عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
كيف تصبح مبدعا؟
كيف تصبح مبدعا؟
داليا رشوان ما هو الإبداع؟ هل هو الخروج عن المألوف كما يظن البعض سواء كان هذا الإنحراف إيجابيا أو سلبيا المهم أن يكون غريبا؟ لا اعتقد ذلك.
الإبداع الحقيقي من وجهة نظري هو إيجاد حل بسيط غير مألوف لمشكلة تواجهك والشخصية المبدعة هي التي تكرر هذه الحلول حتى أصبحت جزء من شخصيتها
هذا التعريف يحمل جزئيتين هامتين وهو أن الإبداع حل وأنه في إتجاه التيسير. لذا فإن الإبداع هو معنى إيجابي ولا يجوز إطلاقه على توجهات سلبية وليس كل الخروج عن المألوف إبداع.
حديثي هنا لا يتعلق بالإبداع الفني فالإبداع الفني مجال ضيق جدا وله مواصفات خاصة به أما الشخصية المبدعة فمجالها جميع نواحي الحياة.
الإبداع هو أن تسير في الاتجاه المنطقي الذي يسير فيه الناس فإذا واجهتك مشكلة فإنك تغير إتجاه إدراكك وتتحول إلى طريق آخر بشكل لا يتوقعه أحد.
لتفعل ذلك تحتاج في البداية بحسب المثال السابق أن تسير مع الناس بمعنى أنه يجب أن يكون لديك العلم الذي تواكب به مسيرة الناس من حولك حتى تتحين الوقت المناسب الذي تحيد فيه عنهم لتخرج بأفضل الحلول وأيسرها.
والعلم هنا له معنيان أولهما هو العلم بسنن الله في كونه لأنها الحقيقة الوحيدة التي تستطيع ان تبني عليها أفعالك وتطمئن لنتائجها فإذا تعلمت سنن الحياة تعلمت معها الحل الأمثل لمشاكلك وأنت على علم مسبق بالنتائج يقينا في الله سبحانه. وعلم سنن الله في أرضه يعني العلم بأسباب نصر الله للمؤمن والعلم بأقدار الله وإدراكها على أنها كلها خير والإمتثال لها بشكل إيجابي والعلم بجوانب الإبتلاء ونتائجه ووعود الله للمؤمنين، كل هذا تستطيع أن تستشفه من قراءتك في سيرة رسول الله وفي القرآن ومن قصص القرآن ومن التأمل في أحوال الناس من حولك وبالقراءة في تاريخ من سبقك قراءة تحليلية معتمدة على شرع الله.
وثانيهما علم الدنيا وهو فرض على جميع المسلمين أخذا بأسباب الإرتقاء في الأرض، فعلى الطالب أن يجتهد في دراسته ويحاول أن يحصل من العلم بقدر طاقته حتى يخرج إلى الحياة العملية قويا محصنا بعلمه وعلى العامل أن يجتهد في عمله وأن يرتقي بقدراته وعلمه ويتقن في عمله.
بعد عملية العلم تحتاج لأن تعتاد عمق التفكير فلا تكتفي بالواضح السطحي لأن أحداث الحياة مثلها مثل الجبل الجليدي لا يظهر منها إلا 1% من حجمها والإنسان المبدع يرى ذلك حين ينظر إليه فلا يكتفي بما يرى وينزل إلى الأعماق ليرى بقية الجبل فيدركه كاملا فيصبح قادرا على التعامل معه.
وهذا العمق يتأتى بأن تستمع إلى الآخرين بإنصات، عليك أن تستمع إلى الجميع ولا تستنكر رأيا بل تسأل عن حيثيات هذا الرأي وتحاول أن تفهم كيف وصل صاحب هذا الرأي إلى رأيه وما هي المؤثرات التي أدت به إلى هذا الأسلوب والتوجه.
كل إنسان له منطق جعله يتبنى رأيا محددا. خطأ وصواب هذا الرأي يكمن ليس في مدى منطقيته لأن المنطق شئ نسبي ولكن الإختلاف يكمن في نوع المعلومات التي بُنيَ عليها هذا المنطق وفي الدوافع الداخلية لهذا الشخص، لذا فإن سماعك لجميع الآراء والتفكر فيها يجعلك أكثر عمقا لأنك أصبحت تغطي وجهات نظر عديدة عند مواجهتك لمشكلة ما، كما أصبح لديك فهم لطبيعة من تتحدث معه فإذا أردت التأثير عليه تستطيع أن تجد الباب الصحيح الذي تدخل منه لتعديل منطقه بعد أن استوعبت السبب وراءه (المعلومات والدوافع).
المبدع كيف يواجه مشاكلة؟
المبدع قد يواجه مشكلة في بيته ولكنه لا يستسلم لها بل يُوجِد الطرق التي يخرج بها منها حتى لو كانت مشاكل قدرية لا يمكن تغييرها.
المشكلة لها طرفين (1) المشكلة (2) المتضرر فأول محاولة للحل هي في تغيير المشكلة وحلها فإن كانت غير قابلة للحل فيجب التعامل مع المتضرر لتغيير إدراكه ورؤيته للمشكلة وطريقة تناوله لها.
حل المشكلة يصعب الحديث عنه ذلك لأن كل مشكلة ولها الأسلوب الذي يتفق معها بحسب طبيعتها لكن بشكل عام معظم حل المشاكل يحتاج لقدرات هامة منها القدرة على إتخاذ القرار، وهذه القدرة يعززها ويقويها اليقين في الله لأن الإنسان مهما بلغت به الثقة في نفسه فإنه لا يملك لنفسه شيئا لذا فإنه يثق فيمن يملك كل شئ أنه سبحانه سيعينه على تحمل تبعيات قراره وأنه سيلطف به في حالة حدوث أي شئ غير متوقع.
القدرة الثانية هي القدرة على تحمل المسئولية، هذه القدرة تجعل هناك سهولة في اتخاذ القرار وتمنع باب الحجج الواهية التي يبرر الإنسان بها تقصيره وإهماله وعدم قدرته على تحمل المسئولية.
القدرة الثالثة هي تحييد الحالة الإنفعالية، والإنفعال قد يكون ايجابيا ومطلوبا في كثير من الأحيان ولكن حين نأتي لحل مشكلة غالبا ما يكون تأثير الإنفعال تأثيرا سلبيا، والإنفعال هنا قد يكون غضب يخرج الإنسان عن شعوره ويجعله يتمادى فيما يؤذي به آخرين ويترتب عليه قرارات خاطئة أو حب يدفع إلى التحيز دون مراعاة حقيقة الموجه له هذا الحب، أو شفقة أو خوف يرعبنا من أخذ الحقوق وهكذا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
أما تغيير إدراك المتضرر فله نظام آخر
يجب أن نفهم جيدا أن الأحداث من حولنا ليست مطلقة بمعنى أنه لا يوجد موقف نستطيع أن نحكم عليه أنه موقف سعادة مطلقة أو موقف حزن مطلق ولكن إدراكك له يكون على حسب ظروفك وعلى حسب توجيهك رؤيتك.
كمثال: لدي محل تجاري في مستوى متوسط
العاطل سيراني محظوظة وأعمل في عمل يتمناه
الفقير الذي يجد بالكاد ما يأكله سيراني غنية غنى فاحش
أنا لدي مشاكل خاصة بهذا المحل فسأراه بالنسبة لي مشكلة تؤرقني وتضايقني
أما رجل أعمال فسيصنفني من الفاشلين الذين لم يعرفوا كيف يبنون المشروعات
أي هذه الرؤى هي الرؤية الصحيحة لحالي؟
لن تجد ردا
قد تقول جميعها خطأ
وقد تقول جميعها صحيح
تلك هي أحداث حياتنا بلا استثناء
تستطيع أنت أن تغير حكمك عليها بأن تنتقي الأوجه الإيجابية للحدث وتسيطر به على رؤيتك فلا تجعل نظرتك للأمور رد فعل عشوائي ولكن تجعله تحت سيطرتك وهكذا تكون قد تحكمت في حياتك.
ولكل موقف إيجابياته وتماشيا مع المثال السابق نجد أن العاطل والفقير أدركوا حالتي بشكل إيجابي ولهم حق فأتبنى موقفهم وأقل الحمد لله على هذه النعمة.
مثال آخر تكرر من حولي متعلق بظروف اجتماعية تجبر امرأة على أن تكون سجينة بيتها سواء مع أهلها أو زوجها وكلمة سجينة هي من وجهة نظرها الخاصة، فإذا رأت امرأة تخرج إلى العمل تحسرت على نفسها وإذا رأت امرأة حرة تذهب وتأتي متى تشاء حسدتها على حريتها.
هنا إنتقت هذه المرأة سلبيات ظروفها وإيجابيات ظروف الآخرين فأصبحت ترى أنها الضحية وأن الأخريات هن الفائزات مع أن المسألة متعادلة لأن جميع الأطراف لديهن سلبيات وإيجابيات داخل ظروفهن، فالجالسة في بيتها لديها وقت لتقرأ وتتعلم ولديها الوقت لتتصفح الإنترنت وتتفاعل مع البشر من خلاله ولديها حتى الوقت لتعمل مشروعا في بيتها يسليها ويدر دخلا أو على أقل تقدير لديها الوقت الذي لا تجده أخريات لتهتم بنفسها من أجل زوجها فتجذبه إليها وتكون سندا له فتضيف لحياتها زوجا راضيا، والأخريات ليس لديهن هذه الفرصة، أما عن سلبيات خروج المرأة في هذا الزمن فهي مسألة غنية عن التعريف،
واختصارا فإن المرأة المبدعة هي التي تحول سجنها إلى جنة في هدوء ودون الإستعانة بالآخرين.
المبدع ماذا يفعل في عمله؟
الإبداع كما اتفقنا من قبل يظهر مع ظهور المشاكل والصعوبات، فإذا كانت الحياة هادئة بلا مشكلات كيف سيظهر الإنسان المبدع،
حين رأى الإنسان أن تقشير البطاطس مسألة شاقة اخترع أحد المبدعين قشارة البطاطس
عندما حدثت أزمة في الطاقة ومصادرها بدأ العلماء المبدعين في التفكير في مصدر آخر للطاقة بدلا من البترول
هناك الإبداع في كلا الحالتين على اختلاف تعقيداتهما ومهما بلغت بساطة ما فعلت فإنه يندرج تحت دائرة الإبداع طالما أنه تيسير لصعوبة أو حل لمشكلة بشكل جديد
إن تسهيل مشقة في عملك هو إبداع وإيجادك أفكار لتطوير أو تحديث ما تقوم به أيضا إبداع . وهنا أود أن أضع مرادفا آخر كبديل للإبداع وهو "الإحسان" الذي تحدثت عنه آيات كثيرة في كتاب الله منها:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) – المائدة
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) – البقرة
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) – آل عمران
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) - يوسف
إبداعك في عملك لا تربطه بالمال، فلا تقبل عملا ثم تقول لن أبدع فيه لأن ماله قليل ذلك لأن أجرك على الله وهو سبحانه قادر على أن يرزقك بحقك من حيث لا تحتسب، كما أن من أسباب الدنيا العادية لرقي الإنسان في عمله أن يُعرف بأنه كفء وكيف سيعرف الناس ذلك وهو لا تريد أن يعمل أي شئ إلا بالمال، وإذا فرضنا أن زاد مالك بدون مجهود فسيكون ذلك بمثابة تشجيع لك بأن تطالب بأجر إضافي دون مجهود يذكر، وستقول لنفسك لماذا أتعب في عملي وهم يتقبلون مني القليل.
وعن حالات أخرى حدث معي موقفا متعلقا بالإبداع أود مشاركتكم فيه، ذلك أن مدرب أبنائي الخاص بألعاب القوى قصدني في أن أبحث له عن عمل على أساس أنني أعمل بالتليفزيون المصري، وقال أريد أن أعمل في التليفزيون أي شئ ولو موظف أمن، فمعي بكالوريوس تربية رياضية.
لقد فوجئت بهذا الموقف وظللت أفكر في أبعاده
إنسان يحمل بكالوريوس تربية رياضية يريد أن يعمل أي شئ ولو موظف أمن (يعين بالدبلوم)
والسبب في هذه الفوضى كان واضح
(1) وجود هدف غير محدد الملامح وهو إيجاد مصدر دخل
(2) عدم وضع خطة لتنفيذ حتى هذا الهدف العشوائي
الطبيعي كان التفكير في الوظيفة التي تتناسب مع المؤهل (في هذه الحالة التدريب)
ثم الأماكن التي يمكن السعي فيها (النوادي، المدارس، الحضانات، صالات الجمنيزيوم الخاصة، تدريبات خاصة)
ثم التحضير للتقديم داخل هذه الأماكن
هذا التحضير المبدع من الممكن أن يكون بوضع خطة تدريبية خاصة ومتميزة للنهوض باللياقة البدنية لطلبة المدارس أو الحضانات مثلا، أو عمل موقع بسيط والإعلان عن برامج تدريبية وأسعار جذابة للمواطنين العاديين، أو التسويق بأي طريقة مناسبة والإبتكار في طريقة العرض بأقل تكاليف.
هذا هو السلوك المبدع تجاه حل مشكلة خاصة بطلب العمل.
والإبداع ليس له حدود فكل إنسان يستطيع أن يأتي بورقة وقلم ويبدأ في وضع خطته الخاصة بتحديد الهدف والطريق المبدع الذي يصل إليه، ثم يضع كل أفكاره في هذه الورقة مهما كانت صعبة ويبدأ في تنسيقها وإيجاد حلول وبدائل لها، فكم من أهداف صعبة بدأت بفكرة بسيطة أو حلم صغير وببعض العزيمة والإيجابية والإصرار.
وإذا أردت أقصر الطرق لتفعل هذا فعليك بتوجيه حلمك بنية خالصة لله ولنفع المسلمين وليس نفعك الخاص ولو أن نفعك الخاص مرتبط بشكل مباشر بنفع الآخرين لأنك ترضي الله وتفعل ما امرك به ولأن الآخرين هم جزء من مجتمعك الذي إذا صلح ملأت الدنيا من حولك بالعدل والحب والإيثار.
المفضلات