصارخة فإن هذا الرجل المريض أو المرأة المريضة قد يبدون أسوياء تماماً في ما عدا هذا الموضوع مدار الشك ، فالرجل عاقل رزين سوي مع زملائه وأصدقائه والمرأة كذلك في عملها ومجتمعها .
وما من شك أن من يعاشر المريض بالبارانويا أو الشخصية الشكاكة هو من يقع عليه الأذى فالشكوك لا تحتمل , والشعور بأنك تحت المجهر في كل حركاتك وسكناتك أمر لا يطاق , وترددك في أن تقول شيئاً أو تفعل شيئاً خوفاً من أن يساء فهمه أو أن يتخذ دليلاً عليك أمر يدعو للأسى .
لذلك تسوء العلاقات وتتفكك الأسر ويحدث الطلاق ويكثر القلق النفسي والاكتئاب وينحرف الأطفال والمراهقون لعدم وجود الجو الأسري المريح و القدوة الحسنة .
والحقيقة أن البارانويا يمكن علاجها بالعقاقير المضادة للذهان وهي لا تسبب الإدمان أو التعود , والمستحضرات الحديثة منها مأمونة العواقب وليس لها أي أضرار جانبية على المدى الطويل على حد علمنا في الوقت الحاضر ، ولكن المهم أن يقتنع المريض بأن يذهب إلى الطبيب النفسي !